استمع إلى الملخص
- استخدم الباحثون تقنيات مثل التحليل الجزيئي المكاني لتحديد وتعديل هذه الخلايا العصبية، وأظهرت التجارب أن تنشيطها يؤدي إلى تناول وجبات أصغر.
- تفاعلت الخلايا مع دوائر الأكل والهرمونات، مما ساعدها على مراقبة الأكل، وقد تكون النتائج ذات صلة بالبشر لتشابه جذع الدماغ بين الفقاريات.
اكتشف علماء خلايا عصبية متخصصة في أدمغة الفئران، تصدر إشارات للتوقف عن الأكل. تقع هذه الخلايا العصبية في "جذع الدماغ"، وهو أقدم جزء في دماغ الفقاريات، ويمكن أن تمهد الطريق لعلاجات جديدة للسمنة والمشكلات الصحية المرتبطة بها، وفقاً للدراسة التي نشرت يوم الخامس من فبراير/ شباط في مجلة Cell.
وجد الباحثون أن هذه الخلايا العصبية تعمل بمثابة "زر إيقاف" للأكل، إذ تدمج إشارات متعددة من الجسم لتحديد الوقت الذي يكون فيه الحيوان قد حصل على ما يكفي من الطعام.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة ألكسندر نيكتو، أستاذ علوم المخ والأعصاب في كلية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا: "تختلف هذه الخلايا العصبية عن أي خلايا أخرى تشارك في تنظيم الشعور بالشبع، إذ يبدو أنها تجمع معلومات عن الطعام في فمنا، ومدى امتلاء الأمعاء، والمواد الغذائية التي استهلكناها، ثم تستخدم كل هذه البيانات لتقرّر متى تتوقف عن الأكل.
قرار التوقف عن الأكل هو أمر نمر به جميعاً، يضيف نيكتو في تصريحات لـ"العربي الجديد": "في كل مرة نجلس لتناول الطعام، نبدأ بالشعور بالشبع عند نقطة معينة، وفي النهاية نفكر: حسناً، هذا يكفي. كيف يعرف الدماغ أن الجسم قد حصل على ما يكفي من الطعام؟".
أشارت أبحاث سابقة إلى أن عملية صنع القرار هذه تحدث في جذع الدماغ، لكن العلماء لم يتمكنوا من تحديد الخلايا المسؤولة بدقة: "استخدمنا تقنيات متقدمة لتحليل الخلايا الفردية في جذع الدماغ، وهي منطقة معروفة بمعالجة الإشارات المعقدة"، يقول المؤلف.
سمحت طريقتهم، التي تسمى التحليل الجزيئي المكاني، بتحديد خلايا عصبية لم تكن معروفة من قبل، وتلعب دوراً رئيسياً في التحكم في الشهية. يوضح الباحث: "قلنا: هذا مثير للاهتمام.. ما الذي تفعله هذه الخلايا العصبية؟".
ولفهم كيفية عمل هذه الخلايا العصبية، عدّلها الباحثون هندسياً، فيمكن تنشيطها أو إيقافها باستخدام الضوء. عندما نُشّطت الخلايا العصبية، أكلت الفئران وجبات أصغر بكثير، وكلما زادت قوة التنشيط، توقفت الفئران عن الأكل أسرع.
"هذه الخلايا العصبية لا تصدر إشارة توقف فورية فحسب، بل تساعد الفئران على الإبطاء تدريجياً في تناول الطعام. وهذا يشير إلى أن الخلايا العصبية لا تعمل بصفة فرملة طوارئ فقط، بل بصفة منظم يساعد الجسم على الانتقال بسلاسة من مرحلة الأكل إلى الشعور بالشبع"، يوضح نيكتو.
درس الباحثون كيفية تفاعل هذه الخلايا العصبية مع دوائر الأكل الأخرى والهرمونات، ووجدوا أن الخلايا العصبية تتأثر بهرمون يزيد الشهية وبعقاقير GLP-1، وهي فئة من الأدوية تستخدم عادة لعلاج السمنة والسكري. ساعدت هذه المدخلات الخلايا العصبية على تتبع كل قضمة تأخذها الفئران، ما سمح لها بمراقبة عملية الأكل بالكامل.
ووفقاً للباحث، فإن هذه الخلايا العصبية يمكنها شم الطعام، ورؤيته، والإحساس به في الفم والأمعاء، وتفسير جميع الهرمونات المعوية التي تُطلق استجابةً للأكل، ثم تستخدم كل هذه المعلومات لتقرر متى يكون الطعام كافياً. رغم أن الدراسة أجريت على الفئران، يعتقد الباحثون أن النتائج ذات صلة كبيرة بالبشر؛ إذ إن جذع الدماغ، حيث توجد هذه الخلايا العصبية، متطابق تقريباً في جميع الفقاريات، بما في ذلك البشر.
يشير هذا إلى أن خلايا عصبية مماثلة من المحتمل أن تكون موجودة في الدماغ البشري. يقول المؤلف الرئيسي للدراسة: "نعتقد أن هذا يمثل نقطة دخول رئيسية لفهم ما يعنيه الشعور بالشبع، وكيف ينشأ هذا الشعور، وكيف يُستخدم لإنهاء الوجبة. نأمل أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى علاجات جديدة للسمنة في المستقبل، خاصة أن السمنة هي أزمة صحية عالمية، إذ تؤثر على ملايين الأشخاص وتزيد من خطر الإصابة بأمراض مثل السكري وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان". يضيف أن العلاجات الحالية، غالباً ما تكون (بما في ذلك النظام الغذائي والتمارين الرياضية والأدوية) محدودة النجاح، ومن ثم يمكن أن يفتح اكتشاف هذه الخلايا العصبية الباب أمام تدخلات أكثر فعالية.
يبدو الباحثون متفائلين بأن اكتشافهم يمكن أن يؤدي في النهاية إلى أدوية أو علاجات جديدة تستهدف هذه الخلايا العصبية لمساعدة الأشخاص على الشعور بالشبع أسرع، وتناول كميات أقل من الطعام. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد الأدوية التي تنشط هذه الخلايا العصبية الأشخاص الذين يعانون الإفراط في الأكل أو السمنة. "يمنحنا هذا الاكتشاف طريقة جديدة للتفكير في كيفية تحكم الدماغ في الأكل. الأمر لا يتعلق فقط بالجوع أو الرغبة الشديدة في الطعام، بل بفهم النظام المعقد الذي يخبرنا متى نتوقف"، يوضح نيكتو.