التفاف على الرقابة الروسية بأموال أميركية

التفاف على الرقابة الروسية بأموال أميركية

05 يوليو 2022
خلال تظاهرة عنوانها "من أجل الحرية على الإنترنت" في موسكو عام 2017 (صفا كاراكان/ الأناضول)
+ الخط -

تمول الإدارة الأميركية أدوات للالتفاف على الرقابة في روسيا باتت أساسية للكثير من المواطنين والناشطين في هذا البلد لضمان عدم عزلهم عن العالم. ومنذ بدء غزو أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط، كثفت موسكو دعايتها، وحدّت بشكل صارم من وصول مواطنيها إلى مصادر الأخبار غير الرسمية، أي وسائل الإعلام التي تتحدث عن "حرب" في أوكرانيا وليس عن "عملية خاصة تهدف إلى اجتثاث النازية" في هذا البلد المجاور، بحسب الكرملين.

سجلت الشبكة الافتراضية الخاصة "سايفن" Psiphon التي تسمح بالالتفاف على الرقابة، في مطلع العام، نحو 48 ألف اتصال بالإنترنت يومياً في روسيا. وازداد عدد الاتصالات بالإنترنت بعشرين ضعفاً في منتصف مارس/آذار، بالتزامن مع حظر الحكومة "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر". وتؤكد الشبكة اليوم أنها تعد أكثر من 1.45 مليون مستخدم يومياً في المتوسط.

وقالت الناشطة الحقوقية من المنظمة غير الحكومية الأميركية أكسِس ناو، ناتاليا كرابيفا، إن "التلفزيون الروسي لا يبث سوى دعاية فظيعة تحرض على الكراهية والقتل". وبالتالي، باتت الأدوات المعلوماتية للتصدي للرقابة أساسية للاطلاع على مصادر معلومات أخرى، كما للتواصل بحرية مع الأقرباء. وأوضحت الخبيرة، لوكالة فرانس برس، أنه "يجب أن تكون البرمجيات سهلة الاستخدام وآمنة، وإلا فقد يُرصد المستخدمون ويوضعون تحت المراقبة".

وأكد أحد مديري "سايفن"، ديريك رودنبورغ، أنه من دون الدعم المالي من الإدارة الأميركية "لما كنا بكل بساطة نملك الوسائل لتوفير أدوار متطورة كهذه، وليكون لنا بالتالي مثل هذا التأثير".

تحظى "سايفن"، على غرار شبكتي لانترن ونثلينك، بدعم صندوق التكنولوجيا المفتوحة Open Technology Fund، وهو صندوق حكومي ينفق ما بين 3 و4 ملايين دولار في السنة، لتمويل شبكات افتراضية خاصة في العالم تحت شعار حرية التعبير. وأفادت المنظمة وكالة فرانس برس بأنها خصصت أموالاً إضافية طارئة إثر الهجوم الروسي على أوكرانيا هذه السنة. وبحسب تقديراتها، فإن نحو أربعة ملايين شخص في روسيا يستخدمون حالياً هذه الشبكات الخاصة الثلاث لتصفح الإنترنت، مجاناً، إذ انسحبت خدمات الدفع من هذا البلد عملاً بالعقوبات الدولية.

وقال متحدث باسم "لانترن" لـ"فرانس برس": "لسنا شبكة افتراضية خاصة حقاً، بل أداة مضادة للرقابة". وأوضح أن "الشبكات الافتراضية الخاصة التقليدية تكون مشفرة، حتى لا يتمكن مسؤولو الرقابة من الاطلاع على المحتويات التي يتم تصفحها، لكن من السهل على بلد مثل روسيا حجبها"، في حين أن "سايفن" و"لانترن" تستخدمان وسائل أكثر تطوراً "حتى لا تُرصد خوادمنا".

تكنولوجيا
التحديثات الحية

واستفادت الشركتان الناشئتان من خبرتهما في دولتين أخريين يحكمهما نظام متسلط، هما بيلاروسيا وبورما. وروى المتحدث باسم "لانترن" أنّه "قبل سنتين انتقلت الصين إلى مستوى جديد، بذلت الكثير من الجهود لمحاولة حجب كل شيء. كان يتحتم علينا وضع بروتوكولات جديدة كل أسبوع. وبالتالي، كنا جاهزين لروسيا".

وقبل الحرب على أوكرانيا، كانت روسيا تستخدم التخويف السياسي أكثر من الوسائل المعلوماتية لقمع المعارضين. وأضاف المتحدث: "لم يكونوا جاهزين لحجب أي شيء، كان هناك تماثل واضح بين عدم الكفاءة العسكرية الروسية وعدم الكفاءة على الإنترنت". ويرى الخبراء أن السلطات الروسية تخطت تأخرها هذا، لكن الأدوات المضادة للرقابة تقاوم. ويوضحون أنّه، حتى لو كانت مستخدمة فقط من نسبة ضئيلة من المواطنين، فهي تبقى أساسية بالنسبة للمقاومة.

وأقرت روسيا، في مارس، قانوناً يعاقب على "المعلومات الكاذبة" التي تسيء إلى سمعة الجيش الروسي. وذكرت ناتاليا كرابيفا أن التوقيفات لا تزال نادرة في الوقت الحاضر، لكن العديد من الصحافيين والناشطين الذين تلقوا تحذيراً أول من السلطات يفضلون الخروج إلى المنفى. وأضافت الخبيرة أن "العديد من المحامين يبقون في البلد، ويلزمون الصمت، حتى يتمكنوا من الدفاع عن الذين يواصلون التعبير عن رأيهم. وهناك; آخرون يرحلون. ثمة منظمات كثيرة لديها أشخاص على الأرض وآخرون في الخارج، ويتحتم عليها إيجاد وسائل تمكنها من العمل".

ومن المستحيل من دون الشبكات الافتراضية الخاصة وغيرها من الأدوات تنظيم صفوف المقاومة. وقالت ناتاليا كرابيفا: "ثمة أمور كثيرة تحصل على الإنترنت، وكذلك في الحياة الحقيقية" مشيرة إلى أن بعض الناشطين "يبثون رسائل معادية للحرب، أو يشرحون السبل القانونية للإفلات من الخدمة العسكرية، فيما يحاول آخرون قطع الطريق على القطارات التي تنقل معدات عسكرية إلى أوكرانيا". 

ومن الصعب معرفة ما إذا كان الحفاظ على إمكانية الدخول إلى الإنترنت العالمي له تأثير أبعد من جيوب المعارضة في روسيا. وأقرت ناتاليا كرابيفا بأنّ "التكنولوجيا ليست حلاً سحرياً، لكنّ الأمر أسوأ حين يكون الإنترنت خاضعاً بالكامل للرقابة".

المساهمون