التغطية الصحافية الغربية لمونديال قطر: السخرية الاستشراقية

التغطية الصحافية الغربية لمونديال قطر: السخرية الاستشراقية

14 نوفمبر 2022
تنطلق بطولة كأس العالم الأحد المقبل (ماثيو أشتون/Getty)
+ الخط -

في 21 يوليو/ تموز عام 2022، نشرت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية مقالًا بعنوان "فضيحة في قطر بسبب إطلاق النار على 29 كلبًا أثناء التحضير لكأس العالم". ومن خلال التلاعب المخادع بالكلمات، ربط العنوان بين حدثين لا علاقة لهما ببعضهما. ليس هذا فحسب، بل لم يكن من الواضح ما هو الحدث الشائن، قتل 29 كلبًا، أم حصول ذلك في بلد يستضيف كأس العالم عام 2022!

على أية حال، من الصعب تخيل أن حادثة مشابهة في دول الشمال العالمي، قد تُربط بالطريقة نفسها ببطولة رياضية منتظرة. وعلى سبيل المقارنة، استضافت المملكة المتحدة دورة ألعاب الكومنولث عام 2002، بالتزامن مع إعدامها 6 ملايين رأس ماشية بسبب الحمى القلاعية، إنما بالطبع، لم يربط أي عنوان رئيسي بين الحدثين.

ينم هذا الخلط بين حدثين غير متصلين عن اختزالية واضحة: بمعنى أنّ "كل ما يحدث في قطر ليس مهمًا ما لم يُربط بكأس العالم". ومثل العديد من العناوين الرئيسة التي شاهدناها خلال العقد الفائت، يعكس عنوان "ذا غارديان"، ميلًا إشكاليًا في تغطية مونديال قطر، نحو تأطير كل ما يحدث في الدولة الخليجية بالحدث الرياضي العالمي، وعرضه من هذا المنظور.

ولم يغب ذلك عن نطاق ملاحظة الباحثين، الذين بدأوا التركيز على هذه النماذج الإعلامية المشوهة التي تعتبر مونديال قطر ظاهرة "استثنائية" (بمعنى شاذة). إذ تذكر ناتالي كوك شعورًا سائدًا بـ "التفوق الأخلاقي" بين المراقبين الغربيين في ما يتعلق بكأس العالم. وتتساءل كريستال إينيس عن سبب الإشارة بإصبع الاتهام إلى قطر تحديدًا بإساءة معاملة المهاجرين، بينما هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان، وتقول: "إن تمييز قطر دونًا عن بقية العالم في هذه المسألة، يتيح للمراقبين تجاهل الانتهاك باعتباره شيئًا متأصلًا في مجتمعات أو ثقافات الشرق الأوسط".

ويجادل كل من نيها فورا وزهرة بابار بأن "الخطابات الحضارية حول الخليج المستبد والقمعي والفاسد، ميزت تغطية مونديال قطر، وحملات حقوق الإنسان على وجه الخصوص، أعادت إنتاج نظرة استعمارية بيضاء في تمثيل العمالة والهجرة في الخليج".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

بطبيعة الحال، تعتبر القضايا التي تهيمن على أخبار قطر، مثل حقوق العمال أو حقوق مجتمع الميم، قضايا جديرة بالتغطية الإعلامية، لكنّ هذا المقال لا يتمحور حول ما إذا كانت حقوق الإنسان مهمة وذات قيمة خبرية (بالطبع هي كذلك)؛ بل يتمحور حول ما إذا كانت الصحافة ــ وفي هذه الحالة الصحافة البريطانية ــ تتعامل مع قطر بشكل مختلف، وتحديد السبب إن كان الجواب نعم.

إحصاء العناوين

إن بحثًا متعمقًا في السرديات الإعلامية وتغطية مونديال قطر، يضفي مصداقية على فرضية أن قطر "تعامل على أنها مختلفة بطبيعتها عن الأمم الأخرى"، لا سيما بالمقارنة مع بطولات كأس العالم الأخرى.

منذ فوزها باستضافة كأس العالم في عام 2010، ذُكر اسم قطر حوالي 1735 مرة في العناوين الرئيسة للصحف البريطانية "ذا غارديان"، و"ذا تايمز"، و"ديلي إكسبريس"، و"ذا صن"، و"ديلي ميل"، و"ذا تيليغراف"، و"ميترو يو كيه". وتمحورت 40% (685) من تلك المقالات حول كأس العالم.

ويكشف تحليل لهذه العناوين الـ 1735 التي ذكرت "قطر"، أن أكثر كلمة أو عبارة تكررت فيها هي "كأس العالم". وبصياغة أخرى، كان "كأس العالم" هو المصطلح الأكثر شيوعًا في عناوين التقارير التي تناولت قطر. تشير هذه الأرقام إلى أن أهمية قطر في الصحافة البريطانية اختزلت بشكل ملحوظ باستضافتها كأس العالم. ونستخلص من هذا "التسطيح" أن قصص المونديال لعبت دورًا كبيرًا في التأثير على ظهور قطر في الصحافة البريطانية.

ويكشف التحليل أن أكثر 5 مواضيع شيوعًا في جميع المقالات التي تناولت قطر هي:

  • حقوق العمال وحقوق الإنسان
  •  الرياضة
  • أزمة الخليج عام 2017
  • الفساد والرشوة
  • الطيران

باستثناء العبارات الأساسية "قطر" و"فيفا" و"كأس العالم"، كانت كلمة "العمال" هي الأكثر شيوعًا في المقالات الرئيسة التي تناولت قطر، في إشارة حصرية إلى الظروف التي يعاني منها معظم عمال البنية التحتية في هذه الدولة الخليجية.

كما يكشف الجدول الزمني للمقالات بعض الأشياء المثيرة للاهتمام. ففي عام 2017، هيمنت أزمة الخليج على التقارير المتعلقة بقطر، وأدى ذلك إلى تقليل النسبة الإجمالية للمقالات التي تتمحور حول كأس العالم، إلى 9% فقط من معدل التغطية.

كذلك، كانت التغطية سلبية على نحو كبير. فمن بين قرابة 685 مقالة صحافية بريطانية حول كأس العالم، كانت 66% (454) منها ناقدة، و29% (201) محايدة، و5% (33) فقط إيجابية.

بين تلك المقالات السلبية، انتقد أكثر من الثلث (36%) حقوق الإنسان، مع التركيز على حقوق العمال، في حين انتقد حوالي 25% الفساد والرشوة، وتمحورت 9% من العناوين حول تجريد قطر من كأس العالم، و%4 حول حقوق مجتمع الميم، لكنّ هذه الأخيرة كانت الأكثر مشاركة على "تويتر" على الرغم من قلة عددها.

وعلى سبيل المقارنة، من المفيد إلقاء نظرة على تغطية كأس العالم في روسيا. في الفترة التي تفصل بين اختيار روسيا لتنظيم كأس العالم، واستضافتها الفعلية لها، تمحورت 3% (492 من 15000) فقط من جميع المقالات حول الحدث الرياضي، بينما كانت النسبة 40% في حالة قطر.

بشكل عام، كانت تغطية روسيا بدورها سلبية للغاية، مع توفر المحتوى الكافي من الأعمال الوحشية، مثل إسقاط الرحلة "إم أتش 17"، والضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم وغزوها، وقصف سورية، والعديد من قضايا حقوق مجتمع الميم، وتسميم مقيمين في المملكة المتحدة بغاز الأعصاب، وهذه كلها حوادث وقعت قبل كأس العالم وغطيت إعلاميًا بكثافة.

على الرغم من ذلك، كان من الأقل احتمالًا، أن يربط عنوان رئيس بين هذه القضايا وكأس العالم في روسيا. إنما من بينها، كانت قضية تسميم سكريبال في المملكة المتحدة، العنصر السلبي الأكثر ارتباطًا مع كأس العالم والدعوات للمقاطعة في العناوين الرئيسة. وفي العينة المدروسة، ظهرت أوكرانيا على سبيل المثال، ثلاث مرات فقط في العناوين المرتبطة بكأس العالم.

تفسير العناوين الرئيسة

بالنظر إلى سلوكيات روسيا قبل استضافتها كأس العالم، يتضح أن التغطية السلبية للمونديال لا ترتبط بمدى ارتكاب الدولة للأعمال الوحشية أو الأذى (يمكن إثبات ذلك في جميع الحالات). فلماذا يُتعمّد الربط بين تصرفات دولة قطر وكأس العالم؟

للتفسيرات وجوه عدة. تتعلق التغطية الإعلامية بقيمة الأخبار، أي الأشياء التي يأخذها الصحافيون بعين الاعتبار عند اختيار قصصهم. في المملكة المتحدة، تعتبر كرة القدم من الأخبار المهمة، وخاصة كأس العالم، بوصفه حدثًا رياضيًا ضخمًا يستحق التغطية. تعتبر قضايا حقوق الإنسان أيضًا مهمة وذات قيمة خبرية لبعض (وليس كل) الصحف في المملكة، والصحافة البريطانية ناقدة بشكل عام، كما ينبغي أن تكون.

ومع ذلك، لا تفسر هذه الأسباب قلة ارتباط عناوين كأس العالم الرئيسة بالأعمال الوحشية في حالة روسيا. فالقوة الناعمة جزء من السبب. إذ وجدت إحدى الدراسات أن هيئة الإذاعة الروسية الحكومية ساهمت في تكوين صورة أكثر إيجابية عن روسيا. بالإضافة إلى ذلك، ظلت قطر أربع سنوات في دائرة الضوء أكثر من روسيا، التي اختيرت لتنظيم كأس العالم في الوقت نفسه، لكنها استضافتها عام 2018.

من المعروف أيضًا أن هنالك مشكلات أخرى تؤثر على التغطية الإعلامية. إذ تميل وسائل الإعلام الغربية إلى صياغة التقارير "بشكل سلبي" عن البلدان الأصغر والأقل بروزًا وقوة بشكل عام. وبهذا تتجه التغطية الإعلامية للأحداث الرياضية الضخمة في بلدان الجنوب العالمي إلى السلبية، وغالبًا إلى الاستشراق.

ظهر ذلك في الدراسات التي تناولت كأس العالم في جنوب أفريقيا عام 2010 وكأس العالم للكريكيت في الهند عام 1996. حتى أن حكومة جنوب أفريقيا ألقت باللوم على تغطية الصحافة البريطانية باعتبارها أحد أسباب انخفاض أرقام المتابعة المتوقعة لكأس العالم في ذلك البلد. وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، وجد العديد من الدراسات التي تناولت وسائل الإعلام البريطانية، أنّها تميل إلى تمثيل المسلمين والعرب بشكل سلبي.

كذلك، تحتاج مساعي القوة الناعمة مثل كأس العالم إلى بيئة إقليمية داعمة، لم تكن موجودة في قطر بين عامي 2017 و2021، أي في سنوات حصار قطر من قبل جيرانها. وبينما حلت تغطية أزمة الخليج مكان تغطية كأس العالم، عكست أيضًا بيئة إقليمية معادية، حيث ورد أن شركات بريطانية وغيرها مثل (بروجيكت أسوسييتس، سي تي إف بارتنرز، كورنرستون غلوبال) مولت مشاريع لتقديم صورة سلبية عن قطر في وسائط الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وعن سبب عدم مقاطعة المملكة المتحدة كأس العالم في روسيا، كتب الصحافي الرياضي بارني روناي: "لا تحتكر دولة الأعمال الوحشية، التي يشير التاريخ إلى أنها موزعة حول العالم بالتساوي".

على الرغم من سذاجة الادعاء بالتكافؤ الأخلاقي بين الدول، بغض النظر عن حجمها أو تاريخها، لا تقسم الصحافة البريطانية الأعمال الوحشية بالتساوي، عندما يتعلق الأمر بكأس العالم. فبينما نشرت وسائل الإعلام البريطانية العديد من المقالات السلبية حول كأس العالم في كل من روسيا وقطر، مالت في تغطيتها إلى فصل أعمال روسيا الوحشية عن كأس العالم، أكثر بكثير مما فعلته في حالة قطر.

أظهرت تغطية كأس العالم قطر بشكل كاريكاتوري، أي تعمدت المبالغة غير الدقيقة في بعض الخصائص لخلق تأثير هزلي أو مشوه. في الواقع، إذا صدقنا صحيفة "ذا غارديان"، فسنقتنع بأن قطر معروفة بأمرين فقط: "احتياطيات نفطية ضخمة وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان".

وربما مع تقارير أكثر شمولاً أو دقة، يمكن أن يتسع هذا يومًا ما ليشمل ثلاثة أمور - باستثناء كأس العالم بالطبع.

(هذا المقال مترجم عن موقع The New Arab/ ترجمة: ريام حيدر)

المساهمون