التستر على الاغتصاب يلاحق مجلة "معازف" ومؤسسات تفض شراكاتها معها

التستر على الاغتصاب يلاحق مجلة "معازف" ومؤسسات تفض شراكاتها معها

28 يونيو 2022
قالت فؤاد إن الحادثة وقعت في حفل نظم في بيروت (فاطمة فؤاد/فيسبوك)
+ الخط -

قالت الناشطة اللبنانية فاطمة فؤاد إنها تعرضت للاغتصاب من قبل مغنّ أردني فلسطيني وزميلته المصرية، خلال حفل أقامته مساحة مكتبة برزخ في العاصمة اللبنانية بيروت، بالتعاون مع المجلة الموسيقية الإلكترونية معازف التي قالت إن إدارتها "تسترت على الجريمة".

وكتبت فاطمة فؤاد شهادتها عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، السبت الماضي، تفاصيل وثقت فيها ما حصل، فقالت إنها تعرضت لـ"اغتصاب على يد ب.س. (أردني فلسطيني) وآ.م. (مصرية)"، في 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2019، حين كانت تعمل مديرة لمساحة ومكتبة برزخ، خلال حفل نظم بالتعاون مع فريق "معازف" والنادي الليلي البيروتي بولروم بليتز، وأحياه 12 موسيقياً من العالم العربي.

واتهمت فؤاد الموسيقيَين بـ"الاعتداء عليها، عبر تخديرها رغماً عنها، واغتصابها".

وأضافت أنها وافقت، بعد يومين، على حضور اجتماع في "برزخ" مع مديرها وشخصين من فريق "معازف" والموسيقية المصرية التي أساءت إليها واتهمتها بالكذب. وقالت إن الموسيقي الأردني الفلسطيني تواصل معها بعد أسبوعين، محاولاً "الاعتذار" و"التوضيح"، وذلك "عبر التحوير والتلاعب بتفاصيل كل احتكاك وقع بينهما".

وأوضحت أنها قررت "تأجيل المواجهة" حينها، "لإدراكها أنها لا تزال تحت تأثير الصدمة، وعاجزة عن صياغة سردية واضحة للعيان". وأضافت: "إنني على قناعة أن للناجية الثائرة، صاحبة الحق، أن تعلن ساعة الصفر متى شاءت، كيفما شاءت".

وفي الشهادة نفسها، اتهمت فؤاد المحرر المؤسس في "معازف"، معن أبو طالب، بأنه "أصر على الفريق بالتوجه نحو لفلفة الموضوع وعدم نشر بيان يدين المغتصب ب.س.". وقالت إن موقفة هذا أثار انقساماً كبيراً في المجلة، "وصل إلى طرد إحداهن واستقالة 3 أشخاص". ووصفت سلوكه بـ"الأبوي الأعمى نحو المغتصب".

ولم يعلق الموسيقيان إلى الآن على الاتهامات التي وجهتها فؤاد إليهما.

شارك في الحفل المذكور بشار سليمان وآية متولي وآية عطوي وجسِّكا خزريق ورامي الصباغ، وغيرهم.

بعد انتشار شهادة فؤاد على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتكاثر الدعوات إلى مقاطعة "معازف"، أصدرت مؤسسة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، السبت، بياناً أوضحت فيه موقفها، خاصة أن الشهادة تزامنت مع تحضيراتها لحفل "ميدان" الشهر المقبل احتفالاً بعيدها الخامس عشر، شاركت في تنظيمه "معازف".

أكدت "آفاق" في بيانها على "تضامنها الكلي" مع فاطمة فؤاد، وأنها "لم تكن على معرفة مسبقة بالحادث".

وأوضحت أن الشراكة مع "معازف" في حفل "ميدان" هي شراكة فنية، و"في ظلّ الاتّهامات الحالية لإدارة مؤسسة معازف، وإيماناً منها بالمسؤولية التي تحتّم على أي مؤسسة/جهة/فضاء التعامل مع أي اعتداء بحماية الناجيات منه أولاً ومحاسبة المعتدين/ات ثانياً، أعلنت فضّ الشراكة مع معازف فوراً وإنهاء أي دور لها في تنظيم الحفل وإقامته".

في اليوم التالي، أصدرت "معازف" بياناً، قالت فيه إنها "تدعم فاطمة فؤاد وشهادتها"، وأكدت أن لديها "سياسة رفض تام لكل أنواع التحرش والتعدي الجنسي والسلوكيات غير اللائقة، وبالتأكيد الجرائم الشائنة مثل الاغتصاب".

وأقرت بـ"فشلها في صون هذه المعايير" في 31 ديسمبر 2019. وزعمت أن "غالبية الفريق الحالي علم بما وقع تلك الليلة لأول مرة بعد كتابة فاطمة عن أحداثها".

وأعلنت أنها "ستبدأ تحقيقاً مستقلاً في دور معازف ومدير معازف معن أبو طالب في الأحداث التي وقعت تلك الليلة، مع نشر بيان في كل مرحلة، وإتاحة المعلومات عن مجرياته". وأفادت بأن شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة (فبراير) ستنسق مع الهيئة التي ستتولى التحقيق، وفي غضون ذلك ستتسلم مريم النزهي إدارة المجلة. كما قالت إنها "من الآن فصاعداً، ترفض العمل مع مرتكبي الجريمة، وتعمل حالياً على مسح كل المحتوى المرتبط بهم".

وأكدت أن "أي تواطؤ أو تضليل من قبل أي عضو في فريق معازف الحالي ستتم محاسبته بما يضمن حق فاطمة فؤاد".

بدورها، أصدرت "فبراير" بياناً الإثنين، قالت فيه إنها تواصلت مع الإدارة الجديدة لـ"معازف"، لـ"التأكيد على ضرورة إجراء تحقيق مستقل ذي آليات واضحة وشفافة، وبمشاركة أطراف خارجية مختصة لمحاسبة أصحاب المسؤولية". وأعلنت عن قرارها تعليق عضوية "معازف" فيها، ووقف مشاركتهم في أنشطتها، بما في ذلك الأكاديمية البديلة للصحافة العربية، "إلى حين استكمال هذه الخطوات الجوهرية" في التحقيق والمحاسبة.

"فبراير" هي "بيت لمجموعة من وسائل الإعلام التقدمية المستقلة الرائدة في الشرق الأوسط: مدى مصر، والجمهورية، وميغافون، وصوت"، وفق ما تعرّف عن نفسها.

كما نشرت "معازف"، الإثنين، بياناً باسم معن أبو طالب، وصف فيه ما تعرضت له فؤاد بـ"الجريمة الشائنة". وقال إنه لم يحضر الحفل الذي أقيم في بيروت حينها، و"لم يحدث تواصل مباشر بينه وبين فاطمة فؤاد على الإطلاق"، وإنه "علم بجانبها من القصة بعد قراءة شهادتها". واستدرك قائلاً: "أدرك الآن أنه كان علينا إجراء تحقيق في ما حدث وقتها. لفشلي في فعل ذلك، أعتذر لفاطمة".

وأضاف أبو طالب: "أريد أيضاً أن أؤكد على الفصل بين نفسي وبين معازف. معازف مؤسسة عمرها عشرة أعوام صنعتها مجموعة من الكتّاب والمحررين والدي جايز والمنظمين. أنا لست معازف، هذا مهم، خاصة أن شهادة فاطمة فؤاد لا تذكر غيري".

وأوضح: "أغلب فريقنا الحالي تم توظيفهم بعد الحادثة وليس لديهم أي علاقة بذلك الحفل بأي شكل، باستثناء زميلي رامي أبادير، إلى جانب الموظفة السابقة فجر سليمان، اللذين دعوا أكثر من مرة أن نقطع كل صلة ببشار سليمان (الموسيقي الأردني الفلسطيني). كنت مخطئاً بعدم الإصغاء إليهم، وأنا أتحمل مسؤولية هذا القرار".

وأنهى بيانه قائلاً: "أتمنى أن يكون في هذا الوقت فرصة لتأمل وفهم المسؤوليات التي تقع على عاتق المنظمات الثقافية، وأن نعمل كلنا لبناء مساحات أكثر أماناً للجميع".

إلى جانب شهادة فاطمة فؤاد، نشر الموظفان السابقان في "معازف" اللذان شاركا في تنظيم الحفل، نور عز الدين وعمار منلا حسن، شهادتيهما الأحد. وقالت عز الدين في شهادتها إن "المدعو ب.س. ركلها، وأبعدها بالقوة وبطريقة عنيفة جداً، وصرخ في وجهها أمام أكثر من 700 شخص، ولو لم يتدخل أصدقاؤها لكان أبرحها ضرباً".

وقالت إن فؤاد أخبرتها بعد يومين بأنها "تعرضت للتحرش الجنسي"، وبأنها تواصلت مع الموسيقية المصرية التي "أخبرتها أن ب.س. اعتدى على فاطمة، بينما حاولت هي حمايتها، وأقنعتها أنها أيضاً ضحيته، ولفقت نسخة مختلفة عن القصة وصدقتها".

أضافت: "حاولت بعدها أنا وزميلي أن نكتب بيانا ضد ب.س.، لكن إدارة معازف لم تدعم الموضوع، بل كانت تحاول طوال الوقت استدراك الموقف وحماية ب.س".

وتحدث زميلها عمار منلا حسن عن شجاره مع الموسيقي الفلسطيني يوم الحفل بسبب سلوك الأخير، وقال إنه عرف عن حادثة الاغتصاب بعد يومين أو ثلاثة من الحفل، وإنه شارك في التحقيقات اللاحقة والجلسة التي جمعت فؤاد مع الموسيقية المصرية.

وأضاف: "خلال هذه الفترة، كانت فاطمة تريد إصدار بيان يتحدث عن واقعة الاغتصاب والتخدير، لكن إدارة معازف دفعت باتجاه أن لا يصدر بيان وأن لا يدخل اسم معازف في الموضوع، لأنها غير مسؤولة عما يقوم به الدي جايز. رغم أنني لم ألتزم شخصياً بهذا الخط، إلا أن هذه الضغوط كان لها دور رئيسي بعدم صدور بيان في الفترة اللاحقة للحفل مباشرة. بعد بضعة أشهر، انقسم فريق معازف إلى شقين بخصوص الاستمرار بتغطية إصدارات ب.س.، بينما لم يكن اتخاذ أي إجراء بخصوص آ.م. مطروحاً في أي مرحلة".

كما أصدرت نور عز الدين وعمار منلا حسن، مع المحررتين السابقتين في "معازف" هلا مصطفى وزهور محمود والمحرر السابق هيكل الحزقي، بياناً مساء اليوم، أكدوا فيه على "تضامنهم غير المشروط" مع فؤاد، واعتذروا عن "رضوخهم لأوامر الإدارة بالتستر على الجريمة، رغم مطالبتهم بفتح تحقيق لأكثر من مرة واحتجاجهم المتكرر على تغطية أخبار المعتدي ب.س. أو التعامل معه، كما عن عدم التعامل بذات الجدية مع آ.م.".

وأضافوا في البيان نفسه أن "الفريق، لا الحالي ولا السابق، ليس بيده حيلة، وأن كل القرارات مركزية وتتخذ من شخص واحد (المالك الوحيد للمؤسسة، باعتبار معازف شركة خاصة)". وقالوا إن "أسلوب الإدارة المركزي خلق بيئة عمل سامة، وعانى العاملون من تصرفات مؤذية". وأعلنوا أنهم يتفقون "مع ما قاله الزملاء عن عدم جدوى المحاسبة والتحقيق في مؤسسات ذات درجة مماثلة من المركزية"، وأنهم "ينظرون بعين من الشك نحو لجوء معازف إلى شبكة فبراير للتحقيق، فيما استعرضت معازف من قبل قوة نفوذها في الشبكة".

واقترحوا "وسائل ضغط تحمي العاملين وميراث عمل فريق معازف الحالي والسابق، وتمكين الأفراد على الإدارة بدلاً من وضع الطرفين في ذات الجبهة ومحاربتهما معاً، وتعميم/تأميم معازف، وتوزيع ملكيتها، وبالتالي حق إدارتها على الفريق عبر تحويلها إلى تعاونية عمالية، أو دعم تشكيل نقابة للعاملين والعاملات تحفظ حقوقهم، وتعطيهم السلطة على اتخاذ قرارات تمثل المجلة بشكل جمعي، وبالإمكان تعميم هذه الإجراءات على مؤسسات أخرى في المشهد العربي تعاني ذات التناقض الحاد...".

يذكر أن الدعوات إلى مقاطعة "معازف" لا تزال مستمرة، وقد طالب كتّاب بحذف مقالاتهم منها، اعتراضاً على كيفية تعاطيها مع الحادثة.

و"معازف" تعرف عن نفسها بأنها "مجلة الموسيقى الأولى والأخيرة من نوعها في العالم"، وقد تأسست خلال الأشهر الأولى من انطلاق تظاهرات الربيع العربي عام 2011.

المساهمون