الترويج للمسلسلات: هكذا تُقتل متعة المشاهدة والتشويق
استمع إلى الملخص
- تطورت أساليب الترويج لتشمل نشر مشاهد على منصات مثل "يوتيوب" و"تيك توك"، مما يضر بقيمة العمل ويقتل عنصر التشويق.
- أدى الانتشار العشوائي للدعاية إلى تأثير مباشر على مضمون الأعمال الفنية، حيث أصبحت التصريحات الجدلية للفنانين جزءاً من عملية التسويق، مما يحول المسلسلات إلى مواد للنقاش والاستعراض.
أصبح الجانب التسويقي في صناعة الدراما مكوناً رئيسياً في ميزانيات إنتاج المسلسلات، خاصةً مع توسع منصات العرض الرقمية، وأهمية مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في توجيه نسب المشاهدة. لكن مع الوقت، طغى الترويج والتسويق على صناعة الدراما نفسها، بعدما تطورت أشكال الدعاية لتصبح هوساً يسيطر على الفنانين المتنافسين على جذب الجمهور، ما خلق بيئة عرض مشوشة تضر بالمسلسلات أولاً. هذا ما حدث بوضوح في موسم رمضان 2025 الأخير.
في العقدين السابقين، كانت الدعاية تقتصر على إعلان وجود المسلسل أساساً، مع تقديم معلومات وعناصر تشويقية مثل إعلانات الشوارع والمقاطع الترويجية. لكن مع تحول العرض إلى الفضاء الرقمي، أصبحت مواقع التواصل مسرحاً رئيسياً للدعاية، بالتزامن مع عرض المسلسلات نفسها. بات الدفع للمؤثرين وصفحات التواصل للترويج للانطباعات الإيجابية، أو نشر كواليس التصوير، أو اعتماد منصة مثل "تيك توك" أداةَ تسويق أساسيةً، وسائلَ دعاية جديدة تتسع يوماً بعد يوم.
تطور الترويج وتحوله إلى هوس
مع تطور أساليب التسويق، أصبح من المعتاد أن تنشر شركات الإنتاج مشاهد من الحلقات على "يوتيوب" و"تيك توك" بالتزامن مع عرضها الرسمي. بعض هذه المقاطع تصل مدتها إلى نصف مدة الحلقة الكاملة، مما يضر بقيمة العمل ويشجع الجمهور على الاكتفاء بالمشاهد المجانية. على سبيل المثال، نشرت منصة Watch It على "يوتيوب" مقاطع وصلت إلى 32 دقيقة من الحلقة الأخيرة لمسلسل "لام شمسية" من أصل 47 دقيقة مدة الحلقة كاملة، ومدة 17 دقيقة من الحلقة الأخيرة لمسلسل "فهد البطل". هذه الممارسة تتناقض مع سياسة العرض الحصري وتقلل من قيمة الاشتراكات المدفوعة.
الدعاية لم تعد فقط تتعلق بجذب الجمهور، بل أصبحت في أحيان كثيرة تقتل عنصر التشويق. أصبح شائعاً الآن أن يعرف الجمهور أحداث الحلقات الأخيرة من خلال الفيديوهات المنتشرة على "تيك توك" وكواليس التصوير التي تُنشر يومياً. مسلسل "وتقابل حبيب"، مثلاً، تعرض لحرق أحداثه عندما نشر أفراد من العمل صوراً مع نيكول سابا من كواليس مشهد مقتل شخصيتها في نهاية المسلسل قبل عرضه الرسمي.
تداخل الترويج مع مضمون الأعمال الفنية
هذا الانتشار العشوائي للدعاية أثر بشكل مباشر على مضمون الأعمال نفسها. فبدلاً من أن تكون الدعاية وسيلة ترويجية تخدم العمل، أصبحت تتحكم في طريقة استقباله ومتابعته. ومن اللافت أن بعض شركات الإنتاج تتعمد نشر مشاهد حاسمة أو مثيرة للجدل من الحلقات لجذب التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لو كان ذلك يعني حرق الأحداث أو تشويه مضمون العمل.
إلى جانب ذلك، باتت التصريحات الجدلية التي يطلقها الفنانون جزءاً من عملية التسويق، حيث يتم تداول تصريحاتهم ونقاشاتهم بشكل موازٍ للأحداث الدرامية. ولعل أخطر ما في الأمر هو تحويل المسلسلات إلى مواد للنقاش والاستعراض على حساب جوهرها الفني. فمثلاً، حين ينشر ممثل مقطعاً مصوراً وهو يسخر من أحداث مسلسله أو يجيب عن أسئلة المتابعين حول الحلقات المقبلة، يتحول العمل إلى مادة تفاعلية أكثر منه تجربة فنية متكاملة.
جذب الانتباه على حساب المشاهدات
التكامل بين التسويق الإلكتروني ومحتويات المسلسلات أدى إلى تشتت الجمهور بين ما يُعرض على الشاشة وما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي. في السابق، كان تسريب صورة من كواليس المسلسل يُعد ضارّاً للأعمال، لأنه قد يكشف أحداثاً مفصلية تفسد عنصر المفاجأة. أما الآن، فأصبح الأمر جزءاً من استراتيجية التسويق نفسها. مسلسل "لام شمسية"، على سبيل المثال، تعرض لانتقادات بسبب نشر صوره من كواليس المحكمة قبل عرض هذه الأحداث ضمن سياق الحلقات، مما أضر بسياق العرض الفني وأفسد عنصر التشويق.
هذا التداخل بين الدعاية والعمل الفني أدى إلى نتائج سلبية على مستوى التفاعل مع الجمهور. بعض الأعمال الهامة تعرضت لحملات تسويق مكثفة، لكن هذه الحملات نفسها كانت سبباً في إضعاف قيمتها الفنية. مسلسل "80 باكو" مثلاً، تعرض لانتقادات بعد نشر فيديو لهدى المفتي وهي تتلقى سخرية زملائها من تناولها أطعمة فاخرة في موقع التصوير، بينما كانت تؤدي شخصية فتاة معدمة ومن طبقة شعبية.
التناقض بين ما يُعرض على الشاشة وما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي يجعل من الصعب على الجمهور التفاعل بشكل طبيعي مع الأعمال الفنية. عندما يُنشر محتوى متناقض أو يقتل التشويق قبل العرض، فإنه يضعف قدرة الجمهور على التوحد مع الشخصيات أو الأحداث. كما أن مشاركة النجوم في حملات إعلانية أو نقاشات على وسائل التواصل في الوقت نفسه الذي تُعرض فيه أعمالهم الفنية يخلق حالة من التشويش ويضعف قيمة العمل.
الترويج والدعاية المفرطة تؤدي إلى تآكل قيمة الإنتاج الفني، وتجعله يبدو منتجاً استهلاكياً لا يهتم بجودته الفنية بقدر ما يهتم بتحقيق أكبر قدر من المشاهدات. والنتيجة هي بيئة عرض مشوشة لا تُرضي صناع العمل ولا الجمهور.
لذلك، يحتاج صناع الدراما اليوم إلى إعادة النظر في كيفية تعاملهم مع أدوات التسويق. فبدلاً من التركيز على كسب التفاعل اللحظي عبر وسائل التواصل، ينبغي لهم التفكير في كيفية بناء علاقة طويلة الأمد مع الجمهور، تعتمد على جودة المحتوى واحترام تجربة المشاهدة. ربما يكون الحل في تقليل الاعتماد على منصات التواصل بوصفها وسيلة أساسية للدعاية، والعودة إلى أساليب ترويجية أكثر احترافية تحترم قيمة العمل الفني.