استمع إلى الملخص
- يهدف المسلسل إلى تقديم تجربة درامية عربية بمعايير عالمية، مع طرح أسئلة وجودية حول الآلهة والوطن، ويتميز بمشاهد تشويقية وموسيقى مسجلة في استوديوهات عالمية، ويطمح ليكون بداية لسلسلة ناجحة.
- يواجه العمل تحديات في الإنتاج والأداء، لكن الفريق يسعى لتقديمه بأفضل صورة، مع تأكيد المخرج على تأثير الذكاء الاصطناعي وأهمية تأهيل الإنسان للاندماج في العصر الجديد.
في عمله الجديد "البوابات السبع" الذي بدأ عرضه منذ أيام على منصة Viu، يتابع المخرج محمد عبد العزيز تقديم مشاريع فنية تستوقف الجمهور والنقاد. ويقترب في تجربته الأخيرة من دراما عالمية بات لها جمهور عريض يطلبها، وهي دراما الخيال العلمي. لعلّ مسلسل "البوابات السبع" هو أول عمل درامي سوري في هذا الشكل. هل سيشكل هذا المسلسل حدثاً فنياً لدى الجمهور العربي، ويجد لنفسه حيزاً من الاهتمام والمتابعة؟
تحتل دراما الخيال العلمي مكاناً مهماً في المشهد الفني العالمي حالياً. إنه عصر الفضائيات وسرعة إيقاع الحياة والتقدم العلمي الكبير الذي طور إمكانات فنون الدراما البصرية وانتشار قنوات التلفزة العالمية، ومن بعدها منصات التواصل الاجتماعي... هذا كله ساعد كثيراً على رواج هذا النمط، وحقق انتصارات فنية ومالية كبرى خلال العقدين السابقين. فعام 2001 أُنتجت سلسلة أفلام حققت نجاحاً كبيراً، هي "هاري بوتر" الذي قدمته الروائية جي. كي. رولينغ، كانت في سبعة أجزاء نقلت إلى السينما من خلال ثمانية أفلام، وامتدت على مدار عشرة أعوام، انتهت عام 2011 بتقديم الجزأين السابع والثامن. وفي ضوء نجاح تقديم التجربة سينمائياً، تقرر تقديم مسلسل تلفزيوني عنها امتد أيضاً على مدار عشرة أعوام. وفي جانب ملحمي، آخر أنتج عالمياً مسلسل "صراع العروش" الذي قدم أجواء فانتازية مليئة بتقنيات الخيال العلمي الحديثة التي استفادت إلى آخر درجة ممكنة من مستحدثات العصر، لكي تقدم صورة مليئة بالإبهار. المسلسل من تأليف دي بي وايس وديفيد بينوف، ويستند إلى روايات "أغنية الجليد والنار" للكاتب جورج آر. آر. مارتن، واستمر على امتداد ثمانية أجزاء بدءاً من عام 2011 حتى 2019.
قدّمت الدراما العربية مسلسلاً درامياً في الخيال العلمي، بمشاركة متعددة إنتاجياً وفنياً. حمل المسلسل اسم "صانع الأحلام" (2019)، المأخوذ عن رواية الكاتب السعودي هاني نقشبندي. كتب سيناريو العمل بشار عباس، وأخرجه محمد عبد العزيز، في أول تناول له لدراما الخيال العلمي، وقدم دور البطولة فيه مكسيم خليل. يحكي "صانع الأحلام" عن العالِم عمران الذي يستطيع من خلال الفيزياء الكمية السيطرة على أحلام الناس. في "صانع الأحلام"، كان موضوع الخيال العلمي محصوراً في الفكرة وطبيعتها، ولكن شكل المسلسل بقي ضمن إطار الحالة الطبيعية.
حالياً، يقدم المخرج نفسه مشروعه الفني "البوابات السبع" الذي يقوم على بنية بصرية تتعامل مع فنون الغرافيك والمؤثرات البصرية والصوتية. محمد عبد العزيز مؤلف ومخرج العمل شغوف بتقديم الجديد والمختلف. عام 2007، قدم فيلماً حمل عنوان "نصف مللغرام نيكوتين"، أوجد لنفسه من خلاله مكاناً خاصاً في المشهد السينمائي السوري، كرّسه بفيلمين مهمين هما "المهاجران" و"دمشق مع حبي" الذي تضمن حكايات خاصة عن حي دمشقي قديم سكنه اليهود السوريون. لاحقاً، صنع مع المؤسسة العامة للسينما عدداً من الأفلام، كانت باكورتها الفيلم الغنائي "ليلى"، وهو أول فيلم سينمائي روائي طويل تنتجه المؤسسة في هذا الشكل الفني، ثم قدم فيلمه الأشهر "الرابعة بتوقيت الفردوس"، وبعده "حرائق". نال العملان عدداً من الجوائز السينمائية المهمة.
لم يكن محمد عبد العزيز شغوفاً بدخول عالم الدراما التلفزيونية، بل كان متمسكاً بالسينما، لكنه في النهاية دخل عالم الشاشة الفضية وقدم مسلسل "ترجمان الأشواق" (2019)، المأخوذ عن نص سينمائي له يحمل الاسم نفسه، حقق فيه وجوداً خاصاً بعرضه حياة شخصيات سياسية تحمل فكراً مختلفاً عن السائد. واجه المسلسل منع العرض أولاً، لكنه في النهاية عُرض وحقق ما يريده. بعدها، أخرج عبد العزيز مسلسل "صانع الأحلام" الذي خطا قليلاً باتجاه دراما الخيال العلمي. ومن بعده قدّم مسلسلاً صدامياً مع تيارات فكرية متشددة دينياً، "شارع شيكاغو" (2020)، إذ اقترح فيه حالة خاصة في حي كان يتوسط مدينة دمشق الحديثة في خمسينيات القرن العشرين، وكان موضعاً لحانات الشراب والأشخاص الذين يرتادونها مع مشكلاتهم وتفاصيل حياتهم. وفي 2023، عُرض له "النار بالنار". وفي الموسم الفائت، شاهدنا له مسلسل "نقطة انتهى" الذي تابع فيه عوالم مسلسل "النار بالنار".
في مسلسل "البوابات السبع" (سبع حلقات)، يخطو عبد العزيز خطوة ريادية له باعتباره أول مخرج في الدراما السورية يتناول موضوعة الخيال العلمي من خلال عمل متكامل. يقدّم المسلسل مدينة دمشق عبر رحلة تاريخية تنطلق من المستقبل لتمر بالحاضر، عبر أحداث تبدأ في عام 2322، لتعود إلى الزمن الحاضر، ثم لتذهب بنا إلى الماضي، متناولة حكايات الآلهة تموز وعشتار. العمل من بطولة غسان مسعود، وجهاد سعد، وفايز قزق، ورنا ريشة، وسلاف فواخرجي، وعبد الفتاح المزين، وجيانا عنيد، ومصطفى المصطفى.
ثيمة العمل الأساس تقول إن بوابات دمشق السبع، التي ترتبط بطوالع الكواكب السماوية، كانت في عام 2323 ذكية، إذ تمنع دخول الأشخاص الذين يحملون شروراً في دواخلهم ويمتلكون ماضياً سيئاً. لكن أشراراً يريدون الدخول، ويعلمون بأنهم قراصنة يمكنهم أن يغيروا بياناتهم السابقة، من خلال القدرة على السيطرة على الزمن والإرادة، وبالتالي تمكينهم من سر البوابة وإمكانية الدخول للمدينة. يذهب هؤلاء إلى المدينة بحثاً في بواباتها وعن السر الدفين، وكيفية تجاوز العائق الأخلاقي والتقني والدخول إليها، ليصطدموا مع رافضي فكرة وجودهم، وتبدأ معركة شرسة بين الخير والشر، تدور في فضائها أجواء تشويقية تحقق درجات عالية من التشويق والإثارة.
وعن السبب في التوجه إلى هذا النوع، قال عبد العزيز لـ"العربي الجديد": "هي الرغبة في دخول عوالم إبداعية جديدة، وطرح مزيد من الأسئلة الوجودية الكبرى التي تتعلق بمواضع عميقة ومتجذرة في الحياة. هناك دائماً أسئلة حول الآلهة والوطن والانتماء والتاريخ، وكيفية تقديم هذه الطروحات عبر سياقات زمنية مختلفة في سياق تاريخي. المسلسل إشكالي، ويقدم حالة غير مسبوقة في الدراما العربية. حضرت فيه تفاصيل المشهد البصري لهذا الشكل الفني بما يتوافق مع أحدث الدرامات العالمية المشابهة، فهناك تشويق ومعارك وفنون الغرافيك التي نفذت بأعلى شرطية تقنية. كذلك، كان لدينا اهتمام خاص بالبنية الصوتية للمسلسل؛ فمؤثرات الصوت سجلناها في بولندا. ودرّب ممثلينا على فنون القتال الراحل جمال الظاهر. سيرى المشاهد معارك منفذة بحرفية. الجانب الموسيقي في العمل له كذلك اعتبارات خاصة، إذ سجّلنا الموسيقى في استديوهات خاصة في التشيك".
وعن الصعوبات التي واجهته في تقديم "البوابات السبع"، أفاد بأن "العقبة الأهم كانت في ذهنية الإنتاج المختلفة جذرياً عما اعتاد فريق العمل عليه. الأجواء هنا مختلفة. كنا نصور بالدقيقة والثانية. طبيعة الأداء مختلفة، والديكور والإكسسوار، وغيرها من التفاصيل. بحكم أن المسلسل هو أول عمل سوري في هذا الإطار، فإن الخبرة في تقديم العمل مفقودة واحتجنا جميعاً إلى مزيد من الجهد والوقت".
وعن طموحاته في تقديم دراما عربية في هذا الشكل ومدى إمكانية تقديم أجزاء جديدة، رأى المخرج السوري أن "في المسلسل طموح مشروع في تقديم حالة فنية عالمية موجودة وناجحة، ونحن نسعى إلى تحقيق نموذج عربي عنها. أتوقع أن ينجح العمل لأنه نفذ بمعايير عالية تحاكي الشبيه العالمي، ونحن نخطط ليكون سلسلة من الأجزاء".
يرى محمد عبد العزيز أن العمل الفني هو في العمق تحقيق رؤية فنية خاصة، بعيداً عن مسألة تحقيق ريادة هنا أو أسبقية هناك. "لا تعنيني التصنيفات ولا تحديد من الأول أو الآخر. أستكشف ذهنياً ومعرفياً، ويهمني الوصول إلى بعض القيم المعرفية المتعلقة بمفاهيم كبرى، ثم أنفذ المشروع. والحكم في النهاية للجمهور والتاريخ. مسلسل البوابات السبع وضع جميع العاملين فيه على المحك في تبنّي هذه الرؤية والعمل عليها. أؤكد أن كل فريق العمل، خاصة الممثلين فيه، تبنوا هذه النظرة وآمنوا بها، ومن ثم قدموا كل ما يملكون من جهد لتقديمها بأفضل حال"، قال لـ"العربي الجديد".
عن حالة استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي وكيفية تأثير ذلك في الإنسان، صرّح: "نحن على مشارف دخول مرحلة غنية جداً بحجم التغير، فنحن نغادر مرحلة زمنية في تاريخنا الإنساني وندخل مرحلة جديدة يتسيّد فيها الذكاء الاصطناعي الموقف، وهو يؤثر في طبيعة سلوكنا اليومي وطبيعة حياتنا الاجتماعية. ولا شك أن عصر الذكاء الاصطناعي يحمل بعض المخاطر، لكنني أرى أن حسناته أكثر وأهم. يجب أن نؤهل الإنسان في المرحلة المقبلة ليكون عنصراً متكاملاً مع مقتنيات الذكاء الاصطناعي، كي لا يحدث الصدام المتوقع. هو عصر نحن مقبلون عليه شئنا أم أبينا، لذلك يجب علينا فهمه والاندماج فيه، وإلا صرنا خارج الزمن".