البابا سينمائياً: لحظات وتأمّلات في الكاردينال الأرجنتيني

24 ابريل 2025
من فيلم "الباباوان" للمخرج الأرجنتيني فرناندو ميريليس (نتفليكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تناولت السينما حياة البابا فرنسيس في أفلام مثل "البابا فرنسيس: رجل كلمة" و"البابوان"، حيث يركز الأول على الجانب الوثائقي لحياته، بينما يستعرض الثاني النزاع العقائدي بينه وبين الكاردينال الذي خلفه.

- رغم إنتاج الفاتيكان لفيلم "رجل كلمة"، إلا أنه لم يقدم رؤية جديدة أو نقاشات عميقة حول أفكار البابا، بينما نجح "البابوان" في تحقيق توازن درامي وسردي.

- الأفلام عن البابا فرنسيس قليلة، لكن هناك محاولات لتوثيق حياته وأفكاره في أفلام مثل "البابا فرنسيس" و"على الطريق"، التي تُظهر تأثيره العالمي.

بُعيد إعلان دولة الفاتيكان رحيل البابا فرنسيس، صباح 21 إبريل/نيسان 2025، أستعيد مقالتين لي منشورتين في "العربي الجديد"، عن فيلمين، سيكون البابا الراحل مشتركاً بينهما: "البابا فرنسيس: رجل كلمة" (2018)، وثائقي للألماني فيم فاندرز ("البابا فرنسيس وكاميرا فاندرز: غياب السينما"، 25 يونيو/حزيران 2018)، و"البابوان" (2019) روائي للبرازيلي فرناندو ميريليس ("البابوان": تمثيل ممتع وتوثيق سينمائي عادي لنزاع عقائدي"، 25 ديسمبر/كانون الأول 2019).

بفضلهما، أكتشف مجدّداً مسألتين: سقوط فاندرز في فخّ الشخصية المختارة لوثائقيّه، المائل أكثر إلى التسجيل، مع بعض المتخيّل السينمائي؛ وسحر أنتوني هوبكنز في تأدية شخصية الألماني جوزف راتزينغر/البابا بنديكتوس الـ16. فخّ يقول إنّ العاديّ في "رجل كلمة" متأتٍ من طغيان شخصية الكاردينال الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوغليو، الذي سيُنتخب رئيساً للفاتيكان في 13 مارس/آذار 2013، باسم البابا فرنسيس، تيمّناً بالقديس فرنسيس الأسيزي، الذي يهيم به من سيوصف لاحقاً بـ"بابا الفقراء". والسحر نتاج حِرفية ومهنيّة وشغفٍ، لكنْ أيضاً نتاج تراكمٍ معرفي يؤدّي بهوبكنز إلى التعامل مع التمثيل كـ"أي مهنة أخرى"، رغم أنّ تعامله هذا يكشف، دوراً تلو آخر، براعةً في ابتكار سحرٍ يصعب تحديده أو تفسيره.

وإذْ يبدو الروائي (البابوان) سينمائياً، مشغولاً بسلاسةٍ درامية وسردية، رغم ثقل فكريّ (بسبب الخلاف متنوّع الأشكال بين البابا والكاردينال الذي سيخلفه بعد استقالته، في الفيلم والواقع)، يفتقد الوثائقيّ كلّ سمة سينمائية، يُفترض بها الاستفادة من شخصية البابا، وسيرته المنخرطة في أحوال الناس في الفترة السابقة على انتخابه رأس الكنيسة الكاثوليكية، ومن حيويته وانشغالاته وصداماته مع "حرسٍ قديم" لأصغر دولةٍ في العالم، وفي هذا كلّه مواجهات، معروفة وغير معروفة، لكنّ فاندرز، رغم سيرته السينمائية المُثيرة لمتع وتأمّلات وتفكير، يجعل الوثائقيّ تكراراً للمعروف فقط، مُقدّماً إياه من دون أي جهدٍ، سينمائيّ على الأقلّ.

إنْ يكن الفاتيكان مُنتجاً لـ"رجل كلمة"، فهذا يُفترض به ألاّ يحول دون إنجاز وثائقيّ سينمائي، بدلاً من الاكتفاء بإعادة تكرار المعروف، مع بصمات متخيّلة قليلة، عن القديس فرنسيس الأسيزي وقريته "أسيز" (لقطات مُصوّرة تُعيد اختراع مكان وزمان قديمين، لسرد مقتطفات من سيرة القديس، وعلاقته بالفقراء). يُفترض به أيضاً ألاّ يمنع نقاشاً بين سينمائي، له أفكار وقناعات وسلوك حياتي والتزامات أخلاقية إزاء مسائل عدّة، للبابا فرنسيس ارتباط ببعضها على الأقلّ؛ ورجل دين يُقدّم نفسه، قولاً وفعلاً (نتيجةُ الفعل تُناقش في حيّز آخر، لتبيان العلاقة الواقعية بين تفكير البابا وممارساته، ورغبته في تحقيق شيءٍ من قناعاته، كإعادة الكنيسة إلى "صراطها المستقيم")، تجديدياً وتقدّمياً وإصلاحياً، وهذا كلّه عبر جهده في دفع الكنيسة للعودة إلى الناس.

سحر أنتوني هوبكنز طاغٍ، ومع هذا يتمكّن جوناثان برايس من صُنع توازن معه، خاصة أنّ للكاردينال الأرجنتيني سمات تمنح مؤدّي شخصيته أدوات اشتغال. التمكّن، وإنْ يُقبَل بصرياً وفنياً، غير بالغٍ ذاك السحر، الذي يبدو كأنّه معجونٌ بتراثٍ أدائي/تمثيلي لرجلٍ، يُردّد غالباً أنّه غير مهتمّ بأي جهدٍ يبذله للتمثيل، فهو يُمثّل، ومع انتهاء التصوير، يخرج من الشخصية كلّياً. السيرة المهنية لبرايس مليئة باختبارات شتّى، لكنّها غير متساوية والسيرة المهنية لهوبكنز، الذي (هوبكنز) يبلغ أحياناً مرتبة صُنع مُعجزات، وإنْ تكن أدوارٌ عدّة له عادية، وظهوره في أكثر من فيلمٍ عابرٌ.

لفاندرز أفلام وثائقية عدّة، قلّة منها مهتمّة بشخصيات عامة. الأبرز (رأي شخصي) متمثّل بـ"بيونا فيستا سوشيل كلوب" (1999)، و"بينا" (2011). الأول، المولود من تعاون مع الموسيقيّ الأميركي ري كوودر (له أكثر من تأليفٍ موسيقي لأكثر من فيلمٍ لفاندرز)، الذي يُخبره دائماً عن فرقة موسيقية كوبية (هافانا)، تحمل الاسم نفسه. والثاني عن بينا بوش، الراقصة والكوريغراف الألمانية. فيهما، يتجوّل فاندرز في تاريخٍ وفنّ وفضاءات مفتوحة على أسئلة حياة وإنتاج وتخيّلات وتأمّلات. مشاهدة "رجل كلمة" بعد مشاهدتهما تدفع إلى تساؤل عن سبب رتابة إنجازه عن البابا فرنسيس، رغم المدى الواسع الذي يُفتَح أمامه عبر شخصية رجل الدين هذا، بمستوياته (المدى) كلّها.

يُفترض برحيل البابا فرنسيس (مواليد بوينس آيرس، 17 ديسمبر/كانون الأول 1936) قراءات معمّقة وعلمية لثنائية التفكير/الإنجاز، في دولة تطغى عليها المحافَظة والتبريرات والمصالح متنوّعة الأشكال. السينما، غير المُنصفة له فالأفلام عنه قليلة، مؤهّلة للمشاركة في تلك القراءات، عبر الصورة والأرشيف والتحليل البصري لسيرته. إلى هذين الفيلمين، هناك الروائي "البابا فرنسيس" (2015) للإسباني بيدا دوكامبو فييخو: صحافي شاب إسباني يُقرّر إنجاز تحقيق مُطوّل عن خورخي ماريو بيرغوغليو، لسرد حكاية مساره إلى رئاسة أساقفة بيونيس أيريس؛ و"على الطريق (In Viaggio)"، وثائقي (2022) للإيطالي جيانفرنكو روزي: بفضل أرشيف ضخم، يوثّق الفيلم 37 زيارة دولية للبابا إلى 53 دولة، محاولاً التقاط رسائله وشخصيته، بما في ذلك "لحظات وصُور من الضعف العاطفي الواضح، والإرهاق" (غي لودج في "فارايتي"، 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022). هناك عمل مصنوع خصيصاً لـ"يوتيوب"، بعنوان "الرسالة" (رسالة إلى أرضنا)، مستند إلى "رسالة عامة عن الأزمة البيئية"، نصٌّ للبابا نفسه بعنوان "الحمد لك" (2015)، والفيلم وثائقي (2022) لنيكولاس براون (المملكة المتحدة).

هناك أيضاً "البابا الذي لنا (Il Nostro Papa)" للإيطاليين تيزيانا لوبي (صحافية ومخرجة وثائقيات دينية وتاريخية) وماركو سْبانيولي (صحافي وناقد سينمائي وكاتب ومخرج): في هذا الروائي/الوثائقي (2019)، يبدأ ممثلٌ بحثه الخاص عن البابا فرنسيس، لفهم "الشخصية" المنكشفة علناً في بوينس آيرس. وللبحث هذا، يسافر المخرجان إلى جنوى وروما والأرجنتين، لـ"يشهدا" على أصوله المهاجرة.

رغم هذا، تبدو السينما غير مهتمّة بشخصيةٍ، تمتلك بدورها سحراً وجاذبية، ما يدفع إلى مزيدٍ من النقاش حولها، وحول ما تحمله من أفكار وتصرّفات ومواقف.

المساهمون