الاتصال الرقمي المفرط... موظفون يعانون جهداً إلكترونياً

27 ديسمبر 2024
تشديد على أهمية إيجاد توازن (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهرت دراسة في مجلة Frontiers in Organizational Psychology أن الموظفين يعانون من إجهاد تكنولوجي بسبب الاتصال المفرط بالتكنولوجيا الرقمية، مما يؤثر على رفاهيتهم رغم الفوائد مثل المرونة.
- كشفت الدراسة عن ثقافة "فرط الاتصال" التي طمست الحدود بين العمل والحياة الشخصية، مما زاد من شعور الموظفين بالإرهاق، خاصة بعد جائحة كوفيد-19 والتحول للعمل عن بعد.
- أوصت الدراسة بتدريب على المهارات الرقمية ووضع حدود بين العمل والحياة الشخصية لتخفيف التأثيرات السلبية، محذرة من أزمة صحية مهنية محتملة.

أظهرت دراسة جديدة أن الموظفين يعانون إجهاداً تكنولوجياً عقلياً وجسدياً بسبب الاتصال المفرط بالتكنولوجيا الرقمية، ما يجعل من الصعب على الأشخاص التوقف عن العمل. في الدراسة التي نشرت يوم 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، في مجلة Frontiers in Organizational Psychology، أجرى باحثون من كلية علم النفس والطب في جامعة نوتنغهام مقابلات مفصلة مع موظفين من مجموعة من المهن، ووجدوا أن الجهد المعرفي والعاطفي المرتبط بالاتصال المستمر ووتيرة العمل العالية التي يقودها مكان العمل الرقمي يضر برفاهية الموظفين.

اتصال يفيد الموظفين ويضرّهم

تسلّط الدراسة الضوء على "الآثار الجانبية المظلمة" للعمل الرقمي، وفقاً للمؤلفة الرئيسية، إليزابيث مارش، طالبة الدكتوراه في قسم علم النفس بجامعة نوتنغهام، التي أوضحت أنه في حين جلب مكان العمل الرقمي فوائد لا يمكن إنكارها مثل زيادة المرونة والتعاون، فإن هذه المكاسب تأتي بتكلفة كبيرة، إذ يبلغ الموظفون عن شعورهم بالإرهاق بسبب الحجم الهائل من الرسائل والتطبيقات والاجتماعات التي تميز حياتهم العملية اليومية.

و"تفيد أماكن العمل الرقمية كلاً من المنظمات والموظفين من خلال تمكين العمل التعاوني والمرن. ومع ذلك، ما وجدناه في بحثنا هو أن هناك جانباً مظلماً محتملاً للعمل الرقمي، إذ يمكن للموظفين أن يشعروا بالتعب والإجهاد جرّاء العبء الزائد بسبب متطلبات وكثافة بيئة العمل الرقمية. إن الشعور بالضغط للبقاء على اتصال دائم ومواكبة الرسائل يمكن أن يجعل من الصعب الانفصال نفسياً عن العمل"، تقول مارش في تصريحات لـ"العربي الجديد".

ثقافة شاملة من "فرط الاتصال"

شملت الدراسة 14 مقابلة متعمقة، وكشفت عن ثقافة شاملة من "فرط الاتصال". وصف المشاركون كيف أن التوقع بأن يكونوا متصلين دائماً بالإنترنت قد طمس الحدود بين العمل والحياة الشخصية. وتوضح تعليقات الأشخاص الذين أُجرِيَت معهم المقابلات مدى هذا الضغط الذي يصعب عليهم تجاوزه أو تجاهله عندما يكون كل شيء عبر الإنترنت ويمكن، نوعا ما، القيام بالعمل في أي وقت من اليوم أو الليل.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتوضح الباحثة أن إحدى المشكلات الشعورية التي يتعرّض لها الموظفون دائمو الاتصال الرقمي هي الإحساس الدائم بالإتاحة، أي أن تشعر وكأنك مضطر إلى الحضور طوال الوقت، وأن تكون مستعداً للاستجابة والعمل فور تلقيك بريداً إلكترونياً، أو رسالة نصية، وإلا سيشكّ أحدهم (المدير) أن الموظف لا يعمل أو منشغل بأمور أخرى خلال عمله من المنزل. "تفاقمت هذه الظاهرة بسبب التحول بعد جائحة كوفيد-19 إلى العمل عن بعد، فأصبح الاتصال الرقمي ضرورياً للإنتاجية، ولكنه أيضاً مصدر للتوتر"، تقول مارش. وتؤكد النتائج حقيقة مقلقة، وهي أن فرط الاتصال بالإنترنت لا يعيد تشكيل ديناميكيات العمل فحسب، بل يؤثر أيضاً، سلباً، على الصحة العقلية والجسدية، إذ كان التوتر والقلق والخوف من الغياب من المشكلات الشائعة، إلى جانب الشعور العام بالحمل الزائد.

توصيات لعمل رقمي صحي

يحدد المؤلفون توصيات للمنظمات وأصحاب الأعمال، يمكن تنفيذها للتخفيف من التأثيرات السلبية لمتطلبات مكان العمل الرقمي. تتضمن الاقتراحات الرئيسية: التدريب على المهارات الرقمية، وتزويد الموظفين بالمهارات اللازمة للتنقل بين الأدوات الرقمية بكفاءة وفعالية، وتمكين العمّال من وضع حدود واضحة بين العمل والوقت الشخصي والحفاظ عليها، وتشجيع أقسام تكنولوجيا المعلومات على تبسيط الأدوات الرقمية والحد من التكرار وتعزيز قابلية الاستخدام، فضلاً عن فهم تفضيلات العمال واحتياجاتهم لخلق بيئة عمل رقمية أكثر دعماً.

وتؤكد مارش أهمية معالجة هذه القضايا لتحسين بيئة الأعمال الرقمية، إذ "تؤكد النتائج الحاجة إلى قيام الباحثين والمهنيين بتحديد وفهم وتخفيف متطلبات العمل في مكان العمل الرقمي لحماية رفاهية العمال الرقميين". وتقول الباحثة إنه مع تزايد اعتماد المنظمات على الأدوات الرقمية، فإن الدراسة تعمل بمثابة جرس إنذار لتنبيه أصحاب العمل إلى أهمية إيجاد توازن بين الاستفادة من فوائد التكنولوجيا وحماية صحة القوى العاملة لديهم. من دون تدخل، فإن التأثيرات التراكمية للاتصال المفرط وكثافة مكان العمل الرقمي قد تتحول إلى أزمة صحية مهنية واسعة النطاق. ففي حين أحدثت التكنولوجيا ثورة في طريقة عملنا، إلا أن استخدامها غير المنضبط قد يقوض أيضاً الإنتاجية والمرونة التي تبشر بها.

المساهمون