الإعلام الشيشاني وتبرير قتل المدرس الفرنسي

الإعلام الشيشاني وتبرير قتل المدرس الفرنسي

17 ديسمبر 2020
مراسل تلفزيون غروزني خلال التقرير (يوتيوب)
+ الخط -

أثارت تغطية القناة الحكومية الشيشانية لجنازة وبيت عزاء الشيشاني عبد الله أنزوروف، وهو قاتل المدرس الفرنسي، سجالات حادة في روسيا، ما اضطر الكرملين إلى توضيح موقفه الرافض لأي عمل إرهابي، و"عدم مسؤوليته" عن محتوى التقارير في المحطات الحكومية. وبعد اتهامات بأن تقرير مراسل قناة "غروني" الحكومية برر الإرهاب، دافع مساعد رئيس الجمهورية ووزير الإعلام والصحافة أحمد دوداييف عن المراسل. ومع إشارة دوداييف إلى أن الصحافيين قاموا بعملهم باحتراف وأمانة، شدد في في مقابلة مع وكالة "جمهورية الشيشان اليوم" على أنه "لم يكن هناك أي تبرير لقتل مدرس اللغة الفرنسية". فقد شيّع نحو 200 من أهالي قرية شالاجي في 7 ديسمبر/ كانون الأول الحالي جثمان أنزوروف، الشيشاني الذي قطع رأس المدرس التاريخ الفرنسي صاموئيل باتي في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد عرض المدرس الفرنسي رسوماً كاريكاتورية تعتبر مسيئة للنبي محمد أثناء درس عن حرية التعبير. وقتلت الشرطة الشاب الشيشاني البالغ من العمر 18 عاماً بعد الحادث، وسلمت جثته منذ أيام لذويه الذين قرروا دفنه في إلى جوار أجداده في الشيشان. 

وبثّت قناة الإذاعة والتلفزيون الحكومية الشيشانية "غروزني" تقريراً طويلاً لأكثر من 6 دقائق عن مراسم الدفن تحدث فيه عدد من أقارب أنزوروف عن خسارتهم الكبيرة لمقتل "شاب في كامل قوته لم يتمكن من عيش حياته وتحقيق طموحاته"، وأن "الحادثة لم تكن لتحصل لولا التحريض والإسلاموفوبيا والضغط على مشاعر المؤمنين". لكن اللافت أن المراسل وصف الشاب الشيشاني بأنه "ضحية الاستفزاز"، وختم تقريره بأنّ فرنسا لم تتعلم من دروس الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" في 2015 بعد نشر الرسوم.  

بدأ السجال بعد تسريب مقاطع الجنازة، رغم أن السكان المحليين أكدوا لمراسلي مواقع روسية أن السلطات أغلقت مداخل القرية لمنع توافد سكان القرى المجاورة، كما نشرت عدداً من قوات الأمن والجيش لمنع تصوير تشييع أنزوروف إلى مثواه الأخير. وأغلق حساب القناة على "يوتيوب" باب التعليقات على التقرير المثير للجدل.

وأعاد النائب الفرنسي أندريه روجيه في البرلمان الأوروبي عن كتلة "الهوية والديمقراطية" اليمينية القومية نشر الفيديو في تغريدة على صفحته في "تويتر"، وقال إن أنزوروف يشيع كبطل، ودعا إلى وقف استقبال المهاجرين.

ونقل موقع "إيخو كافكاز" عن أحد سكان القرية أن تعليمات منع التجمع المرتبطة بالحد من انتشار فيروس كورونا حالت دون مشاركة أعداد غفيرة من المشيعين الراغبين في تكريم "البطل الشعبي المدافع عن الإسلام ونبيه"، وجعلت التشييع مقتصراً على سكان القرية. ونفى رئيس الإدارة المحلية للقرية سلمان محمدوف في مقابلة مع موقع "بوديوم" أن تكون عائلة أنزوروف قد تلقت مساعدة مالية من السلطات الشيشانية، كما نفى لاحقاً أنباء تحدثت عن تسمية أحد شوارع القرية باسم أنزوروف.  

وبعد بثّ قناة "غروزني" التقرير عن التشييع وبيت العزاء، سارعت بعض وسائل الإعلام الروسية إلى اتهام القناة التلفزيونية بتبرير الإرهاب، ووجهت أسئلة للناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن رأيه في التقرير "المبرر للإرهاب". وأشار بيسكوف إلى أنّ "الكرملين ليس على علم بحيثيات تشييع جثمان أنزوروف"، مؤكداً أن الهجوم الإرهابي في فرنسا "لا يخضع لأي شيء سوى الإدانة والرفض العميقين".

كذلك أكّد الناطق باسم الكرملين عدم جواز تبرير جريمة القتل ووجوب رفض مثل هذه الممارسات، موضحاً أن الموقف الرسمي لا يستمد من وسائل الإعلام، بل من التصريحات الرسمية وهي واضحة، لافتاً إلى أن "القنوات الحكومية تطرح آراء مختلفة، لا يمكن أن تعبر عن موقف الكرملين والدولة الروسية".

بدورها، رفضت قناة الإذاعة والتلفزيون الشيشانية في غروزني الاتهامات بحقها، مؤكدةً أن صحافيي القناة عرضوا "صورة موضوعية لجنازة عبد الله أنزوروف في الشيشان". ونفى وزير إعلام جمهورية الشيشان الروسية أحمد دوداييف أن تكون قناة "غروزني" الرسمية في الجمهورية بررت جريمة قتل المعلم الفرنسي صاموئيل باتي. وقال دوداييف: "بصفتي وزيراً للإعلام في جمهورية الشيشان، يمكنني أن أقول إن التقرير تضمن صورة موضوعية لمراسم الدفن التي جرت. وأدى الصحافيون واجبهم بشكل مهني وشريف"، مشدداً على أنه "لم يكن هناك أي حديث عن تبرير قتل المعلم الفرنسي".

وفي المقابل، لفت تقرير لمحطة "إر بي كا" الروسية إلى "وجود حظر غير مكتوب يمنع تنظيم جنازات شعبية للمشاركين في أفعال المجموعات الإرهابية منذ 2012، والمتهمين بتنفيذ أعمال إرهابية"، مشيرةً إلى أن "أهالي المتهمين بالإرهاب أو المشاركين في عمليات إرهابية يتعرضون عادة لحرق منازلهم، ويجبرون غالباً على مغادرة الشيشان". 

ورغم الالتزام الرسمي في الشيشان باعتبار حادثة قتل مدرس التاريخ الفرنسي جريمة يجب عدم تبريرها، إلا أنه لا يخفى أن الكثير من المواطنين والمسؤولين يعتبرون أنزوروف "بطلاً شعبياً انتقم لإهانة الإسلام ونبيه" وأن أنزوروف "أجبر على ارتكاب فعلته، بسبب عجرفة واستفزازات السلطات الفرنسية". ففي تصريحات سابقة، انتقد رئيس الشيشان رمضان قديروف السلطات الفرنسية في ما يتعلق بالهجوم على المدرس وقطع رأسه، وألقى باللوم على الرئيس إيمانويل ماكرون فيما حدث، واصفاً إياه بالإرهابي. وقال قديروف في وقت سابق: "هذه المأساة تجعل المرء يعتقد أن المجتمع الفرنسي، في حديثه عن الديمقراطية، غالباً ما يخلط بينها وبين الاستهتار والاستهزاء (بمشاعر المسلمين)، وهو دليل على موقف غير مقبول تجاه القيم الإسلامية. لا يمكن وصف مثل هذه التصرفات إلا بالاستفزازية".

من جانبها، أعربت عضوة مجلس حقوق الإنسان التابع لرئاسة الشيشان خيدا ساراتوفا في مقابلة مع قناة "غوفوريت موسكفا" الإذاعية، عن عدم اقتناعها بأن أنزوروف ارتكب هذه الجريمة، معتبرةً أن "شخصاً ما فعل ذلك بدلاً منه، وهو مثل دمية تم الإيقاع به"، وتساءلت ساراتوفا: "كيف يمكن لصبي يبلغ من العمر 18 عاماً أن يفعل ذلك؟". وأشارت إلى أنّ أجهزة المخابرات ربما صوّرت الاعتداءات على المدرس في فرنسا على أنها هجوم إرهابي من أجل "إثارة استفزاز المسلمين".

المساهمون