استمع إلى الملخص
- يعكس التفاعل الإيجابي مع الحملة الافتراضية تغيراً في المعادلة الإعلامية، حيث تراجعت مصداقية الإعلام التقليدي لصالح الوسائط الجديدة التي تؤثر عاطفياً.
- حذر خبراء من التبعات السلبية لتبني الوسم، حيث قد يثير توتراً سياسياً مع العراق ويؤثر على العلاقات الدبلوماسية، مع تصوير القرار كرسالة شعبية.
تبنّى الإعلام الجزائري وسماً بدأ بالانتشار، الاثنين الماضي، على منصات التواصل الاجتماعي، يدعو الرئيس عبد المجيد تبون إلى عدم السفر إلى العراق للمشاركة في القمة العربية في مايو/ أيار المقبل، واحتفى به. أثار ذلك تساؤلات عما إذا كانت منصات التواصل قد استدرجت وسائل الإعلام إلى قضية سياسية، قد تؤثر تبعاتها سلباً في صورة البلاد.
وكان التلفزيون الجزائري الرسمي قد اعتبر أن تداول هذا الوسم "يعكس الرفض الشعبي الجزائري للمشاركة في القمة العربية بقدر ما يعكس التفاف الشعب حول رئيسه"، وأنه "برهان واضح على دعم الشعب ووقوفه إلى جانب قرارات ومواقف رئيس الجمهورية".
كذلك، وصف القائمون على تلفزيون الجزائر ما جرى بأنه "هبّة شعبية عفوية عكست علاقة متينة بين الرئيس وشعبه في وقت يفقد فيه عديد المسؤولين عبر العالم هذه الثقة وتزداد الهوة اتساعاً بينهم وبين من يسيّرون شؤونهم"، وأن "الشعب الجزائري يُكن مكانة خاصة للشعب العراقي والهاشتاغ العفوي المطالب بعدم ذهاب الرئيس هو حرص واهتمام من الشعب بأمن وسلامة رئيس البلاد في ظل ظروف إقليمية معقدة".
وانطلقت بشكل مفاجئ، مساء الاثنين الماضي، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسم افتراضي بعنوان "تبون لا تذهب إلى العراق"، يدعو الرئيس الجزائري إلى الاعتذار عن عدم المشاركة في قمة بغداد، وذلك مباشرةً بعد نشر خبر عن تلقي تبون دعوة رسمية من الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، لحضور القمة العربية المقررة في17 مايو/ أيار المقبل.
وكتبت صحيفة الخبر، كبرى الصحف الصادرة في الجزائر، على صفحتها الأولى: "وسم ما تروحش إلى العراق يرهن حضور تبون قمة بغداد"، واعتبرت أن "إدراك الجزائريين للتطورات الإقليمية المقلقة، في ظل الانكسار والخيانة العربية - العربية، وإدراكهم كذلك لمدى أهمية أمن وسلامة رئيس البلاد بالنسبة إلى الجزائر، جعلت من هذا الوسم، رسالة قوية يبعث بها الشعب لرئيس الجمهورية، أن لا مجال للمغامرة هذه المرة".
هل يتنازل الإعلام الجزائري عن دوره؟
تفاعل الإعلام الجزائري الإيجابي مع الحملة الافتراضية، عكس بالنسبة إلى الكثيرين نجاح منصات التواصل الاجتماعي باستدراج الإعلام الرسمي وغير الرسمي، وظهرت مؤشراً على تغيّر كبير في المعادلة الإعلامية. وقال أستاذ الإعلام في جامعة تمنراست جنوبي الجزائر، الدكتور أحمد فلاق، في تصريح لـ"العربي الجديد": "هذا الأمر صار شائعاً، الأصل أن منصات التواصل الاجتماعي كانت تأخذ من الإعلام الرسمي، لكن الآن العملية تتم في اتجاهين".
وأضاف: "نحن في ما يسمى بمجتمع ما بعد الحقيقة، وهو المجتمع الذي يكون فيه للوسائط الجديدة دور أكبر من وسائل الإعلام التقليدية. وفي الجزائر الأمر أكثر سوءاً، لأن وسائل الإعلام التقليدية لا تملك مصداقية لدى الرأي العام، لهذا حدث نزوح لوسائط الاتصال الجديدة".
ورداً على سؤال عما إذا كان الإعلام الجزائري يتنازل عن دوره الأساسي لوسائل التواصل الاجتماعي في قضايا مرتبطة بالدولة وعلاقتها الخارجية، رأى فلاق أنه "في السياق العالمي يمكن أن نتحدث عن تنازل، في السياق الجزائري هناك تماهٍ اضطراري بسبب الإفلاس المهني القائم، ونحن في وضع أصبحت الاستثارة العاطفية أعلى من الاستثارة العقلية بحكم وسيلة الإعلام السائدة، في عصر المكتوب كان الخطاب العقلاني هو السائد، لكن في عصر الوسائط الجديدة صار العاطفي هو المتحكم".
واستدعت مواقع إعلامية عديدة في سياق تفاعلها مع الوسم الافتراضي، وقائع تتعلق بمرض الرئيس الراحل هواري بومدين في أعقاب زيارته لبغداد في أيلول 1978، ظهرت أعراضه لاحقاً خلال زيارته لدمشق في الفترة نفسها، حيث تثار شكوك حول تعرضه للتسميم بطريقة غامضة. إضافةً إلى واقعة إسقاط طائرة وزير الخارجية الجزائري الأسبق الصديق بن يحيى بصاروخ عراقي عام 1982 عندما كان يلعب دور الوسيط بين العراق وإيران خلال الحرب التي دارت بينهما في ثمانينيات القرن الماضي.
تحذيرات من تبعات سلبية
رأى البعض أن التفاعل الإعلامي مع الحملات على منصات التواصل الاجتماعي وتغطيتها جزءٌ طبيعي من العمل الإعلامي، إلّا أن أستاذ الإعلام في جامعة الجزائر، حسين دوعاجي، يعتبر أن على وسائل الإعلام أن تتعاطى بمسؤولية أكبر في قضية تخص قراراً سياسياً ودبلوماسياً.
وقال دوعاجي في حديث مع "العربي الجديد": "صحيح أن تفاعل وسائل الإعلام مع ما ينشر في الوسائط الرقمية ظاهرة صحية، لكن شرط أن يكون ذلك وفق ضوابط وحدود معينة، كاعتماد تلك الوسائط مصدراً للمعلومة في بعض الأحيان بعد تأكيدها، والاستئناس بها في بعض الآراء والتعاليق المتعلقة بالقضايا وغير ذلك".
أضاف: "أن تساهم وسائل الإعلام في دعم توجهات السياسة الخارجية ودبلوماسية البلد فهذا أمر طبيعي ومقبول، لكن أن تروج وسائل الإعلام، ولا سيما الرسمية التي يفترض أن تكون أكثر صرامة، لتبني وسم افتراضي لا يعرف من يقف وراءه ولا هدفه وغايته، فهذا أمر فيه مجانبة لوظيفة تلك الوسائل الإخبارية الإعلامية، وقد يحيل إلى نوع من الشعبوية، ويعبّر في النهاية عن وضعية تطبع المشهد الإعلامي في البلد حالياً".
من جهته، لفت أستاذ العلوم السياسية، توفيق بوقاعدة، أنّ الترويج لوسم يدعو الرئيس إلى عدم المشاركة في قمة العراق، قد يثير حفيظة الحكومة والإعلام العراقيين، ويخلق جواً من المناكفة بين البلدين.
ولفت إلى أن طريقة تبنّي الإعلام الجزائري الرسمي للوسم المنتشر على منصات التواصل الاجتماعي قد تخلق توتراً سياسياً وإعلامياً مع العراق، كذلك قد تؤثر بصورة الجزائر لدى العراقيين". وأضاف: "الوسم المنتشر على منصات التواصل الاجتماعي كان يجب أن يبقى في النطاق الافتراضي".
وأوضح: "نعلم جميعاً أن حضور القمم العربية من عدمها يخضع لمجاملات سياسية بين القادة والدول أكثر منها لأجندة القمم. الرئيس تبون لم يحضر العديد من القمم العربية، لكن مع الجو الذي خلقه هذا الوسم الافتراضي، فإن تكلفة عدم حضور قمة، وتصويرها على أنها قرار شعبي، قد تكون لها كلفة سياسية للجزائر".