الإعلام التونسي... منصات دعاية للرئيس

الإعلام التونسي... منصات دعاية للرئيس

22 سبتمبر 2021
إقصاء المعارضين عن الإعلام يبدو نهجاً لكل الوسائل (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

يستمرّ الجدال في تونس حول انحياز الإعلام في التغطية، خصوصاً مع بروز تقصير في التغطية والترويج لأجندات أطراف على أخرى، مع وضوح حصول عمليّة إقصاء لحركة "النهضة" من الإعلام ومنصّاته، وسط مخاوف متعددة على حريّة التعبير والصحافة وعودة الإعلام إلى التبعيّة السياسيّة، كما كان أيام النظام البائد.

الأسبوع الماضي، أصدرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) تقريرًا حول التعددية السياسية في القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز 2021، والتي أعلن فيها تجميد أعمال البرلمان وإقالة الحكومة والجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، رصد التعاطي الإعلامي مع هذه القرارات في الفترة الممتدة بين 25 يوليو/تموز و3 آب/أغسطس، جاءت صادمة للجميع وأعادت طرح السؤال من جديد حول الحدود الفاصلة بين الإعلام المهني المستقل وبين الدعاية لطرف سياسي معين.

نتائج التقرير بيّنت أنّ وسائل الإعلام السمعية البصرية التونسية خصصت حيزًا زمنياً لمتابعة الحدث يقدر بساعات من البث، توزعت في التلفزيون الرسمي (العمومي) التونسي إلى 93 بالمائة من الحيز الزمني المخصص للحديث عن قرارات الرئيس التونسي خصص لداعمي هذه القرارات، في حين لم يحظَ معارضو هذه القرارات إلا بـ7 بالمائة من الحيز الزمني. فالقناة الوطنية الأولى للتلفزيون التونسي خصّصت أكثر من 3 ساعات و20 دقيقة لرئيس الجمهورية ومستشاريه، مقابل 12 دقيقة للحكومة، و6 دقائق فقط لرئيس مجلس النواب ونائبيه. وهي أرقام تكشف اللاتوازن في التعاطي مع الحدث في تلفزيون عمومي يمول من أموال دافعي الضرائب، كان من المفترض أن يكون الأكثر حيادية، باعتباره يعبر عن مشاغل كل التونسيين بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية. وهو ما أثار استغراب الناشط المجتمعي والمحلل السياسي رامي الساحلي، الذي أكد على ضرورة "النأي بالمرفق العام، خاصة مؤسسة التلفزة التونسية، عن كل استقطاب مؤسساتي أو سياسي، حتى لا تتحول إلى وسيلة دعائية تعود بنا إلى عهد خلناه ولّى وانتهى". وأضاف "اليوم يتمّ إقصاء ممنهج ومتعمّد لمختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين، وتوجيه للرأي العام نحو الفكر الواحد والموقف الواحد، بما يتنافى ومبدأ التعددية والنقاش الحرّ، باعتبارهما عمادًا أساسيًا للديمقراطية ولحيادية المرفق العامّ، وقد نبّهت سابقاً إلى خطورة ما تعيشه التلفزة الوطنية التّونسية من تعتيم وإقصاء وخضوع للإملاءات". وهو رأي شاركه فيه عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، هشام السنوسي، الذي استغرب هذه النتائج، خاصة المتعلقة منها بالإعلام العمومي (الرسمي)، معتبرًا أن هذا الأخير كان عليه أن يكون أكثر دقة وتوازنا في التعاطي مع قرارات الرئيس التونسي، مشددًا على أهمية دور الهيئات التعديلية مثل "الهايكا" في تصويب هذه الانحرافات التي لا تخدم الإعلام التونسي.

أما القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، فقد ذكر التقرير أنها خصصت 78 بالمائة من تغطيتها لداعمي قرارات الرئيس التونسي، في حين لم يحظَ معارضوه إلا بـ 22 بالمائة من التغطية. وقد احتلت "حركة الشعب" (حزب قومي ناصري، مساند لقرارات الرئيس التونسي) بـ 24 بالمائة من نسبة الحضور، وحركة "تونس إلى الأمام" (تجمع يساري مساند للرئيس التونسي) بـ 12 بالمائة من نسبة الحضور، في حين لم تحظ الأحزاب المعارضة لقرارات سعيد إلا بـ 7 بالمائة لحزب العمال (حزب شيوعي) و3 بالمائة لحزب "حركة النهضة" الذي له أكبر كتلة في البرلمان التونسي المجمدة أعماله وبقية الأحزاب المعارضة لقرارات سعيد.

الإعلام التونسي قصّر في التغطية الإعلامية لما حدث في 25 يوليو/تموز 2021، وفقاً لنقيب الصحافيين التونسيين، محمد ياسين الجلاصي، حيث كان الإعلام التونسي بشقيه العام (الرسمي) والخاص بجانب الحدث، مما اضطر التونسيين إلى اللجوء إلى القنوات التلفزيونية العربية والأجنبية. وبيّن أن التلفزيون التونسي مسيس، وأن كل طرف سياسي يتولى السلطة يريد السيطرة على التلفزيون خدمة لأجنداته السياسية، وما حصل بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد لم يكن استثناء، فالتلفزيون التونسي أصبح منحازًا لرئيس الجمهورية وقراراته من دون إدراك حقيقي لهوية هذا التلفزيون الذي يموله التونسيون وعليه أن يعبر عنهم بتنويعاتهم الفكرية والسياسية من دون انحياز لأي طرف.

المساهمون