الإعلام الإيراني عن اغتيال فخري زادة: سجال ودعوات للثأر

الإعلام الإيراني عن اغتيال فخري زادة: سجال ودعوات للثأر

28 نوفمبر 2020
طلاب إيرانيون يحرقون العلم الأميركي بعد اغتيال فخري زادة (عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

حظيت عملية اغتيال العقل النووي الصاروخي الأبرز في إيران، محسن فخري زادة مهابادي، باهتمام واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في البلاد، منذ اللحظة الأولى  لإعلانها.

يعود هذا الاهتمام إلى الموقع العلمي الكبير للشخصية الإيرانية المستهدفة التي اعتبر مراقبون إيرانيون أنه في موقعه الحساس كان بوزن قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني الذي اغتالته واشنطن مطلع العام الحالي، في العاصمة العراقية بغداد.

كذلك إن حساسية الظروف الإقليمية والدولية التي وقعت فيها العملية، أي بعد إعلان فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن في الانتخابات الأميركية، كان لها دورها في تسليط الضوء بهذا الشكل الواسع على الحدث الذي كشف عن مخطط لاستئناف الاغتيالات ضد علماء إيرانيين لهم صلة بالبرنامجين النووي والصاروخي، خلال الفترة الباقية من ولاية الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب

وتناول الإعلام الإيراني، من مختلف التوجهات، بإسهاب، مختلف أبعاد الحادث، مركزاً في الدرجة الأولى على تصريحات القادة السياسيين والعسكريين، وخصوصاً تلك الصادرة عن الولايات المتحدة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي.

وخصصت الصحف الإيرانية، اليوم السبت، صفحاتها الأولى لعملية الاغتيال، مبرزة صور العالم الإيراني، وسط عناوين مختلفة تنوعت بين الدعوة إلى الثأر وإبراز المكانة العلمية لفخري زادة والحديث عن محاولات عرقلة تقدم إيران.

واتفقت وسائل الإعلام الإيرانية على تحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الاغتيال، لكن وسائل إعلام محافظة أشارت إلى دور أميركي فيه عبر التنسيق. وانتقدت هذه الوسائل تكرار عمليات الاغتيال في إيران، داعية إلى معالجة الخلل الأمني الذي يؤدي إلى هذه الحوادث.

لغز تناقضات 

استبق الإعلام المحافظ منافسيه في نقل نبأ الاغتيال، لسرعة وصوله إلى المعلومة، فكان موقع "رجانيوز" أول وسيلة إعلامية إيرانية نقلت الخبر، أعقبتها وكالات أنباء وسائل إعلام محافظة أخرى، مثل "تسنيم"، ونادي "المراسلين الشباب" ووكالة أنباء الإذاعة والتلفزيون الإيراني.

وذكرت هذه الوسائل أن فخري زادة كان عالماً من الطراز الأول في المجالات النووية والصاروخية، ثم انتشر سريعاً في الإعلام الإقليمي والدولي نبأء اغتيال "عالم نووي إيراني"، غير أن نفي المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كماولوندي، اغتيال "أي عالم نووي إيراني" بعد دقائق، وتأكيده أن جميع العلماء النوويين الإيرانيين "بصحة تامة"، وضع علامات استفهام كبيرة على حقيقة ما حدث، كذلك فإن الموقف أربك وسائل إعلام وإعلاميين داخل إيران وخارجها.

لكن "العربي الجديد" تأكد حينها من مصادره أن حادث الاغتيال وقع فعلاً، وأن الخلاف هو حول مجالات عمل العالم محسن فخري زادة. 

جاءت تغريدة القائد العام لـ"الحرس الثوري الإيراني"، الجنرال حسين سلامي، في نقيض لموقف المتحدث باسم "الذرية الإيرانية"، إذ أشار إلى أن "اغتيال العلماء النوويين أوضح فعل عنيف لنظام الهيمنة، لمنعنا من الوصول إلى العلوم الحديثة"، فضلاً عن أن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية السابق، البرلماني فريدون عباسي، أكد لوكالة "تسنيم" أن فخري زادة "كان من العلماء والمهندسين النوويين من الصف الأول باعتراف الأعداء".  

مهاجمة الحكومة 

وفي تفسير هذا التناقض، هاجم ناشطون محافظون كمالوندي، لنفيه اغتيال "أي عالم نووي"، موجهين انتقادات حادة إلى الحكومة الإيرانية، وقالوا إن هذا الموقف جاء اتساقاً مع رغبة الحكومة في التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة.

وفي السياق، تحدث النائب الإيراني السابق المتشدد، حميد رسائي، عن "ضغوط الحكومة على الإذاعة والتلفزيون لمنع استخدام لقب العالم النووي لفخري زادة، عازياً السبب إلى أنها "ترى في الاغتيال ضربة لمشروع التفاوض مع جو بايدن"، غير أنّ من الصعب القبول بهذه الرواية، لأن موضوع التفاوض مع واشنطن قرار سيادي ليس من صلاحيات الحكومة والرئيس حسن روحاني، ولا يمكن التفاوض إلا بعد الحصول على إذن من المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي. 

وفي تفسير اللغز الكامن في المواقف التي بدت أنها متناقضة بشأن طبيعة عمل فخري زادة، كتبت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية الإيرانية، في عددها الصادر اليوم السبت، أنه "اتضح رويداً رويداً أن لا تناقض بين تصريحات كمالوندي وسلامي (قائد الحرس)... وفي أبسط الكلام، كان فخري زادة شخصية علمية مهمة لإيران، لكن وضع عنوانين إلى جانب اسمه، وهو الصاروخي والنووي، كان يمكن أن تترتب عنه عواقب".  

وأضافت الصحيفة أن "كمالوندي لهذا السبب نفى أي علاقة له مع هيئة الطاقة الذرية، لكي يرتبط اسم فخري زادة بالصناعات الصاروخية".  

إلا أن صحيفة "أرمان ملي" الإصلاحية، في عددها الصادر اليوم السبت، عزت موقف كمالوندي إلى احتمالين: الأول أنه "يمكن أن يعكس عدم اطلاع أو تفاجؤ داخلي"، والاحتمال الثاني أن "دور فخري زادة يختلف عن كونه عالماً نووياً فقط، وأنه أكبر من ذلك".  

لكن بعيداً من السجال الذي أثارته تصريحات المتحدث باسم الطاقة الذرية، وكالعادة في مثل هذه الحوادث، واجهت الحكومة الإيرانية في اللحظة الأولى لحادث الاغتيال انتقادات من إعلاميين محافظين، ليعتبر هؤلاء أن الحادث كان نتيجة الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران والمجموعة الدولية ومفاوضات الحكومة الإيرانية المدعومة من الإصلاحيين و"الاعتداليين" مع الولايات المتحدة الاميركية والأطراف الغربية التي انتهت إلى الاتفاق في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.  

غير أن ناشطين إصلاحيين ردوا بتذكير حوادث اغتيال أخرى لعلماء نوويين آخرين وقعت في عهد الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، عندما لم تكن هناك مفاوضات ولا الاتفاق النووي.  

خلل أمني 

والموضوع المهم الآخر الذي نال اهتمام الصحافة الإيرانية، هو الإشارة إلى أن هذه الاغتيالات وتكرارها يؤكدان وجود خلل أمني في المنظومة الأمنية الإيرانية، وهو ما أشار إليه أيضاً أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، محسن رضائي، اليوم السبت، في رسالة موجهة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، نشرتها وكالة "إيسنا"، داعياً الأخير إلى "إلزام أجهزة استخبارات الدولة بالتعرف إلى المصادر الرئيسة والمخترقين لأجهزة التجسس والوصول إلى أساليب تشكيل مجموعات الاغتيال وخيوط التعاون بينها"، وقائلاً إن "استمرار هذه الأعمال الإرهابية سيكون مؤشراً على ضعف الأجهزة الاستخبارية".  

وذكرت صحيفة "جوان"، المقربة من "الحرس الثوري الإيراني"، أن وقوع عملية اغتيال فخري زادة "بعد يوم من عملية تبادل جاسوس بريطاني أسترالي عمل لمصلحة الكيان الصهيوني، وعشية الذكرى السنوية لاغتيال العالم النووي مجيد شهرياري الذي اغتيل يوم 28 نوفمبر عام 2010 (...) أظهر مرة أخرى وجود حفرات استخباراتية وأمنية، ووضعت علامة استفهام كبيرة أمام ضعف الأجهزة الأمنية".  

كذلك قالت صحيفة "أرمان ملي" الإصلاحية إن "ثمة قصوراً وفّر ظروفاً لتنفيذ هذا الاغتيال"، مشيرة إلى أنه "حدث في يوم عطلة وفي خلوة كاملة في مدينة آبسرد في دماوند، إذ إنه في مثل هذه الأيام يكون اتخاذ التدابير الأمنية أسهل، ما يجعل تنفيذ عمليات إرهابية ناجحة أكثر صعوبة".  

وقال القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني، العميد حسين علائي، في مقال نشره موقع "جماران" الإيراني، إن اغتيال فخري زادة أظهر "أن مجموعات تجسسية وعملياتية لإسرائيل لا تزال نشيطة في إيران"، متسائلاً عن "الضعف الذي يوجد في أجهزة الأمن لتنجح إسرائيل مرة أخرى".  

ووجه علائي انتقاداً للجهاز الدبلوماسي الإيراني، قائلاً إن الاغتيال "أظهر أن الردود العملياتية والدبلوماسية الإيرانية في مواجهة هذه الاغتيالات لم تكن رادعة"، معرباً عن أمله في "تدمير المجموعات الأمنية والعملياتية لإسرائيل في داخل إيران وسيطرة الجمهورية الإسلامية على الصهاينة".  

غير أن مستشار المرشد الإيراني الأعلى للصناعات الدفاعية، حسين دهقان، قال في مقابلة متلفزة، اليوم السبت، إن "فريق حماية الشهيد فخري زادة كان بمستوى عالٍ، والسيارات التي في حوزته كانت متناسبة"، غير أنه في الوقت نفسه أضاف أنه "يجب السؤال، رغم السيطرة الأمنية والاستخباراتية على المستوى الوطني، لماذا يحدث خلل  في بعض الأوقات يوفر إمكانية وقوع مثل هذه العمليات؟".  

 تركيز على الثأر 

اتساقاً مع تصريحات القادة الإيرانيين المشددة على الثأر والانتقام لدماء فخري زادة، أبرزت وسائل الإعلام الإيرانية هذا البعد، غير أن الإعلام المحافظ ركز أكثر من غيره على ضرورة الثأر سريعاً، لكن الإعلام الإصلاحي دعا بشكل أو آخر إلى التريث في الرد وتأجيله إلى ما بعد ذهاب ترامب.  

عنونت صحيفة "كيهان" المحافظة، عدد اليوم السبت، بـ"العين مقابل العين، لينتظر الصهاينة"، وقالت في النص إن "خطوة الكيان الصهيوني في اغتيال عالمنا البارز أظهرت مرة أخرى أن هذه الغدة السرطانية تبذل منتهى جهودها لوقف التقدم العلمي الإيراني، وهو لا يترك أي فعل خبيث إلا ويرتكبه". 

وأضافت أن حادث اغتيال فخري زادة "واحد من بين مئات تصرف إرهابي يقوم به الكيان الصهيوني منذ عقود في أنحاء العالم بدعم وإسناد استخباري وأمني وحتى عملياتي من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبية".  

وأكدت "كيهان" أن "الشيء الوحيد الذي يوقف ماكينة الاغتيال هو رد مزلزل وسريع"، مشيرة إلى أنه "ثبت أن الصهانية لا يفهمون لغة سوى لغة القوة، وقانون العين مقابل العين سيؤدب هذه الكائنات الخبيثة والجبانة. فلينتظر الصهاينة".  

غير أن صحيفة "أرمان ملي" الإصلاحية تحدثت عن الحادث على أنه "فخ" لجرّ إيران إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية، مشيرة إلى أن الهدف بحسب الكثير من الخبراء هو تكبيل أيدي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن للتوجه نحو التفاوض مع إيران أو العودة إلى الاتفاق النووي.

 وأضافت الصحيفة أنه "إذا دخلت أميركا وإسرائيل في حرب مع إيران، حينئذ سيضطر بايدن إلى مواصلة هذه الحرب (...) إذ إن إنهاءها بمجرد توليه السلطة سيكون بمثابة قبول الهزيمة، وهذا ليس ما يتحمله الشعب الأميركي والنظام الأميركي". 

واتهمت "أرمان ملي" ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالسعي إلى عرقلة طريق الرئيس الأميركي المنتخب وإيران في المستقبل.

المساهمون