الإبادة في الإعلام الغربي... اختلال المقولات المزمنة

26 يناير 2025
من ندوة "العدوان على غزة في وسائل الإعلام الغربية" (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تناولت الندوة تحليل تغطية الإعلام الغربي للعدوان على غزة، حيث أظهرت دراسة اختلافات في تغطية الصحف الأميركية والإسرائيلية، مع ميل الصحف الأميركية لاستخدام المصادر الفلسطينية وإضفاء الطابع الإنساني على الضحايا الفلسطينيين.

- استعرض الباحث عماد بن العبيدي مفهوم "محو الطفولة" في الإعلام الغربي، مشيراً إلى تصوير الأطفال الفلسطينيين بشكل عنيف، مما يساهم في تشويه صورتهم وتبرير السياسات الإسرائيلية العدوانية.

- قدم باسم الطويسي دراسة حول تحولات صورة الجيش الإسرائيلي في الإعلام الغربي، موضحاً أن صورة الجيش كقوة لا تُقهر اهتزت بعد السابع من أكتوبر 2023، مما فتح الباب للنقد غير المسبوق للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

فتحت حرب الإبادة على غزة التي استمرت أكثر من عام بدءاً من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 المجال لطرح فيض من الأسئلة غير المسبوقة إعلامياً، بسبب المأساة التي جعلت إسرائيل أمام مواصفات مكشوفة كان من الصعب تغطيتها كما كان خلال أكثر من سبعة عقود على تأسيسها، أي على نكبة فلسطين.
أربعة باحثين قدموا ثلاث أوراق في الندوة التي أدارتها عزة الحسن، الأستاذة الزائرة في معهد الدوحة للدراسات العليا، وهي واحدة من عدة ندوات ومحاضرات تضمها الدورة الثالثة من "المنتدى السنوي لفلسطين"، التي افتتحت السبت في الدوحة، وتستمر ثلاثة أيام بتنظيم من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية.
تحت هذا العنوان "العدوان على غزة في وسائل الإعلام الغربية"، جرى فحص معمق للوجود الإعلامي في هذا الصراع وتحولاته وثبات جوهره في المقولات الدعائية التأسيسية، وخصوصاً في الصحف والمجالات الأميركية، إضافة إلى صحف إسرائيلية وغربية.
الورقة المشتركة تقاسم تقديمها محمد حماس المصري ومحمد النواوي، وهما أستاذان في برنامج الدراسات الإعلامية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وهي بعنوان "تحديد المصادر وإضفاء الطابع الإنساني في تغطية الصحف الأميركية والإسرائيلية لحرب إسرائيل على غزة.. تحليل كمي للمحتوى".
وعاينت الورقة الكيفية التي عالجت بها أربع صحف بارزة، هي "نيويورك تايمز"، و"وول ستريت جورنال" الأميركيتان و"هآرتس" و"جيروزاليم بوست" الإسرائيليتان، عدوان إسرائيل على غزة خلال عامي 2023 و2024.

التأطير

استند الباحثان في ذلك إلى نظرية التأطير التي تأسست بعد ظهورها أول مرة في عمل عالم الاجتماع إيرفينغ غوفمان (1922-1982)، الذي قال: "إن الإطار هو الذي يُنظر إليه على أنه يحول ما يمكن أن يكون جانباً لا معنى له... إلى شيء ذي معنى".
واعتمدت ورقتهما على التحليل الكمي للمحتوى، بحيث صُمم دليل البيانات الكمية للمقارنة بين الصحف من خلال خط التحرير الذي تتبناه الصحيفة وانتمائها الوطني.
وقد ظهرت بعض الاختلافات في عملية التأطير بين الصحف الإسرائيلية والأميركية، إذ كانت الأخيرة أكثر ميلاً إلى استخدام المصادر الفلسطينية، وإضفاء طابع شخصي على الضحايا الفلسطينيين مقارنة بالصحف الإسرائيلية التي كانت أكثر ميلاً إلى استخدام كلمات قاسية لوصف "العنف الفلسطيني". فضلاً عن ذلك، ظهرت بعض الاختلافات بين الصحف الليبرالية والمحافظة، إذ كانت الليبرالية أكثر ميلاً إلى استخدام كلمات قاسية لوصف العنف الإسرائيلي مقارنة بالمحافظة.
وقد أكد الباحثان غير مرة أهمية هاتين الملاحظتين، الأولى تتعلق بتفضيل المصادر الإسرائيلية، إذ استخدمت ما يقرب من أربعة أضعاف المصادر الرسمية الإسرائيلية مقارنة بالمصادر الرسمية الفلسطينية، وكان اعتمادها على المصادر المدنية الإسرائيلية أعلى بحوالى مرتين ونصف من المصادر المدنية الفلسطينية.
والثانية تتعلق بأنسنة الضحايا. وفي هذا الإطار، كانت الصحيفتان الأميركيتان أكثر ميلاً إلى إضفاء الطابع الإنساني على الضحايا الفلسطينيين. ومع ذلك، أضفت الصحف الأميركية هذا الطابع على الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين.
بالرصد خرجت الورقة بأن صحيفتي نيويورك تايمز وول ستريت جورنال سجلتا ما يقرب من ثلاثة أضعاف ونصف من التفاصيل الشخصية حول الضحايا الإسرائيليين مقارنة بالضحايا الفلسطينيين، في الوقت الذي كانت فيه الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين أكبر بما لا يقارن بالخسائر الإسرائيلية.

محو الطفولة

اعتمد عماد بن العبيدي، وهو أستاذ مشارك ومخرج أفلام في برنامج دراسات الإعلام في معهد الدوحة للدراسات العليا على كتاب الباحثة الفلسطينية نادرة شلهوب كيفوركيان، الذي حمل عنوان Incarcerated Childhood and the Politics of Unchilding، إذ تبرز في بحثها تقاطع الاستشراق والتمييز العنصري وأيديولوجية الاستعمار الاستيطاني للوصول إلى هذه المصطلح المخيف "محو الطفولة" Unchilding.
وتناول الباحث في سياق الاعتقادات الاستعمارية المستمرة، التي ما زالت تروج اختلافات مفبركة بين الثقافات والشعوب "المتحضرة" و"الأقل تحضراً" الطرق التي وصف بها الأطفال الفلسطينيون تحت الاحتلال الاستيطاني، وتهميشهم، وتجريدهم من حقوق الطفل كما نص عليها خطاب التنوير الغربي، الذي نص على تميز الأطفال الأوروبيين وتفردهم، وروج لبراءتهم وحقوقهم في الرعاية والحماية بوصفها قيماً عالمية خالدة.
وكشفت الورقة كيف يسهم الإعلام الغربي وفي صلبه الصورة الإعلامية متقاطعاً مع منتجات أخرى كالسينما، في تشويه الطفل الفلسطيني وتأطيره بوصفه طفلاً عنيفاً، وبالتالي لا يحتسب ضمن القوانين التي تتحدث عن حماية الطفل على أساس أنه ليست له التكوينة الثقافية ذاتها التي للطفل الغربي.
ويعتمد بحث بن العبيدي على قراءة الخطاب من خلال تمثلات وعينات تُروَّج باستمرار، رغم كل محاولات فضحها. فالمجتمعات العربية والفلسطيني خصوصاً كما يراد ويخطط له أن يظهر هو "متخلف وعنيف"، ما يبرر للصهيوني فعل الحصار والتجويع ثم القتل.
وعليه يقع الادعاء بأن لا أحد يريد قتل الطفل، بيد أن هذا الطفل "عنيف ويحمل جرثومة العنف نفسها في ثقافته الموروثة، لا بد أن ينشر العدوى، وباعتباره خطراً في المستقبل، يبدو الصهاينة مجبرين على التخلص منه".
وبحسب ما قال، فإن هذا يعبر عنده مباشرة في تصريحات إعلامية، ومواربة في مجالات أخرى كالسينما، وهذا كما درسه مثبت بشواهد لا تخطئها العين على مدى ربع قرن منذ عام 2000، حتى اليوم، منذ استشهاد محمد الدرة حتى استشهاد هند رجب.

خطاب القوة والأخلاق

أخذت الورقة الثالثة، وقد قدمها باسم الطويسي، رئيس برنامج الصحافة في معهد الدوحة للدراسات العليا صورة المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية في العالم الغربي، دارسة تحولات خطاب القوة والأخلاق منذ ما قبل تأسيس دولة إسرائيل.
هذه الصورة التي تخص مؤسسة الكيان الإسرائيلي نامية كما وصفها الباحث وجرى تعديلها خلال العقود السبعة والنصف الماضية مع استمرار ثوابت تاريخية.
وسبرت الورقة أغوار هذه التحولات، بدءاً من فكرة الضرورة الأخلاقية، إذ لا يمكن تصور إسرائيل دون الدعم الخارجي ولا يمكن فهم الدعم الخارجي دون فهم هذه الضرورة. والأخلاقية هنا بحسب الباحث تفيد بالالتزام في تعويض عادل للشعب اليهودي عن الهولوكوست ومعاداة السامية باعتبارها واجباً أخلاقياً غربياً.

وقال الطويسي إن صورة الجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية شهدت تطوراً ملحوظاً عبر الحروب العربية - الإسرائيلية، وأدت وسائل الإعلام دوراً محورياً في تشكيلها، منذ ما قبل نشوء الجيش، أي مع التغطيات الصحافية التي رافقت التنظيمات العسكرية اليهودية، العصابات الصهيونية والهاغاناه تحديداً التي نالت تغطية واسعة، وميزت عن العصابات الأخرى مثل أراغون وشتيرن ووصفت أعمالها بالدفاعية والمرتبطة بالفضيلة على خلاف بقية التنظيمات.
وبهذا ورث "جيش الدفاع الإسرائيلي" الاسم من هاغاناه التي تعني بالعبرية "الدفاع"، وهي التي قامت استراتيجيتها على ما سمته هي "الهجوم الدفاعي"، مرتكبة التهجير والكثير من المذابح.
منذ التأسيس والدعاية للدفاع عن "شمشون الضعيف" مرت الورقة بالذروة التي وصلت إليها حرب عام 1967 عندما تجسدت صورة "الجيش الذي لا يُقهر". وعلى الرغم من التحديات والضربات التي واجهتها هذه المؤسسات، فقد تعزز خطاب القوة والتفوق بفضل تزايد اعتماد المؤسسات العسكرية الإسرائيلية على التكنولوجيا وعمليات الاغتيال الدقيقة، ما أبرز صورة الأجهزة الأمنية والاستخبارية المتفوقة على مستوى عالمي.
 وطرح الباحث سؤاله الرئيسي: هل تغيرت هذه الصورة فعلياً بعد السابع من أكتوبر؟ واعتمدت الورقة على تقنيات التحليل النوعي للكشف عن سمات الصور التي شكلتها الخطابات الإعلامية، من خلال التحليل النصي لمحتوى مواد الرأي لعينات من صحافة النخبة الأميركية والبريطانية، إلى جانب مراجعة الأدبيات والمصادر الثانوية، وتحديداً دراسات التأطير والتمثيل الإعلامي.
ووفق ما خلصت إليه الورقة، فإن المكانة الأخلاقية التي ادعاها الجيش الإسرائيلي اهتزت بقوة، وأصبحت موضع جدل وتناقضات، ومن ذلك تصوير تصرفات الجيش الإسرائيلي وعملياته بأنها السبب في الكلف الإنسانية الباهظة للحرب، وبأنه قوة متهورة وغير منضبطة.
إضافة إلى ذلك، اهتزت صورة القدرة على الحسم والنصر وجرى التشكيك في تحقيق كامل الأهداف، بل وقع تصويره نهج الجيش في عديد الأحيان بالانتقامي.
مثل هذه التحولات تبدو ملموسة كما تشير الورقة في خطاب هذا النوع من الصحافة جعل المؤسسة العسكرية والأمنية أمام تحد كبير مرتبط بالمعضلة الأخلاقية التي فتحت الباب واسعاً للنقد غير المسموع في السابق، حتى في الوسائل المؤيدة تاريخياً لإسرائيل.

المساهمون