الآثار المصرية الغارقة: كنوز تاريخية تُسرق من تحت الماء

14 يناير 2025
تحتضن الإسكندرية خمسة مواقع للآثار الغارقة (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت سرقة الآثار المصرية من قاع البحر في خليج أبو قير قلقاً حول حماية التراث الثقافي، حيث تتعرض للنهب والتآكل بسبب التلوث. دعا الأثريون لإنشاء متحف للآثار الغارقة لتعزيز السياحة.
- تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط شخصين بحوزتهما 448 قطعة أثرية، مما يبرز تكرار حوادث السرقة. دعا النائب محمود عصام لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الكنوز وإنشاء متحف للآثار الغارقة.
- أكد خبراء الآثار على ضرورة استخدام التقنيات الحديثة لحماية المواقع البحرية، مشيرين إلى التحديات البيئية والتلوث. إنشاء متحف مائي يمكن أن يعزز السياحة ويجمع بين الجمال الطبيعي والتراث الثقافي.

أثارت واقعة سرقة آثار مصرية من قاع البحر في خليج أبو قير في الإسكندرية العديد من التساؤلات حول حماية الآثار الغارقة، التي اكتُشفت في أعماق بعض شواطئ المدينة، وجهود إنقاذها بعد تكرار حوادث النهب خلال السنوات السابقة، إلى جانب تعرضها للطمس والتآكل بفعل التلوث.

في هذا السياق، دعا عدد من الأثريين والمثقفين إلى المحافظة على التراث الثقافي المغمور بإحياء فكرة إنشاء متحف للآثار الغارقة لعرض القطع التي عُثر عليها تحت مياه البحر، في موقعها الأصلي لجذب السياح المحليين والزوار الدوليين.

تحتضن الإسكندرية خمسة مواقع للآثار الغارقة أسفل قاع البحر في شواطئ المدينة لا تزال كنزاً لم يُكتشف بعد بكامل تفاصيله في مناطق الميناء الشرقي وقلعة قايتباي والشاطبي والمعمورة، وأخيراً خليج أبو قير. تحتوي هذه المواقع على مجموعة من التماثيل والأعمدة وأجزاء من معابد وقصور وغيرها من الكنوز الأثرية النادرة، التي تمثل مدناً وأحياء أثرية وتاريخية مهمة تمتد إلى حقب زمنية وعصور مختلفة.

كانت الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية المصرية قد تمكنت من ضبط شخصين بحوزتهما 448 قطعة أثرية متنوعة، تضمنت: 53 تمثالاً بنقوشات مختلفة، وثلاثة رؤوس تماثيل، 12 حربة برؤوس آدمية، 14 كأساً من البرونز، و41 بلطة تحمل نقوشاً، 20 قطعة من البرونز، 305 عملات معدنية.

حادثة السرقة هذه ليست الوحيدة من نوعها، فخلال السنوات الماضية اكتُشفت عدة وقائع استيلاء على القطع الأثرية المغمورة بالمياه، وقعت بمعرفة بعض الصيادين وبعض أفراد العصابات المتخصصة، كما قال النائب محمود عصام خلال طلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزراء السياحة والآثار والتنمية المحلية والموارد المائية والري، بشأن ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الآثار الغارقة في مياه البحر الأبيض المتوسط.

وأشار النائب محمود عصام إلى أن هذه الآثار تواجه تهديدات خطيرة، تتمثل في عمليات النهب والسرقة غير القانونية، إذ تُجرى عمليات لاستخراج هذه الكنوز الأثرية وبيعها، ما يعرض التراث الثقافي المصري لخطر شديد.  وأكد أن الآثار تحتوي على كنوز أثرية نادرة، مثل قصر كليوباترا ومنارة الإسكندرية القديمة، وهي مصدر مهمّ لفهم الحضارات القديمة التي مرت على مصر، وتمثل ثروة تاريخية وثقافية فريدة من نوعها، تعود إلى العصور الفرعونية والبطلمية. وشدد على ضرورة إحياء مشروع إنشاء متحف للآثار الغارقة، الذي اقتُرح لأول مرة في عام 1997، بتكلفة تتجاوز 250 مليون دولار، ولكنه أُجّل بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد. وأوضح أن إنشاء هذا المتحف سيكون بمثابة منصة لجمع وترميم وعرض القطع الأثرية الغارقة، ما سيساهم في تعزيز مكانة مدينة الإسكندرية وجهةً سياحيةً عالمية للمهتمين بالتاريخ والثقافة.

الآثار المصرية الغارقة (إكس)
تعود إلى العصور الفرعونية والبطلمية (إكس)

وقال مدير مركز الآثار البحرية والتراث الثقافي الغارق في جامعة الإسكندرية وأستاذ كرسي "يونسكو" للتراث الثقافي المغمور بالمياه، عماد خليل، عبر حسابه على "فيسبوك"، إن إعلان وزارة الداخلية ضبط تلك الجرائم يثير العديد من التساؤلات بشأن تنفيذه. وشدد خليل على ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة للتصدي لجميع شبكات تهريب الآثار واستخدام التقنيات الحديثة وأجهزة استشعار في المواقع الأثرية البحرية، لرصد عمليات النهب أو اللجوء إلى ردم المواقع الأثرية المهمة بالرمال وإخفاء معالمها.  وأشار إلى أن قطع البرونز التي عثرت الأجهزة الأمنية عليها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون موجودة في قاع البحر، وإنما من المؤكد أنه موجود تحت رواسب القاع، موضحاً أن العثور على هذه القطع بحالتها التي عُرضت بها يتطلب الحفر واستخدام أجهزة لشفط الرمال من القاع، ويستغرق شهوراً من العمل المنظم تحت الماء بمعرفة متخصصين.

وعلق أستاذ الآثار البحرية في كلية الآداب في جامعة الإسكندرية، محمد مصطفى، قائلاً: "المدينة تحتضن واحداً من أغنى المواقع الأثرية الغارقة في العالم، فمنذ اكتشاف أولى المواقع في الخمسينيات، عُثر على آلاف القطع التي تقدم صورة مذهلة عن حياة المصريين القديمة، ولكنه لا يزال كنزاً لم يُكتشف بعد". وأوضح أن قصص الآثار الغارقة تعود إلى العصور القديمة، إذ غمرت المياه أجزاءً كبيرة من المدينة؛ بسبب الزلازل المتكررة والانهيارات الأرضية التي شهدتها المنطقة بين القرنين الثالث والسابع الميلاديين و"نطمح إلى تنفيذ الوعود التي تُطلق منذ عقود بإنشاء متحف مائي يتيح للزوار رؤية هذه الكنوز تحت الماء، ويجمع ذلك بين الجمال الطبيعي والتراث الثقافي، ما سيضع الإسكندرية على خريطة السياحة العالمية". 

الآثار المصرية الغارقة (إكس)
تحتضن المدينة أحد أغنى المواقع الأثرية الغارقة في العالم (إكس)

في المقابل، يحذر خبير الآثار الغارقة، إبراهيم درويش، من تعرض الكثير من القطع الأثرية للخطر والتآكل المستمر ليس بسبب عمليات النهب فقط، وإنما نتيجة عدم استخدام المعايير المطلوبة للحماية، والتي تحتاج إلى دعم مالي وتقني مستدام للحفاظ على هذه الكنوز. ويوضح درويش، لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من الأهمية الكبيرة لهذه الآثار، تواجه عملية الحفاظ عليها العديد من التحديات، بعد تعرضها لعدد من الأضرار والطمس نتيجة التيارات البحرية والتغيرات البيئية، بما في ذلك تلوث المياه بالمخلفات وتآكل الشواطئ، والنشاط البشري مثل التوسع العمراني والصيد الجائر الذي يهدد المواقع الأثرية.

بدوره، يقول القائم بأعمال مدير إدارة الآثار الغارقة، عبد الحميد عبد المجيد، إن التراث المغمور بالمياه يشكل جزءاً هاماً من تاريخ المدينة. ويشير، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إلى أن اكتشاف تلك الآثار في الإسكندرية لم يضف فقط إلى فهمنا التاريخي لهذه المدينة العريقة، بل يكشف عن تفاصيل الحياة اليومية والطقوس الدينية والتجارة التي كانت تربط الحضارات المطلة على البحر المتوسط.

المساهمون