اجتثاث إرث إسكوبار... كولومبيا في حربها على السلع التذكارية

24 فبراير 2025
في أحد متاجر العاصمة بوغوتا، يونيو 2017 (تييري فاليسي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تبذل الحكومة الكولومبية جهودًا كبيرة لمكافحة تجارة المخدرات، بما في ذلك استخدام الكلاب البوليسية، لمواجهة إرث كارتيل ميديلين. ومع ذلك، يثير انتشار السلع التذكارية التي تروج لرموز الكارتيل جدلاً بين المواطنين.

- اقترح ممثلون في الكونغرس قانونًا لمنع تسويق السلع التي تمجد رموز الكارتيلات، بهدف تعزيز صورة كولومبيا السلمية والتركيز على ثرواتها الطبيعية وثقافتها.

- تعكس تجارب الأفراد التأثير العميق للكارتيلات، حيث يطالب العائدون إلى كولومبيا بتغيير الصورة النمطية والتركيز على الجوانب الإيجابية للبلاد.

يلاحظ السائح في كولومبيا انتشار الكلاب البوليسية في الشوارع، وعلى أبواب المجمعات التجارية، حيث تعمل على مدار الساعة، للتأكد من خلوّ هذه الأماكن من المخدرات، ولو حتى بكميات صغيرة. ويندرج هذا الإجراء ضمن خطة حكومية صارمة للتخلص من الإتجار بالمخدرات، واجتثاث الإرث المدمّر الذي خلفه كارتيل ميديلين في الثمانينيات ومطلع التسعينيات. إلا أن السائح يجد نفسه أيضاً أمام سيل من المنتجات والسلع التي تروّج لرموز هذا الكارتيل. فسواء قصد المحال التجارية أو توقف أمام كشك على الطريق، سيجد خيارات متنوعة من التذكارات التي طبع عليها وجه رجل العصابات الأكثر شهرة في العالم بابلو إسكوبار (1949 ــ 1993)، بدءاً بعلاقات للمفاتيح وأكواب وقمصان وقبعات، وصولاً إلى صورة الهوية الخاصة به. وحين اصطحبت صديقتي في جولة في العاصمة بوغوتا خلال فبراير/شباط الماضي، اشترت بعضاً من هذه السلع تذكارات من البلد الذي تزوره للمرة الأولى، ما أغضب شقيقتي التي كانت ترافقنا.

التفاوت بين خطة الدولة وما يروّج له تجار السلع والتذكارات السياحية دفع الممثل عن حزب الخضر في الكونغرس الكولومبي، كريستيان أفيندانيو، وممثل الحزب الليبرالي، خوان سيباستيان غوميز، إلى طرح اقتراح قانون جديد، ينص على منع تسويق وبيع السلع التجارية التي تروّج وتمجد شخصيات ورموز الكارتيل كافة، ويقترح فرض عقوبات مادية على المحال والأشخاص الذين يتاجرون بها. ويأتي هذا المقترح ضمن خطة واسعة تعمل عليها الحكومة الكولومبية منذ عام 2004، والتي تهدف إلى إنعاش اقتصاد البلد، من خلال التركيز على الثروات الطبيعية، والمهارات البشرية، واستقطاب السائحين، والتصدي للعصابات التي سيطرت على كولومبيا منذ بداية السبعينيات.

وعلى الرغم من مرور 31 عاماً على مقتل رئيس كارتيل ميديلين بابلو إسكوبار الذي اشتهر عالمياً من خلال تغييره قواعد تجارة المخدرات بعدما حوّل كولومبيا من مستورد للمخدرات من بيرو وباناما إلى أكبر مصنّع للكوكايين في العالم، فإن بصمته لا تزال راسخة. وتعتبر فترة الثمانينيات والتسعينيات حقبة مؤلمة في تاريخ كولومبيا لما تضمنت من فساد وإجرام، إذ لم يتوقّف إسكوبار وكارتيله عند تصنيع وتصدير 80% من إجمالي الإنتاج العالمي للمخدرات، بل إنه تسبب بمقتل نحو 4 آلاف شخص في كولومبيا من بينهم 657 ضابط شرطة.

تذكارات إسكوبار/ Getty
سلع تذكارية عليها صورة إسكوبار في ميديلين، 28 سبتمبر 2022 (خواكين سارمينتو/ فرانس برس)

ونظراً إلى أن المسلسلات والأفلام الوثائقية التي أنتجت عن حياة بابلو إسكوبار قد لاقت نجاحاً كبيراً، على غرار "ناركوس" الذي يعرض على "نتفليكس" (امتد المسلسل على ثلاثة مواسم، وعرضت الحلقة الأولى منه عام 2015، وتصدر قائمة المشاهدات على المنصة)، فقد وجد بائعو السلع التذكارية في هذا الانتشار فرصة لجني الربح، عبر التسويق لمنتجات عليها صور تاجر المخدرات الراحل. وبالإضافة إلى ذلك، فقد حولت المزرعة التي كان يمتلكها إسكوبار في ميديلين إلى متحف يقدم جولات سياحية، وأصبحت طائرته الخاصة متاحة للحجز من أجل الإقامة الشخصية، عبر "إير بي إن بي".

الطائرة التي استخدمها إسكوبار لإرسال أول شحنة كوكايين إلى الولايات المتحدة أمام مدخل مزرعته التي تحولت إلى متنزه ترفيهي في بويرتو تريونفو، 23 نوفمبر 2013 (راوول أربوليدا/ فرانس برس)

وفي حين يتهافت السائحون على شراء هذه السلع والقيام بهذه الجولات، فقد تسبب ذلك بغضب فئة كبيرة من الشعب الذي يرى أن تخليد ذكرى إسكوبار وتمجيده يسيء لسمعة البلد الحالية، ويجرح مشاعر أهالي مَن قُتلوا بسبب أعماله الإجرامية.
هذا ما حث الممثلَين في الكونغرس كريستيان أفيندانيو وخوان سيباستيان غوميز على اقتراح قانون منع التسويق ومبيع وامتلاك أي سلعة تروّج لتلك الفترة الأليمة من تاريخ كولومبيا، وفرض عقوبات على المخالفين، بدءاً بوقف مؤقت لعملهم وحتى إقفال متاجرهم. ويعتبر كريستيان أفيندانيو أن هذا القانون يشكل تحدياً كبيراً، لكثرة انتشار هذه المنتجات في المتاجر والأكشاك وحتى في المطارات الدولية. ويضيف أن الهدف الحقيقي من هذا القانون هو نشر رسالة توعية تساهم في التطور الثقافي للبلد، عبر التركيز على نشر صورة كولومبيا السلمية، والترويج لثرواتها الحقيقية مثل القهوة والكاكاو والفن والرياضة. ويتضمن مشروع القانون خطوات تسمح للتجار بتغيير هذه البضائع بأخرى تدريجياً، للحؤول دون تكبدهم خسائر مادية مرتفعة.

شقيقتي تؤيد القانون المقترح، فكارتيلات المخدرات قلبت حياتها وحياة أسرتنا كلها وفرّقتنا لسنوات. شقيقتي شفيقة ولدت عام 1971 في كولومبيا، حيث عاشت حتى سن الـ19، حين أجبرت على الانتقال إلى وطننا الأم لبنان. تتذكر مراهقتها قائلة: "على الرغم من الأوضاع الأمنية غير المستقرة في بوغوتا خلال الثمانينيات، فقد كنا سعداء ولدينا الفرص للخروج والاستمتاع. كنا نتنقّل بالباص إلى السينما في المساء، أو لشراء سلطة الفواكه مع الجبن من إحدى عربات الشارع". وتستدرك قائلة: "الوضع تغيّر في نهاية عام 1989؛ سمعنا صوت انفجار مبنى وتكسر الزجاج وصراخ الناس. اتضح أن الحرب بين كارتيل ميديلين وكارتيل كالي قد اتسعت وأصبحت أكثر خطراً. عندها قرر والدي أنه من الأفضل لنا العودة إلى مسقط رأسه لبنان، بينما يبقى وحده في كولومبيا". وتضيف: "كان قاسياً ترك البلد حيث نشأنا وصنعنا ذكرياتنا وكونا صداقاتنا، وإعادة بناء حياة جديدة، حيث ينظر إلينا الجميع على أننا قادمون من بلد المخدرات. تغيرت حياتنا جذرياً، خاصة أن هذا حصل قبل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لم يعد بإمكاننا متابعة الأغاني الجديدة للفنانين المفضلين الكولومبيين أو مشاهدة مباريات كرة القدم. والآن وقد تقاعدت من عملي وعدت إلى كولومبيا، تستفزّني رؤية وجه بابلو إسكوبار على التذكارات والسلع التجارية في الأسواق. من غير المقبول بالنسبة لي أن يكون هذا الوجه الذي زرع الرعب في نفوسنا وغيّر مجرى حياتنا هو الصورة التي تعرّف عن بلدي. لا يوجد بلد مثالي. لكن كولومبيا لا تستحق أن يكون اسمها مرتبطاً باسم وصورة بابلو إسكوبار. كولومبيا بلد القهوة والزمرد، وتتمتع بطبيعة خلابة ومواقع سياحية جميلة، والفنانون أمثال شاكيرا وصوفيا فيرغارا، ولاعبو كرة القدم مثل خاميس رودريغيز، هم من يمثلون الصورة الحقيقية لها".

تذكارات إسكوبار/ Getty
في ميديلين الكولومبية (Getty)

وقد انتشر في الأيام القليلة الماضية فيديو لإحدى صانعات المحتوى الكولومبيات، وتدعي إيسا بوراهي، على منصة إنستغرام، وهي تروي تجربتها في أيسلندا، حيث صادفت ديسكو يحمل اسم "بابلو ديسكوبار" في العاصمة ريكيافيك، ما أثار استغرابها ودفعها لنشر فيديو توجهت فيه إلى صاحب الديسكو. وتقول في هذا الفيديو: "هذا الديسكو موجود في القطب الشمالي حيث أنا الآن. وصول هذا الاسم إلى هنا أمر حزين. إذا كنت أنت صاحب هذه الحانة وتشاهدني، وقد أطلقت على حانتك اسم بابلو ديسكوبار للسبب الذي نعرفه، أريدك أن تعلم أن هذه الشخصية قد تسببت بالكثير من الأذى في بلدي، وأنه لا يجب حتى أن نتكلم عنه".

المساهمون