إيلون ماسك يربك المجتمع العلمي

09 مارس 2025
خلال تجمع لمساندة العلماء بعد سخرية ماسك منهم في واشنطن العاصمة، 7 مارس 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الجمعية الملكية البريطانية انقساماً داخلياً حول دور إيلون ماسك، حيث يطالب بعض الأعضاء بالتحقيق في سلوكه الذي يُعتقد أنه يقوّض الثقة بالمجتمع العلمي، مما أدى إلى استقالات من بعض الأعضاء والمحررين.
- أُثيرت مخاوف حول انتهاك ماسك لقواعد السلوك الخاصة بالجمعية، مع دعوات لطرده بسبب الأضرار التي يُعتقد أنه يلحقها بالمؤسسات العلمية، رغم صعوبة اتخاذ مثل هذا القرار.
- يُعتبر طرد ماسك قراراً سياسياً معقداً، حيث يخشى البعض أن يُنظر إليه كقرار سياسي قد يقوّض الثقة بالعلم، بينما يرى آخرون أن مساهماته في الهندسة تستحق التقدير.

تواجه الجمعية الملكية البريطانية (Royal Society) المرموقة أزمة حول دورها وانقساماً بين أعضائها، والسبب؟ الملياردير الأميركي إيلون ماسك مالك شركات "تسلا" و"سبايس إكس" و"إكس" و"إكس إيه آي" وحليف الرئيس الأميركي الجمهوري دونالد ترامب. الجمعية الملكية البريطانية مؤسسة عمرها 365 عاماً، وتحظى باحترام كبير في أنحاء العالم كافة، وضمت في عضويتها منذ تأسيسها شخصيات بارزة، مثل إسحاق نيوتن وتشارلز داروين ودوروثي هودجكين. عام 2018 انتخب ماسك زميلاً في الجمعية الملكية البريطانية التي يدعو عدد من علمائها إلى التحقيق في سلوكه وممارساته التي قالوا إنها تقوّض الثقة بالمجتمع العلمي. 

لذا، عقدت هيئة الجمعية اجتماعاً مساء الاثنين الماضي. خلال الاجتماع، شدد المنتقدون على أن ممارسات ماسك تنتهك قانون الجمعية الملكية، واستشهدوا بتعليقاته المحرضة بشأن السياسيين البريطانيين ودعواته لمقاضاة الطبيب والعالم الأميركي أنتوني فاوتشي ودوره في خفض تمويل الأبحاث من خلال عمله مع "إدارة كفاءة الحكومة" الأميركية (Doge) وغيرها. وطالب عدد منهم بطرده من الجمعية، فكتب رائد الذكاء الاصطناعي الحائز جائزة نوبل جيفري هينتون على منصة إكس (يملكها ماسك) في 2 مارس/ آذار الحالي: "أعتقد أنه يجب طرد إيلون ماسك من الجمعية الملكية البريطانية، لا لأنه يروج لنظريات المؤامرة ويؤدي التحية النازية، وإنما بسبب الضرر الهائل الذي يُلحقه بالمؤسسات العلمية في الولايات المتحدة. والآن دعونا نرى ما إذا كان يؤمن حقاً بحرية التعبير". وردّ عليه ماسك عبر "إكس" أيضاً حيث كتب: "الحمقى الجبناء غير الواثقين من أنفسهم هم فقط مَن يهتمون بالجوائز والعضويات. التاريخ هو القاضي الفعلي، دائماً وأبداً. تعليقاتك تنم عن جهل وقساوة وكذب. ومع ذلك، ما هي الإجراءات المحددة التي تتطلب التصحيح؟ سأرتكب أخطاء، لكنني أسعى جاهداً لإصلاحها بسرعة".

ربما ستبني الجمعية الملكية قرارها بناء على الردّ الذي أدلى به ماسك، لأنها لم تعلق إلى الآن على الأزمة داخلها بشأن الملياردير الأميركي، على الرغم من الاتصالات الخاصة والرسالة المفتوحة التي وقّع عليها أكثر من 3500 عضو في المجتمع العلمي، والاستقالات التي أقدم عليها أعضاء ورؤساء تحرير مجلات، والاجتماع الذي عقد الماضي. وفي حين أن سلوك ماسك علني، تصر الجمعية الملكية على سرية تعاملها مع المخاوف. ووجهت أعضاءها بعدم التحدث إلى الصحافة، بينما أصدرت بياناً عاماً فقط بعد اجتماع الاثنين، يحدد المخاوف بشأن التخفيضات في تمويل الأبحاث في الولايات المتحدة والحاجة إلى تكثيف جهود الجمعية للدفاع عن العلم والعلماء. وأشارت في البيان إلى أنها "وافقت على النظر في إجراءات أخرى قد تساعد في دعم قضية العلم والبحث العلمي ومواجهة المعلومات المضللة والهجمات ذات الدوافع الأيديولوجية على العلم والعلماء". ولم تخض في التفاصيل. ولفتت صحيفة ذا غارديان البريطانية الجمعة إلى أن الجمعية ستوجه رسالة إلى ماسك، على الرغم من أن محتواها لم يُحسم بعد، فضلاً عن أنه لا إجراءات رسمية أو تحقيقات جارية حتى اللحظة.

هذه ليست المرة الأولى التي ينقسم فيها المجتمع العلمي حول ماسك. فلم يلقَ ترشيحه للانتخابات من أجل الزمالة في الجمعية رضى الجميع، علماً أن القرار حينها اتخذ على ما يبدو على خلفية عمله في مجالات تشمل السفر إلى الفضاء والنقل الكهربائي المستدام. أن يصبح شخص ما زميلاً في الجمعية الملكية يعدّ كالوصول إلى القمة في المسيرة المهنية. لكن ماسك رجل أعمال وليس أكاديمياً، ويزعم البعض أنه ليس شخصياً مبتكراً بنفسه.

أبرز نقاط الخلاف داخل الجمعية الملكية هي حول ما إذا كان ماسك قد انتهك مدونة قواعد السلوك الخاصة بها، والتي تتضمن شرطاً يقضي بـ"ألا يتصرف الأعضاء أو يفشلوا في التصرف بأي طريقة من شأنها أن تقوض مهمة الجمعية أو تسيء لسمعتها". الأستاذ الفخري في علم الأحياء البنيوي في إمبريال كوليدج لندن ستيفن كاري كتب الرسالة المفتوحة التي وقع عليها العديد من أعضاء الجمعية على الرغم من أنه ليس عضواً، وقال لـ"ذا غارديان": "لم أقابل حتى الآن أي شخص قدم حجة واضحة بأن إيلون ماسك لا يُخالف قواعد السلوك". وأشار إلى أن بعض الرافضين لاتخاذ موقف من ماسك بنوا حجتهم على أساس معارضتهم لمعاقبة الأشخاص على آرائهم السياسية. وأضاف: "لكنني أرفض ذلك تماماً".

البروفيسورة دوروثي بيشوب، الخبيرة الرائدة في اضطرابات التواصل لدى الأطفال، كشفت أنها بعد أن أثارت هي وأعضاء آخرون مخاوف بشأن سلوك ماسك في صيف عام 2024 وقرّر محامي الجمعية أن ماسك لم يخرق القواعد، شرعت في جمع المزيد من الأدلة على الخروقات. لكن بالنسبة لبيشوب، فإن الوضع أصبح غير مقبول. استقالت من الجمعية الملكية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. في فبراير/ شباط الماضي، حذا البروفيسور أندرو ميلار حذوها. كذلك استقال المحرر في مجلة أوبن سَينس التابعة للجمعية العلمية كيت يايتس، في مارس/ آذار الحالي.

تنص وثائق الجمعية الملكية على أنه إذا تم تأييد التحقيق في مزاعم سوء السلوك، فستنتقل المسألة إلى لجنة السلوك، وستعقد جلسة استماع، وإذا اعتُبر أن سوء السلوك قد حصل، فستطبق العقوبات، والطرد أحد الخيارات. ومع ذلك، قالت بيشوب إن أي عضو لم يطرد من الجمعية الملكية البريطانية منذ أكثر من 150 عاماً، وكتبت في بيان استقالتها أن "هذا يشير إلى أن القوانين صيغت بحيث يكاد يكون من المستحيل فعل أي شيء بشأن مَن ينتهكون قواعد السلوك". الكاتب والعالم الألماني رودولف إيريتش راسب أحد القلائل الذين طُردوا من الجمعية، وذلك عام 1775، بعد اتهامه بـ"الاحتيال المتعدد والانتهاكات الجسيمة للثقة".

قد يؤدي طرد ماسك إلى فوضى جديدة في الجمعية الملكية، خاصة أنه ليس العضو المثير للجدل الوحيد. في دعوة الزملاء إلى اجتماع الاثنين الماضي، قال رئيس الجمعية السير أدريان سميث: "إن هدف الجمعية هو تقدم قضية العلم من خلال المناقشة العلمية العقلانية الصارمة، ويرى المجلس أننا على أرض صعبة إذا أصدرت الجمعية أحكاماً بشأن آراء أو انتماءات زملائنا".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

قد يكون طرد ماسك صعباً سياسياً أيضاً بينما تشهد المملكة المتحدة والولايات المتحدة توتراً. يصر البعض في المجتمع العلمي على عدم تسييس العلم، وزعموا أن إلغاء زمالة ماسك قد يقوّض الثقة بالعلم. وكتبت العضو في الجمعية الملكية والرئيسة التنفيذية لمركز الإعلام العلمي فيونا فوكس: "باختصار، أنا أحاجج بأن الجمهور يثق بالعلماء أكثر من السياسيين لأنه يعتقد أنهم خبراء محايدون وموضوعيون. العلماء الذين يبتعدون عن الأدلة ويصبحون دعاة أو مدافعين عن سياسات معينة يخاطرون بفقدان هذه الثقة. أخاف من أن ينظر إلى طرد ماسك من الجمعية الملكية على أنه قرار سياسي". كما زعم علماء آخرون أعربوا عن دعمهم لماسك أنه على الرغم من أن أفعاله تستحق الشجب، فإنه قدم مساهمات ضخمة في مجال الهندسة.

في المقابل، كتب كيت يايتس في "ذا غارديان" الثلاثاء الماضي مقالة حول استقالته من الجمعية الملكية البريطانية، أشار إلى أن "البعض حاججوا بأن طرد ماسك قد يضر بالثقة العامة بالعلم؛ وبأن طمس الحدود بين العلم والسياسة يلحق الضرر بسلامة العلم". وأردف قائلاً: "أعتقد أن هذا المنظور يتجاهل الدور الحاسم الذي تلعبه المؤسسات العلمية في دعم المعايير الأخلاقية والدفاع عن سلامة العلم، وخصوصاً في الأوقات التي يتعرض فيها العلم والعلماء للتهديدات والترهيب من قبل المؤسسات السياسية". وأضاف في مقالته: "قيل لي في بداية مسيرتي المهنية: كل شيء سياسي، وتحديداً تلك الأشياء التي يخبرونك بأنها ليست سياسية. هذه هي الأكثر سياسية على الإطلاق. هناك بعض الحقيقة في ذلك عندما يتعلق الأمر بالعلم. إن تقاطع العلم والسياسة أمر لا مفر منه وله أهمية حيوية. يمتلك العلماء خبرة فريدة من نوعها تشكل أهمية حاسمة لصنع السياسات المستنيرة والتقدم المجتمعي. إن تبني المشاركة السياسية يسمح للعلماء بالوفاء بمسؤولياتهم الأخلاقية والدفاع عن سلامة عملهم والمساهمة بشكل هادف في معالجة التحديات المعقدة التي تواجه المجتمع اليوم". ورأى أن "الانسحاب من القضايا السياسية التي تحيط بالعلم وتؤثر فيه ليس الفضيلة التي يريد بعض المعلقين أن نصدقها. بل على العكس من ذلك، فهو خيانة للتأثير العميق الذي يمكن للعلم أن يخلفه. وعلى وجه الخصوص، فإن الفشل في التصرف على سلوك ماسك لن يؤدي إلا إلى تشجيع أولئك الذين يسعون لممارسة النفوذ السياسي على العلم والعلماء وتآكل المبادئ الأساسية للعلم".

المساهمون