إيلون ماسك والذكاء الاصطناعي: "أزمة" الإبادة الجماعية

26 مايو 2025
إيلون ماسك في ماريلاند 20 فبراير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحولت منصة "إكس" إلى ساحة لخطاب اليمين المتطرف والنازيين الجدد، حيث يتم الترويج لمحتوى مثير للجدل مثل أغنية كانييه ويست "Heil Hitler"، مما أثار نقاشات حول قضايا حساسة مثل الإبادة في غزة.

- خدمة الذكاء الاصطناعي "غروك" على منصة "إكس" تساهم في التلاعب بالحقائق، حيث تشكك في أحداث تاريخية مثل الهولوكوست وتروج لسرديات مشكوك فيها، مما يعكس تأثير إيلون ماسك في توجيه المعلومات.

- صعود اليمين العالمي، مدعومًا بتقنيات متطورة، يثير القلق حول تشكيل السرديات العالمية، حيث أصبحت منصة "إكس" أداة لنشر أيديولوجيات متطرفة تؤثر على السياسات العالمية.

لم يعد خافيًا على أحد أنّ منصة إكس تحوّلت إلى مرتع لخطاب اليمين واليمين المتطرف والنازيين الجدد. ويكفي أن نشير إلى أن أغنية كانييه ويست الجديدة Heil Hitler، التي حُذفت من منصات مثل سبوتيفاي ويوتيوب، وجدت جمهورًا واسعًا على "إكس"، حيث نُشرت من دون أي قيود.
أزمة الترويج لهذا الخطاب، بما فيه الداعم للإبادة في غزة، تنطلق من قناعة إيلون ماسك بأن المنصة تمثل "ساحة المدينة" المفتوحة للجميع ولكل الآراء، حتى الإبادية منها. هذه النظرية حوّلت المنصة إلى مساحة مفتوحة لـ"نقاش" حقيقة جريمة الإبادة في غزة، تلك التي لا يزال كثيرون ينكرون وقوعها.
الإشكالية لا تقتصر على المحتوى البشري، بل تمتد إلى خدمة الذكاء الاصطناعي التي توفّرها المنصة، والمقصود هنا "غروك" (Grok). فبينما لا ينكر "غروك" وقوع إبادة جماعية في غزة، إلا أنه في المقابل يشكك في عدد القتلى اليهود في الهولوكوست – وهو ما نُسب لاحقًا من قِبل الشركة إلى "خطأ برمجي".
الواضح اليوم أن منصة إكس لم تعد بريئة. لقد تحولت إلى أداة علنية للتلاعب بالحقائق والمعلومات، وتقديم نماذج لـ"إبادة جماعية" حسب أهواء صاحبها. وقد لاحظ كثيرون كيف بدأ "غروك" يتحدث عن "الإبادة الجماعية المزعومة" التي يزعم أن المزارعين البيض في جنوب أفريقيا يتعرضون لها؛ وهي القضية التي أثارت اهتمام إيلون ماسك ودونالد ترامب فجأة. وبدأ "غروك" يروّجها، حتى لو سأله المستخدم عن الممثل تيموثي شالاميه! لتعود الشركة وتنسب الأمر – مرة أخرى – إلى "خطأ برمجي".
ما نشهده على "إكس" وخدمة الذكاء الاصطناعي الملحقة بها، يكشف لنا – بوضوح وواقعية صادمة – الطريقة التي يُعاد بها تشكيل السرديات التي نستهلكها. كيف يمكن إنكار إبادة جماعية وترسيخ أخرى غير مؤكدة؟ إننا أمام محاولة لإعادة رسم سردية جريمة ضد الإنسانية، جريمة يُفترض ألا تخضع للتأويل أو الاجتهاد. لكنها اليوم محل تساؤلات يطرحها ذكاء اصطناعي يُفترض أنه أكثر قدرة من البشر على تحليل كم هائل من المعلومات. غير أن ما لا يمكن تجاهله هو قدرة إيلون ماسك نفسه على توجيه هذه التقنية حسب هواه، والتلاعب بالحقائق والأرقام حول إبادة جماعية لا يُشار إليها إلا عبر منصة إكس، الأمر الذي دفع رئيس جنوب أفريقيا إلى إدراج القضية ضمن أجندة نقاشه المرتقب مع ترامب في زيارته المقبلة إلى البيت الأبيض.

نحن أمام ملامح ديستوبيا واقعية: شخص واحد يتمكن من صناعة سردية يصدقها رئيس أقوى دولة في العالم، فيُفتح باب اللجوء لفئة دون غيرها، ويُغلق في وجه الآخرين. إننا أمام أيديولوجيا خالصة، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحويلها إلى "حقيقة"، وفقًا لأهواء مالكه أو مبرمجه.
والمفارقة الأكبر أننا نشهد اليوم صعودًا لليمين العالمي، بمختلف أطيافه، من ترامب إلى عدد من قادة أوروبا. يمينٌ يتبنى أيديولوجيا تغذيها أدوات تقنية شديدة التطور، إلى درجة بات معها مفهوم الإبادة الجماعية موضوعًا قابلاً للتشكيك، وبات من الضروري سؤال الذكاء الاصطناعي عنها من أجل "التحقق" من وقوعها ومصداقيتها. كل ذلك ضمن منصة تتيح نشر أغنيات تمجّد النازية وأدولف هتلر، وتشكك – بـ"خطأ برمجي" – في إبادة، وتختلق أخرى!
الخطير في هذه السرديات التي تتحرك ما بين منصة تواصل اجتماعي والبيت الأبيض أنها تغذي أولًا التفوق الأبيض، بل والنازية الجديدة، وثانيًا، تخلق مظلومية بيضاء لم تكن موجودة إلا مع صعود اليمين المتطرف. يمين يرى أنّ حقوق البيض تُهدر، وأنهم "يتعرضون للقمع". واليوم، يُصوَّرون أنهم ضحايا إبادة جماعية، لمجرد أنّ صديق رئيس الولايات المتحدة قرر ذلك، وربما تلاعب بمنصة تواصل اجتماعي يملكها لإقناع الناس بسردية مختلقة عن مظلومية غير موجودة.

المساهمون