إنتاجات ديزني: البرنامج الآتي قد يحتوي صوراً نمطية وعنصرية

16 فبراير 2025
يتضمن "بيتر بان" إشارات مهينة إلى الأميركيين الأصليين (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قامت ديزني بتعديل تحذيرات المحتوى في أفلامها الكلاسيكية لتعكس التزامها بالتنوع والشمول، مما أثار تساؤلات حول مدى جديتها في هذا الالتزام.
- انتقدت بيتسي بوزديتش من كومون سينس ميديا هذا التعديل، معتبرةً أنه تراجع عن التزام ديزني السابق، وأكدت على أهمية التحذيرات في فتح حوارات هادفة حول التمثيلات الإشكالية.
- تواجه الشركات الأميركية الكبرى، بما في ذلك ديزني، ضغوطاً سياسية واقتصادية تدفعها لإعادة النظر في التزاماتها بالتنوع والشمول، مع تبني لغة أكثر حيادية مثل "الانتماء".

على مر أكثر من قرن، حافظت شركة ديزني على صورتها علامةً تجاريةً محبوبة وصديقةً للعائلة، متجنبة الانخراط في القضايا السياسية وسجالاتها. ومع ذلك، تجد الشركة نفسها مجدداً في دائرة الجدل، بعدما أعلنت عن تعديل تحذيرات المحتوى التي تسبق عرض بعض أفلامها الكلاسيكية، مثل "بيتر بان" و"دامبو"، في خطوة تعكس تحولاً أوسع في استراتيجيتها لتعزيز التنوع والشمول. ووفقاً لتقارير من مواقع عدة، مثل "أكسيوس" و"فاريتي"، حدّثت الشركة إخلاء المسؤولية الذي يظهر قبل هذه الأفلام، ليشير إلى أن "البرنامج قد يحتوي صوراً نمطية أو تصويراً سلبياً" بدلاً من التحذير السابق الذي كان يشير إلى "إساءة معاملة الشعوب أو الثقافات". وكانت "ديزني" قد بدأت بإضافة تحذيرات مماثلة في عام 2019 بعد مراجعة الأفلام التي تحتوي صوراً عنصرية تعود إلى القرن العشرين. في ظل هذا التحول، يتساءل كثيرون: هل تمثّل هذه التغييرات تراجعاً عن التزام "ديزني" بالتنوع والشمول؟ أم إنها مجرد إعادة تشكيل لصورتها في مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية المتزايدة؟
في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2020، عدلت "ديزني" صياغة التحذير المرفق بمحتواها ليصبح أكثر تفصيلاً، فجاء النص الجديد على النحو الآتي: "يتضمن هذا البرنامج صوراً سلبية و/أو إساءة معاملة للأفراد أو الثقافات. كانت هذه الصور النمطية خاطئة في ذلك الوقت، وهي خاطئة الآن أيضاً. بدلاً من إزالة هذا المحتوى، نفضل الاعتراف بتأثيره الضار للتعلم من أخطائه وفتح حوار يساهم في بناء مستقبل أكثر شمولاً. تلتزم ديزني، بتقديم قصص ملهمة وطموحة تعكس التنوع الغني للتجربة الإنسانية على مستوى العالم".
في هذا السياق، تقول بيتسي بوزديتش، مديرة التحرير ورئيسة التقييمات والمراجعات في منظمة كومون سينس ميديا، وهي منظمة غير ربحية متخصصة في مراجعة وتقييم الأفلام والوسائط الأخرى للعائلات، في ردّها على أسئلة "العربي الجديد"، إن قرار "ديزني" الأخير بتعديل طريقة إصدار تحذيرات المحتوى للأفلام التي تتضمن صوراً ثقافية قديمة، يمثل تراجعاً مخيباً للآمال عن التزامها السابق. توضح أن "ديزني" كانت قد تعهدت قبل سنوات بالتعامل مع المحتوى الإشكالي في مكتبتها استباقياً، إلا أن هذا القرار يعكس خروجاً عن ذلك النهج.
تضيف بوزديتش أن الوسائط التي يستهلكها الجمهور تؤثر بعمق على طريقة رؤية الناس بعضهم بعضاً وفهمهم ومعاملتهم، مشيرةً إلى أن الأطفال تحديداً يكونون أكثر عرضة لاستيعاب الصور النمطية السلبية عن الأعراق والمجتمعات المختلفة. سواء كان هذا القرار من "ديزني" مقصوداً أم لا، فإنه يشير إلى انخفاض القلق بشأن الضرر الذي يمكن أن تسببه الصور النمطية السلبية.
وفي ما يتعلّق بتحذيرات المحتوى التي تسبق عرض الأفلام، تقول بوزديتش إن "تنبيهات المحتوى، أو حتى التحليلات الأكثر تفصيلاً التي تضع الموضوع في سياقه التاريخي الكامل، كما هو الحال في العديد من مراجعات كومون سينس ميديا ضمن قسم التمثيلات المتنوع، توفر للعائلات فرصة للتعرف على مختلف أشكال التمثيلات الإشكالية وفهم سبب كونها ضارة دائماً". تتابع أنّ منظمة كومون سينس ميديا، تدعو إلى مشاهدة الوسائط ومناقشتها كعائلة كلما أمكن ذلك، ما يسهم في فتح حوارات هادفة في تعزيز التفكير النقدي لدى الأطفال تجاه المحتوى الذي يستهلكونه. ولهذا السبب، توفر المنظّمة أسئلة للنقاش لكل فيلم أو برنامج تلفزيوني أو كتاب تراجعه.
من جهته، يقدّم مكتب إعلام المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام (BBFC) وهو هيئة تنظيمية مستقلة في المملكة المتحدة، معلومات أساسية عن نهج المجلس في ما يتعلق بالتصنيفات العمرية ونصائح المحتوى. يوضح أنّه يحدّد التصنيفات بناءً على المبادئ التوجيهية التي تُحدَّث كل أربع إلى خمس سنوات بعد مشاورات عامة واسعة النطاق. وفقاً لأحدث أبحاثه في عام 2023، يرى 97% من الأشخاص فائدةً في التصنيفات العمرية، ويثق 90% من الآباء ومقدمي الرعاية في تصنيفات المجلس في معظم الأوقات. إضافةً إلى ذلك، يعتبر 85% من الآباء و71% من المراهقين أن النصائح المتعلقة بالمحتوى أداة مفيدة.
وفي حين أن المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام لم يعلّق على قرار "ديزني"، إلا أن إرشاداته تؤكد أهمية توفير تصنيفات عمرية واضحة ومعلومات استشارية لمساعدة الجمهور على اتخاذ خيارات مشاهدة مستنيرة.
أما كبيرة مسؤولي الموارد البشرية في "ديزني"، سونيا كولمان، فقد أوضحت في مذكرة داخلية للموظفين بتاريخ 11 فبراير/شباط الحالي، التعديلات التي طرأت على جهود الشركة في مجال التنوع والإنصاف والشمول (DEI). تأتي هذه التغييرات في ظل تراجع عدد متزايد من الشركات والعلامات التجارية الأميركية عن مبادرات مماثلة، وذلك بعد الحملة التي شنتها إدارة دونالد ترامب على برامج التنوع والإنصاف والشمول خلال الأسابيع الأولى من ولايته الرئاسية الثانية. جاء في المذكرة أن إخلاء المسؤولية عن المحتوى، الذي قُدِّم عام 2020 بعد التشاور مع جهات مثل جمعية نقاد السينما الأميركية الأفريقية وتحالف آسيا والمحيط الهادئ في مجال الترفيه، لن يُعرض تلقائياً بعد الآن على الأفلام القديمة المتوفرة على منصة ديزني بلاس.
يأتي ذلك رغم أن فيلم "بيتر بان" يتضمن إشارات مهينة إلى الأميركيين الأصليين، بينما يقدم فيلم "دامبو" مجموعة من الغربان كاريكاتورياً، بما يعتمد على قوالب نمطية عنصرية ضد السود. يُذكر أن أحد هذه الطيور يُدعى جيم كرو، وهو الاسم ذاته الذي أُطلق على القوانين التي فرضت الفصل العنصري في الولايات المتحدة.

على الرغم من محاولات "ديزني" الابتعاد عن القضايا السياسية، إلا أنها وجدت نفسها مراراً في قلب سجالات حادة. من بين أبرز هذه المواجهات، الهجوم العلني الذي شنّه حاكم فلوريدا، رون ديسانتيس، على الشركة بعد معارضتها لقانون "لا تقل مثلياً"، الذي يفرض قيوداً على مناقشة التوجه الجنسي والهوية الجندرية في المدارس الابتدائية. وردّاً على ذلك، ألغى ديسانتيس الامتيازات الخاصة التي تمتعت بها "ديزني وورلد" لعقود، ما صعّد من حدة التوتر بين الشركة والإدارة المحلية وأثار تساؤلات حول مدى انخراط "ديزني" في المشهد السياسي.
في هذا السياق، ومع عودته إلى منصب الرئيس التنفيذي في عام 2022، سعى بوب إيغر إلى إعادة "ديزني" إلى جذورها، مشدّداً خلال اجتماع المساهمين لعام 2023 على أن "المهمة الأساسية يجب أن تكون الترفيه ويجب أن يسهم الترفيه في إحداث تأثير إيجابي على العالم، لكن من دون أن يكون مدفوعاً بأجندات سياسية". يبدو أن هذه الاستراتيجية قد أتت ثمارها، إذ نجحت في تحسين صورة الشركة بين الجمهوريين، وفقاً لاستطلاع Axios Harris 100، واستعادت ديزني موقعها الريادي في شباك التذاكر في أميركا الشمالية لعام 2024، مدفوعةً بنجاح عدد من الأفلام العائلية البارزة.

وفي ظل التحولات السياسية والضغوط المتزايدة من النشطاء والمساهمين، باتت كبرى الشركات الأميركية تعيد النظر في التزاماتها بشأن التنوع والمساواة والشمول، متبنية استراتيجيات جديدة تتجنب الجدل السياسي المتصاعد. ومع التراجع الحاد في استخدام هذه المصطلحات، وانخفاض ذكرها في مكالمات الأرباح بنسبة 82% منذ 2021، يبدو أن الشركات تتجه نحو إعادة صياغة توجهاتها بلغة أكثر حيادية، ويتجلى ذلك في تبني مصطلحات مثل "الانتماء" و"تنوع الأفكار ووجهات النظر".
وبينما تحاول الشركات إيجاد توازن بين القيم التي تبنتها سابقاً والضغوط الاقتصادية والسياسية الراهنة، يبقى السؤال الأهم: هل يمثل هذا التغيير إعادة تموضع استراتيجي أم تراجعاً فعلياً عن الالتزام بالتنوع والشمول؟

المساهمون