إعلانات "ماستر كلاس": ماذا عن تاريخ الفشل؟

إعلانات "ماستر كلاس": ماذا عن تاريخ الفشل؟

27 أكتوبر 2021
الأمر في "ماستر كلاس" أقرب إلى نصائح توجيهية منه إلى "صفوف" حقيقية (مايكل تولبيرغ/Getty)
+ الخط -

تمتلئ شاشاتنا بإعلانات عن "صفوف ماستر"؛ دورات رقمية أمام الشاشة، يقدمها المجاهيل أو المشاهير، في محاولة لـ"تعليمنا"، وإكسابنا مهارات لا توجد إلا في هذه الصفوف. الأهم، أن نتائج هذه الدورات، جعلت الكثيرين، وبسذاجة، يملؤون صفحاتهم بشهادات وصور عن مشاركاتهم المتنوعة، لترى أحدهم بعد بضعة أشهر، ناقداً فنياً، وخبير تواصل بشري، ومدير تسويق، ونجار. هذا الكم الهائل من "الخبرات" المكتسبة ببضع ساعات، يطرح الكثير من التساؤلات، ليس فقط حول جدواها، بل حقيقة ما "نتعلمه" إن تابعنا أحد، أو "كل"، هذه الصفوف.
هذه الصفوف كانت محط اهتمام الصحافي تاد فريند، الذي نقرأ في "ذا نيويوركر" عن تجربته مع منصة MasterClass التي افتتحت عام 2015؛ إذ نقرأ بنبرة لا تخلو من السخرية، كيف يصف لنا فريند وعد المنصة لمتابعيها بالعبارة الآتية: "كشف أسرار كل شيء، من التصوير إلى الكوميديا"، الأمر الذي لا يمكن المرور عليه جزافاً، كون المنصة تحوي في أرشيفها أسماء لا يستهان بها، قدموا صفوفاً للملايين، مثل جيمس كاميرون، ومارتن سكورسيزي، وسيرينا ويليامز، وغيرهم من المشاهير أصحاب الصنعة التي لا يمكن التشكيك بها.
نتعرف في المقال على ديفيد روجير، مؤسس الموقع، في ذات الوقت تعليقات الصحافي الذي يصف الشركة بأنها تتبع أسلوباً لإشباع الفضول، ومن السهل التهكم عليها، خصوصاً أنها تخاطب حاجاتنا الاستهلاكيّة، مثل الرغبة بالتفرد، والسرعة في اكتساب الخبرات، والأهم، الإيمان بأن كل واحد منا قادر بساعات أن يصبح "معلّماً". وهذا بالضبط هدف روجير، الذي يحلم بأن تكون منصته مكتبة الإسكندرية الجديدة، تحوي كل شيء، وتتيح لأي شخص، مهما كانت خبرته، أن يشاهد عبر خوارزميّة محددة، مجموعة من الصفوف التي، في النهاية، ستحوله إلى "ماستر"، أو معلم في المهنة التي يريد.
نقرأ، أيضاً، عن طيف يحوم في الشركة وصفوفها، وهو طيف موزارت، الذي يذكر في معظم الصفوف لإيضاح المفارقة بين العبقرية وبين الخبرة، وإيمان الشركة والكثير من المعلمين، بأن الخبرة كافية، لكن لا بد من بعض الموهبة، الأمر الذي تراهن عليه الشركة من دون تقديمه فعلاً. صحيح أن الصفوف تتبنى الإيمان الفردي بالموهبة، وتروج له؛ لكن ماذا عن العمل الجاد لسنوات؟ ماذا عن تاريخ الفشل قبل النجاح؟ لا وصفة ولا كلمات لهذا الأمر، وعادة هو ما يثمر، وليس المشاهدة على الشاشة. ببساطة: هل يكفي أن نستمع إلى سكورسيزي لنصبح مخرجين أفضل؟ هل الوحي والتقنيات والأفلام الشهيرة التي يتحدث عنها كافية لجعلنا معلّمين؟ كل هذه الأسئلة تحوم في خلفية الصفوف المكلفة والميزانية التي قد تصل إلى خمسين ألف دولار لتصوير الصف الواحد.

مهما حاولنا تفادي أو تجاهل عقلية شركة "سيليكون فالي" القائمة على الإعلانات، هناك شعور بعدم الثقة ينتابنا حين نشاهد الصفوف أو نقرأ اللقاء. هل يمكن فعلاً اختزال خبرة حياة كاملة في صف واحد؟ أو لنقل عشرة؟ المقارنة مع المؤسسة التعليميّة هنا لا تبدو منطقيّة، خصوصاً أن سنوات التعليم، لا تعني فقط الجلوس في الصف، والخبرة لا تعني فقط الاستماع ومشاهدة "المعلمين". الأمر في "ماستر كلاس" أقرب إلى نصائح توجيهية منه إلى "صفوف" حقيقية. وهذا بالضبط المرعب في الشكل الرأسمالي لهذه "المنتجات"؛ فهي تقدم وعداً بالمهارة وإتقانها بمجرد استهلاكها في الميترو أو المنزل، عبر الشاشة، ناهيك عن أن نتائجها ترفع من تقدير الفرد لذاته، من دون خبرة حقيقية.
كم ممن نعرفهم يملأ صفحات التواصل الاجتماعي بشهادات وهمية أو شهادات من دورات الإنترنت. صحيح أن "ماستر كلاس" لا يتبع هذه الصيغة، لكنه يراهن عليها. لنتخيل مثلاً، أن أحداً شاهد "كل" محتوى نتفليكس: هل يمكن القول إنه مدير شركة إنتاج؟ ناقد فنيّ؟ مخرج؟ ممثل؟

استهلاك المنتجات الثقافية، والرهان على الفردانية، و"افعلها بنفسك" (DIY)، يتركنا أمام ملايين المزيفين، الشأن الذي يذكره روجير نفسه، لكن لديه حلم لا يمكن مناقشته لأنه ببساطة حلم، هو أن يصبح الجميع معلمين ببضع ساعات.

المساهمون