إعلام روسيا... انحياز لإسرائيل

إعلام روسيا... انحياز لإسرائيل

19 مايو 2021
صحافيون لجأوا إلى يوتيوب لإيضاح وجهة نظرهم المؤيدة للفلسطينيين (سيد أيدوغان/الأناضول)
+ الخط -

تغرد معظم وسائل الإعلام الروسية الحكومية خارج السرب في تغطيتها للأوضاع في الشرق الأوسط. وعلى عكس الموقف الرسمي الروسي من الأحداث في فلسطين، تكشف تغطية معظم وسائل الإعلام الروسية ومن ضمنها كبريات القنوات الحكومية انحيازا واضحا للرواية الإسرائيلية، ولا يقتصر الانحياز على المساواة بين الضحية والجلاد، بل يتجاوز ذلك في كثير من الأحيان إلى تصوير الجانب الإسرائيلي على أنه الضحية لصواريخ الفلسطينيين، ولكن في تزييف الحقائق لما يجري. هذا إضافةً إلى استخدام المصطلحات الإسرائيلية في وصف جيش الاحتلال على أنه "جيش الدفاع"، ووصف "حماس" بأنها حركة إرهابية رغم أن وزارة الخارجية الروسية تستقبل دوريا وفودا من الحركة في موسكو، ولم تصنفها ضمن الحركات الإرهابية. ومن اللافت، أن وسائل الإعلام الروسية لم تستضف مسؤولين أو محللين يدافعون عن وجهة النظر الفلسطينية في حين تخصص مساحات واسعة لمحللين إسرائيليين من ذوي الأفكار المتطرفة والمعادية للعرب، ومسؤولين أمنيين سابقين من المتحدثين باللغة الروسية.  

مساحات واسعة لمحللين إسرائيليين متطرفين ومعادين للعرب

وأظهرت التغطية الإعلامية لقناة "روسيا 1" الحكومية تناقضات واضحة بين تغطية المراسلين، عرض بعضها في نشرة واحدة. مساء الأحد الماضي، وفي برنامج "حصاد الأسبوع" الذي يقدمه ديمتري كيسليوف، رئيس بروباغاندا الكرملين، قدم كيسليوف لتقريرين عن الأوضاع عزا فيه التصعيد الحالي إلى الأوضاع العالمية والإقليمية الجديدة وصعود الدعم الإسلامي للفلسطينيين التي وضعها ضمن "إطار حضاري جديد يسود العالم بعد تحركات السود في الولايات المتحدة"، اختتمها بالتذكير بموقف روسيا الداعي إلى اجتماع للرباعية ومفاوضات مباشرة. ورغم محاولة إضفاء نوع من "التوازن" عبر عرض تقريرين الأول من داخل الخط الأخضر، بدا واضحا انحياز رئيس مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيئة الإذاعة والتلفزة الروسية سيرغي بوشكوف الذي ركز في تقريره على أن صواريخ "حماس" تنشر القتل في المدن الإسرائيلية و"تضر بنفسية الأطفال"، وكان يمكن أن تقتل الكثير منهم. واتسم التقرير بالتناقض، فمن ناحية يشيد بقدرة "القبة الحديدية" على إسقاط صواريخ غزة، ومن جهة أخرى يدعو إلى عدم التقليل من تأثيرها مستعرضا صورة لشجرة قال إنها كانت تضم عشا لغراب قتل. كما ينتقل إلى مكان آخر ليستعرض نفوق بعض الخراف التي قال إنها بسبب سقوط صاروخ عليها. ويظهر بوشكوف المعروف بمواقفه الداعمة بشدة للجانب الإسرائيلي منذ سنوات طويلة قضاها في المنطقة مراسلاً ومن ثم رئيساً لمكتب القناة الحكومية وهو يركض للاختباء من الصواريخ بعد سماع صفارات الإنذار. ويعزو بوشكوف الأوضاع المتوترة في الداخل الفلسطيني إلى استفزازات "الشباب العربي المتطرف". ومع إشارته إلى أن "العامل الأكثر خطرا من صواريخ حماس هو الوضع بين اليهود والعرب في إسرائيل"، يعرض بوشكوف بيتاً لفلسطينيين تعرضوا لاعتداء، وبعدها يستضيف شابة إسرائيلية تؤكد أن بيتها تعرض لاعتداء بقنبلة. ورغم أن المشاهد لا تكشف أي اعتداء على المنزل، فإن بوشكوف يشير إلى أن العرب واليهود في داخل يافا قادرون على التعايش وأن الشابة الإسرائيلية والمتضررين الفلسطينيين يدعمون من الجوار بالقدر ذاته، من دون أي إشارة إلى التمييز العنصري الممارس بحق الفلسطينيين.

وفي التقرير الثاني في البرنامج، عرض المراسل يفغيني بودوبني الأوضاع في غزة، مشيرا إلى العدد الكبير من الضحايا، وخاصة في صفوف الاطفال، وعرض جنازات أسر بأكملها قال إنها قتلت بعد تحذيرات صُوَرية من قبل الجيش الإسرائيلي لإخلاء منازلها. وأشار إلى استهداف الطائرات المباني والأبراج السكنية، لكن المراسل خلص إلى أن "خطاب حماس المتشدد يهدف إلى تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية والاستيلاء على السلطة فيها، ما يشكل تهديدا كبيرا لإسرائيل التي استطاعت منذ سنوات طويلة التفاهم مع السلطة الفلسطينية الحالية". وعرض مشاهد لمظاهرات بالسلاح قال إنها لعناصر الكتائب المسلحة لحماس في الضفة، ولكن الصورة تكشف أن الشعارات المرفوعة على الرايات تعود لحركة "فتح". 

من جانبه، تطرق الإعلامي الروسي المعروف فلاديمير سلافيوف في قناته على "يوتيوب" إلى الأوضاع في قطاع غزة وداخل الخط الأخضر. واختار سلافيوف الذي لا ينكر أصوله اليهودية، المسؤول السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "نانيف" كاديم ياكوف، المعروف بمواقفه المتطرفة عبر إطلالاته على القنوات الروسية. وفي المقابلة الطويلة عزا ياكوف التوتر بين فلسطينيي الداخل والمتطرفين اليهود إلى "فعل منظمات إجرامية، وانتشار الجريمة والسلاح في الوسط العربي وعدم نجاعة عمل الشرطة لمواجهة العرب المدججين بالسلاح" زاعما أن "البدو في فلسطين لديهم أسلحة أكثر من الجيش الإسرائيلي". واتهم أطرافاً خارجية بأنها "تصب النار على الزيت لخلق بلبلة في المجتمع الإسرائيلي عبر إرسال حملة جوازات غربية إلى داخل إسرائيل والاعتداء على الجيش والشرطة"، على حد زعمه، مدافعاً أيضاً عن استهداف إسرائيل لغزة بقوة بحجة أنها "تستهدف المواقع الإرهابية وتدمير مدينة تحت الأرض بنتها حماس لتدمير إسرائيل". سلافيوف وفي مقاربة غريبة سأل ضيفه عن الإجراءات الإسرائيلية لمنع تدفق المسلمين إلى إسرائيل، الذي أوضح له أن "التطرف الإسلامي مصدره داخلي يشكله نحو مليوني فلسطيني يعيشون في داخل أراضي إسرائيل". 

انسداد أبواب القنوات التلفزيونية أمام المحللين والصحافيين الروس المحايدين أو المؤيدين لحق الفلسطينيين دفع بعضهم إلى نشر مقاطع تضامن مع الفلسطينيين. واختار الصحافي والسياسي مكسيم شيفشينكو الموضوع الفلسطيني ليبدأ به برنامجه الأسبوعي على قناته في يوتيوب. وخصص شيفشينكو، الذي يتبنى فكرًا ينطلق من تشابه القيم الأرثوذكسية المسيحية والاشتراكية، أكثر من نصف ساعة للحديث عن الأوضاع في فلسطين. وتحت عنوان "فلسطين، جهنم إسرائيل"، انتقد شيفشينكو استهداف إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، واستهداف مقار وسائل الإعلام، مكذبا "ادعاءات إسرائيل بأنها توجه ضربات ضد الإرهاب". وأشار إلى أن "الإعلام الروسي منحاز تقليدياً للجانب الإسرائيلي باستثناء بعض الأصوات النقية التي تتعرض للتهميش والمحاربة". وحمل على سياسة وسائل التواصل الاجتماعي التي تحظر وتحارب من يحاول تقديم الرواية الصحيحة عن الأوضاع. كما وجه شيفشينكو انتقادات لاذعة لليبراليين الروس الذي يدعمون إسرائيل، ودعا "من يعانون من انفصام الشخصية" الذين يرفضون القتل في مكان ويدعمون القاتل في مكان آخر إلى تبني قيم "العدالة والحرية" للقياس عليها في جميع الحالات. ورغم إشارته إلى أن تعدد العلاقات مع جميع الأطراف في المنطقة مفيد لروسيا، انتقد شيفشينكو علاقات الرئيس فلاديمير بوتين مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي "يتمسك بالسلطة أيا كان الثمن". وأكد شيفشينكو على حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم والدفاع عنها، مشددًا على أن المسيحيين الروس يجب أن يدعموا الفلسطينيين المتحدين مع المسلمين على أهداف بناء دولة فلسطينية. 

وعموماً، اتسمت معظم التغطيات بتبرير ضرب إسرائيل لأهداف في غزة، وتبنت رواية الاحتلال بأنه يستهدف بؤر الإرهاب، وحملت "حماس" مسؤولية هذه الضربات "لأنها تحتمي بالمدنيين، وتنشر مقارها السياسية والعسكرية في الأبراج السكنية وبين المدنيين". كما تسلح بعض كتاب المقالات بمواقف لكتاب عرب معروف عنهم كرههم لحماس والمقاومة الفلسطينية، وسمعت بعض النداءات في القنوات على لسان بعض المحللين لتشديد الضربات على غزة وقطع المياه والكهرباء عنها.  

وفي بعض الأحيان عمدت بعض القنوات إلى التزييف الواضح. ففي تغطية خبر انهيار مدرج في كنيس يهودي شمال القدس، عرضت محطة "روسيا 24" الحكومية مقاطع لسقوط صاروخ قالت إنه لحماس قرب الكنيس علماً أن المقطع كان لاستهداف آخر لم يسفر عن أي قتلى أو جرحى.

المساهمون