إسرائيل في الدراما العربية: الموقف الرسمي يُهيمن على المسلسلات

22 مارس 2025
من مسلسل أم هارون (MBC)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- على مدار عقود، كانت القضية الفلسطينية محورًا في الدراما العربية، مع أعمال بارزة مثل "دموع في عيون وقحة" و"رأفت الهجان"، لكن العقد الأخير شهد تراجعًا في تناولها بسبب موجة التطبيع والضغوط السياسية.
- تراجعت الدراما العربية عن تناول القضية الفلسطينية بوضوح في السنوات الأخيرة، متأثرة باتفاقات أبراهام وتغير الأولويات الإقليمية، مما أدى إلى غياب الأعمال التي تدعم النضال الفلسطيني.
- تاريخيًا، عكست الدراما العربية العداء للكيان الصهيوني، لكن التغيرات السياسية والاقتصادية أثرت على تناول المواضيع الحساسة، مما جعلها خاضعة لتوجهات السلطات والممولين.

يكرّر صنّاع الدراما العربية على جمهورهم أن أعمالهم بمثابة صدى للقضايا الراهنة، وإن كان ذلك مثارَ انتقادات واسعة وخلافات وإشكالات تتجدد، لكن على مدار عقود طويلة سابقة، ظلت القضية الفلسطينية موضوعاً لا يختلف فيه أو عليه صنّاع الدراما العرب، وبقيت حاضرة بقوة، في السينما أولاً، ثم في الدراما التلفزيونية مع فورة انتشارها بحلول نهاية تسعينيات القرن الماضي، حين تحول شهر رمضان إلى موسم العرض الأهم سنوياً. وللمفارقة، لم يؤثر في ذلك مسار التطبيع المصري ثم الأردني، إذ ظلت الأعمال الدرامية عصية على التطبيع مع إسرائيل، وأُنتجت أعمالٌ تلفزيونية عدة لا يزال الجمهور العربي يتذكرها، بل ويستعيدها، من بينها كأمثلة مسلسل "دموع في عيون وقحة" (1980) للمؤلف صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي، ومسلسل "رأفت الهجان" بأجزائه الثلاثة لنفس المؤلف والمخرج الذي بدأ عرضه في 1988، والمسلسلان أنتجهما التلفزيون المصري، ومسلسل "عز الدين القسام" (1981) عن قصة أحمد دحبور وإخراج هيثم حقي، ومسلسل "التغريبة الفلسطينية" (2004) تأليف وليد سيف وإخراج حاتم علي، ومسلسل "الاجتياح" (2007) تأليف رياض سيف وإخراج شوقي الماجري، ومسلسلات تاريخية تناولت شخصية محرر القدس صلاح الدين الأيوبي وغيرها.

لكن العقد الأخير شهد تحولاً كبيراً في التعامل الدرامي مع القضية الفلسطينية بوصفها ملفاً عروبياً، ويمكن إرجاع ذلك إلى أسباب متباينة، من بينها انحسار، أو بالأحرى، هزيمة الربيع العربي، ثم موجة التطبيع الجديدة التي أطلق عليها "اتفاقات أبراهام"، وقبل هذا وذاك، وإن بتأثير أقل، اعتماد كثير من الأنظمة العربية خطاب جعل إيران العدو الأخطر، لا إسرائيل، ويقف خلف هذا ضغوط وتهديدات أميركية، بعضها مبطنة وأكثرها صريحة.

وخلال السنتين الماضيتين، وكذا في رمضان 2025، لم تنتج مراكز صنع الدراما العربية الكبرى للعرض في شهر رمضان، أعمالاً درامية تتناول القضية الفلسطينية، على الرغم من إعادة "طوفان الأقصى" القضية إلى واجهة الأحداث الإقليمية، وحضورها العالمي الطاغي بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. يصعب اعتبار ذلك موقفاً اتخذه صنّاع الدراما بمفردهم من دون تدخل فوقي سلطوي، فالسياق الطبيعي للصناعة، وكذا منطق الربح والجماهيرية، يفرضان عليهم استغلال حالة التضامن الواسعة مع الشعب الفلسطيني لإنتاج أعمال تدعم نضاله، أو تذكر بالعدو الحقيقي، وخطره المحدق بالإقليم كله. لكن أياً منهم لم يفعل ذلك، ربما جهلاً بدورهم في التنوير ودعم قضايا شعوبهم المحقة، وربما، وهذا غالب الظن، خشية من غضب الحكام، خصوصاً المطبعون منهم.

لتوضيح هذا السياق، هناك بعض الوقائع اللازمة لفهم الحالة. في رمضان 2015، أحدث موضوع المسلسل المصري "حارة اليهود" للمخرج محمد العدل جدلاً واسعاً، واعتبر نتيجة مباشرة للتقارب بين السلطات المصرية والكيان الصهيوني، وأكد كثيرون أنه لم يكن لصانع دراما مصري أن يقدم مسلسلاً يتبنى وجهة نظر مماثلة إلا لثقته برضا السلطات الحاكمة عن ذلك، مذكّرين بتاريخ طويل من الأعمال السابقة التي كانت تتبنى وجهة نظر مغايرة، وتقدم اليهودي عموماً، ويهود مصر خصوصاً، باعتبارهم شخصيات سيئة بالمطلق، وتسبغ عليهم صفات قميئة مثل الطمع أو البخل أو الكذب، وصولاً إلى اتهامهم صراحة بالخيانة أو التآمر، وذلك على غرار شخصية "شايلوك" في رائعة ويليام شكسبير (تاجر البندقية).

وفي 2020، وهو عام توقيع "اتفاقات أبراهام"، كان النزوع إلى التطبيع الدرامي أكثر وضوحاً، وبرزت مسلسلات رمضانية تناولت العلاقة مع إسرائيل، أو تاريخ اليهود في المنطقة العربية، مثل مسلسل "أم هارون" للمخرج محمد العدل، وهو نفسه مخرج مسلسل "حارة اليهود"، وبطولة حياة الفهد التي قدمت دور طبيبة يهودية كانت تعيش في الكويت في أربعينيات القرن الماضي، وصور المسلسل في الإمارات لصالح شبكة إم بي سي السعودية (MBC)، وكذلك المسلسل السعودي "مخرج 7" للمخرج أوس الشرقي، الذي استعرضت إحدى حلقاته موقف الأب الأربعيني (ناصر القصبي) من طفله الذي ينخرط في ألعاب إلكترونية مع طفل إسرائيلي. في رمضان 2020 نفسه، عرض المسلسل المصري "النهاية" للمخرج ياسر سامي وبطولة يوسف الشريف، الذي كتبه عمر سمير عاطف مؤلف فيلم "أولاد العم" (2009)، واعتمد صيغة "الخيال العلمي"، ربما هرباً من الرفض الرسمي لإنتاجه، إذ تنبأت الحلقة الأولى منه بـ"زوال إسرائيل" بعد تفكك الولايات المتحدة، من خلال مشهد يتحدث فيه مدرس لتلاميذه عن "تحرير القدس" عبر حرب عربية خاطفة انتهت بهروب اليهود إلى بلدانهم الأصلية في أوروبا.

للمقارنة، خلال العقود السابقة، كان حضور القضية الفلسطينية، والعداء العربي للكيان الصهيوني أشد وضوحاً مقارنة مع ما نشاهده خلال العقد الأخير، وكان صناع الدراما يتحسبون من غضب الجهور، وفي حال شذ أحدهم عن السياق، كان يواجه بهجوم جماهيري ونقدي واسع. يمكننا في هذا السياق تذكر الهجوم على فيلم "ريح السد" (1986) للمخرج التونسي نوري بوزيد فيلمه لمجرد أنه قدم شخصية يهودية طيبة، بينما اعتاد الجمهور العربي على تقديم اليهودي سيئاً، أو السخرية منه، وكذلك الهجوم على فيلم "سجل اختفاء" (1996) للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان، الذي كان مشهده الختامي يظهر علم إسرائيل مرفرفاً، وقبل ذلك فيلم "إسكندرية ليه" (1979) للمخرج يوسف شاهين الذي قدم شخصيات يهود مصريين إيجابية في استعراضه للمجتمع متعدد الثقافات والأصول في مدينة الإسكندرية خلال أربعينيات القرن الماضي.

يظل استعراض قضايا الشعوب وهمومها أحد أدوار الدراما الأساسية إلى جانب الترفيه، لكنّ أحداً لا يمكنه إنكار أن صناعة الدراما حول العالم لها علاقة وثيقة بالسياسات والاقتصاديات، ما يعني أنها تخضع لسطوة الحكومات والممولين. وحتى في الدول التي يزعم سكانها التمتع بقدر أكبر من الحرية في إبداء الرأي والتعبير عن المواقف، لا يملك صنّاع الدراما إلا هامشاً صغيراً من الحرية، وهم ينساقون إلى توجهات السلطات، وسطوة المنتجين، باستثناء نماذج نادرة. ويندرج ضمن ذلك ما أنتجته هوليوود من أعمال حول حرب فيتنام، والأفلام التي تتناول الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، وما تنتجه بوليوود من أعمال تمجد الجيش الهندي وتتهجم على الجارة باكستان، إلى غير ذلك من النماذج العالمية المعروفة.

عربياً، يظل الحال أكثر بؤساً، إذ إن صناع الدراما، من المحيط إلى الخليج، يخضعون بالكلية للمواقف الرسمية، وفي أحيان كثيرة تعد أعمالهم صدى لما تردده السلطات عبر الإعلام الرسمي، وللسخرية قد تتغير موضوعاتها بصورة فجّة فور تغيّر السلطات، ومن ذلك بدء تصوير مسلسل في دمشق أخيراً بعنوان "قيصر"، يروي بعضاً من سيرة مسرّب صور الفظائع التي كانت تحدث في سجون نظام الأسد، وذلك قبل أن يمضي شهران على سقوطه وتحرر سورية من قبضته.

المساهمون