إبراهيم السطري... حارس الذاكرة الصحافية الأردنية
استمع إلى الملخص
- بدأ شغف السطري بالصحافة منذ الثمانينيات، وجمع مواد نادرة من مختلف الدول العربية، مما جعله مرجعاً للعديد من الصحافيين والكتاب، متفوقاً على المؤسسات الكبرى في مهمة الأرشفة.
- رغم التحديات المادية وضيق المكان، يواصل السطري جهوده في الحفاظ على الإرث الثقافي، ويدعوه زملاؤه "حارس الذاكرة الصحافية"، مشيرين إلى أهمية أرشيفه كجزء من تاريخ الصحافة الأردنية.
في زمنٍ تتسارع فيه ثورة التكنولوجيا والرقمنة، ويكاد الورق يفقد مكانته أمام الشاشات المضيئة، يصرّ الصحافي الأردني إبراهيم السطري على السباحة عكس التيار، متحمّلاً مسؤولية الحفاظ على ذاكرة الصحافتين، الأردنية والعربية. بجهد شخصي، وبحب عميق للمهنة، جمع أرشيفاً ورقياً هائلاً بات بمنزلة كنزٍ تاريخي يلجأ إليه الصحافيون والباحثون.
يمتلك السطري أرشيفاً مذهلاً من الكتب والصحف والمجلات اليومية والأسبوعية، السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرياضية. وقد تحوّل هذا الأرشيف أخيراً إلى مصدرٍ مهم للصحافيين الأردنيين، يستعينون به للحصول على مقالات ومواد صحافية نُشرت قبل عقود. من هناك، تعود صفحات الماضي إلى الحياة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعاد نشرها بوصفها وثائق من زمن كانت فيه الكلمة المطبوعة ذات ثقل وهيبة في الرأي العام.
في غرفة متواضعة ملحقة بمنزله، خصّصها على حساب راحة عائلته، يواصل السطري تنقيبه في "جبلٍ من الورق". ومن هناك يمدّ زملاءه وأصدقاءه بمواد نادرة، مذكّراً إياهم بذكريات مرحلةٍ لن تتكرّر. يقول لـ"العربي الجديد": "أحتفظ بصحف ومجلات وأحياناً قصاصات متناثرة من المقالات التي تعود إلى زمن ازدهار الصحافة الورقية، ذلك الزمن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة أمام عصر الرقمنة، لكنني أصرّ على حماية هذا الإرث".
ما يميّز جهد السطري أنّه، رغم إمكاناته المتواضعة، تفوّق على مؤسساتٍ كبرى كان يفترض أن تضطلع بمهمّة الأرشفة، فقد سبقت مبادرته أي تفكير مؤسسي بحفظ هذا التراث، لتغدو جهوده صفحة موازية من تاريخ الصحافة الورقية.
يعود السطري بذاكرته إلى منتصف الثمانينيات حين عمل في صحيفة صوت الشعب الأردنية (توقفت لاحقاً عن الصدور). هناك بدأ عشقه عناوين الصحف وملحقاتها، فاحتفظ ببعضها وما زالت لديه. لاحقاً، كتب في مجلة الاثنين الأردنية، مقدّماً موضوعات غير تقليدية: من "الوجه الآخر للأدباء والسياسيين والصحافيين" إلى قصص "أطبّاء تركوا الطب وامتهنوا الأدب"، مروراً بـ"صحافيين دفعوا الثمن" و"السياسيين والانتحار".
لتوثيق مادّته، كان يشتري الصحف والمجلات من فلسطين والإمارات والكويت ولبنان، إضافة إلى مجلات عربية، مثل سيدتي والأسرة، ومجلات مصرية. ومع الوقت، عرف أصدقاؤه بشغفه، فكانوا يتصلون به كلما أرادوا التخلّص من مكتباتهم بسبب السفر أو ضيق المكان، ليذهب ويجمعها. وبعد الزواج، اضطر إلى نقل أرشيفه إلى مستودع صغير، ما دفعه إلى قصّ المقالات المهمّة للحفاظ على ما يستطيع.
بين مقتنيات السطري مجلات المختار منذ أربعينيات القرن الماضي، والاثنين الأردنية منذ 1963، إضافة إلى صحف أردنية وفلسطينية قديمة، مثل الجهاد والدفاع وفلسطين والمحرّر. ويحتفظ أيضاً بمجلّات متخصصة أصدرتها الجامعات والنقابات منذ السبعينيات، وبكتبٍ مدرسية قديمة جداً. ومن مقتنياته النادرة مجلة أصدرها طلاب الصف الثاني الإعدادي في مدرسة رغدان الثانوية في عمّان عام 1957، وكان رئيس تحريرها إحسان رمزي الذي أصبح لاحقاً مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون.
يضحك السطري وهو يروي كيف يعثر أحياناً على إعلان زفاف صديق قديم في صحيفة قديمة، فيتصل به ويرسل إليه الخبر من "دون الصورة"، خشية أن يكون قد انفصل بعد عقود. كما أنه يفاجئ كتّاباً أردنيين وعرباً يعيشون في الخارج بإرسال مواد قديمة كتبوها قبل عقود، فيستعيدون معها جزءاً من ذاكرتهم.
وصف الصحافي محمد سويدان السطري بأنه "حارس الذاكرة الصحافية"، وقال: "زوّدني بمواد صحافية نسيت أنني نشرتها. هذا الأرشيف لا تملكه حتى بعض الصحف الكبرى، ويجب أن يُحفظ لأنه جزء من تاريخ الصحافة الأردنية". واعتبره الصحافي الرياضي عوني فريج "حافظ الذاكرة"، قائلاً: "أتحفنا بمواد نادرة نشرت قبل أكثر من 30 عاماً. ما يحويه من كنوز وذكريات عمل ضخم وذو قيمة عالية، ومن الضروري أن تتبنّاه وزارة الاتصال (الإعلام) أو نقابة الصحافيين ليكون مرجعاً للأجيال القادمة".
رغم الصعوبات وضيق المكان، يواصل إبراهيم السطري شغفه النبيل، محافظاً على إرثٍ يضيء ماضي المهنة ويعيد للصحافيين ذكرياتهم. وبينما يرى كثيرون أن الصحافة الورقية تلفظ أنفاسها الأخيرة، يبقى السطري شاهداً على زمنٍ كانت فيه الكلمة المكتوبة ذات معنى وتأثير، وحارساً لأرشيف الصحافة الأردنية القديمة.