أوليفر ستون: السينمائي في إثر الضوء

أوليفر ستون: السينمائي في إثر الضوء

27 أكتوبر 2020
لم يكن ستون قادراً على إخراج أفلامه من دون صراعات (Getty)
+ الخط -

بحلول عامه الرابع والسبعين، أصدر المخرج الأميركي الشهير أوليفر ستون سيرته الذاتية مؤخراً تحت عنوان "مطاردة الضوء" Chasing the Light، مقدماً من خلالها رحلته مع عالم السينما، كما لخصها عنوان السيرة الفرعي: "كيف خضت طريقي إلى هوليوود، بدءاً من الستينيات وحتى فيلم Platoon".

حين كان طالباً لم يكمل بعد عامه العشرين، كتب أوليفر ستون روايته الأولى، كما يفعل المئات من المراهقين وهم يتعرفون على ذواتهم في عالم كبير ومتسع، بل امتلك الشجاعة الكافية ليرسل المخطوط إلى عدد من الناشرين فرفضوه جميعاً بأدب. وهرباً من يأس الفشل في التجربة الأولى، قرر الفتى أن يترك دراسته في جامعة ييل الأميركية على الرغم من معارضة والده لقراره المتهور، وقرر أن ينضم إلى الجيش الأميركي، حدث هذا في إبريل 1967، وما أن تخطى ستون اختبارات الجيش الأميركي بنجاح، حتى جاء قرار بإرساله جندياً إلى فيتنام، والتي كان قد زارها وعاش بها عام 1965 مدرساً للغة الإنكليزية، وهناك قاتل أوليفر ستون لمدة خمسة عشر شهراً في حرب فوضوية شنيعة، تعلم منها ما لم يكن ليتعلمه أبداً في دراسته الجامعية.

يمكننا اعتبار هذه السيرة الذاتية ردة فعل متأخرة وجذرية لأوليفر ستون على رآه في حرب فيتنام الوحشية، ولتأكيد اتجاه الرفض الذي خاضه الرجل في ما بعد في عالم السينما من خلاله أفلامه الأهم، بدءاً من فيلمه الأول Platoon  عام 1986، وصولاً إلى أعماله الشهيرة WallStreet (1987)، وBorn on the 4th of July  (1989) وJFK (1991)، وهو ما يصيغه ستون في مقدمته للسيرة قائلاً إن اختياره للجيش: "كان الخطوة المنطقية الوحيدة بعد تبخر حلمي في عالم الكتابة، وبعد تركي الدراسة الجامعية ضد رغبة والدي"، ويضيف: "شعرت بالفشل التام، وبدت فيتنام مكاناً جذاباً للاختفاء، وكان على القدر أن يقرر ما إذا كنت سأخرج من هذه الحرب حياً أم ميتاً".

سينما ودراما
التحديثات الحية

فيتنام الوحشية
تظهر السيرة، التي خرجت في 352 صفحة، أن ستون رجل ذو حزن عميق وأحلام نبيلة، لكنه صعب المراس، 
حتى لقبه الإعلام الأميركي في لحظة ما بـ"المحرّض"، و"صاحب نظرية المؤامرة"، و"أخطر رجل في أميركا" كما وصفته صحيفة لوس أنجلس تايمز ذات يوم، وهو ما ظهر بصور عدة في أعماله السينمائية الأهم، ومن بينها: The Doors  (1991) وNixon (1995) وWorld Trade Centre (2006)، نستطيع القول إن أوليفر ستون قرر أن يكون مؤرخاً للتاريخ الأميركي الحديث في أعماله السينمائية.

وعلى الرغم من محاولته رواية مشواره السينمائي بدون رتوش أو تجميل كما يفعل البعض عادة، إلا أننا نجده يبالغ في الكثير من القصص التي يرويها في سيرته الذاتية، لكنه مع ذلك لا يبرر أخطاءه، محتمياً بصراحته المطلقة، والتي غالباً ما تتحول إلى تنمّر مباشر ضد بعض من عملوا معه من ممثلين ومخرجين.

تمثل هذه السيرة ردة فعل ستون على ما رآه في حرب فيتنام

كل من سيقرأ "مطاردة الضوء" سيدرك سر الكآبة التي اشتهر بها ستون، والتغير العميق الذي أصابه بعد مشاركته في حرب فيتنام الوحشية، وربما يدرك أيضاً السر الذي جعل جميع أفلامه التي قدمها فيما بعد مثيرة للجدل، كان أوليفر ستون أول مخرج أميركي يطرح نظرية مؤامرة متقنة حول اغتيال جون كينيدي في فيلمه JFK  (1991)، وهو ما أكدته تسريبات إدوارد سنودن لاحقاً، كما رصد مشاركته في حرب فيتنام في فيلمه الأول Platoon، وانتقد تمجيد العنف في المجتمع الأميركي في فيلمه Natural Born Killers (1994)، وسلط الضوء على ثقافة الاستيلاء في القطاع المالي مع Wall Street بجزأيه الأول (1987) والثانيWall Street: Money Never Sleeps  (2010).


قذارة السبعينيات
لم يكن ستون قادراً على إخراج أفلامه من دون صراعات أو مشاكل وخلافات وصلت أحياناً إلى التهديد بالقتل. في سن الثلاثين كان لا يزال يعمل سائق تاكسي بدوام جزئي، وهو العمل الذي جعله يكتشف روعة "قذارة السبعينيات في مدينة نيويورك" على حد تعبيره، على الرغم من فوزه بجائزة الأوسكار بعد بضع سنوات عن سيناريو فيلمه Midnight Express من إخراج آلان باركر عام 1978، وكان عليه أن ينتظر عشر سنوات أخرى قبل أن يحصل على التقدير الذي يستحقه كمخرج، لأن أفلامه الأولى: Seizure (1974) و The Hand (1981) لم تصنع له أي حضور في هوليوود، وكذلك فيلمه الثالث Salvador (1986).

يستفيض ستون طويلاً في توضيح بداياته باعتبارها الفترة الأصعب في مشواره السينمائي، ويذكر أن طلاب السينما طالما سألوه عن كيفية بداية مشواره مع السينما، طامحين منه إلى التعرف على الدروس التي يمكن أن يتعلموها منه، وهو ما يقدمه ستون في هذه السيرة بأكثر من معنى، بدءاً من معاركه الضارية في مواقع التصوير، وصولاً إلى التهديدات بالقتل من أحد العاملين معه في أحد الأفلام، وإدمانه على المخدرات والحكم عليه بالسجن في سان دييغو لحيازته الماريجوانا، وانتهاءً بطريقته الخاصة والمليئة بالمخاطرات لأجل تخفيض التكاليف، حتى بعد نجاح فيلم Scarface للمخرج الأميركي بريان دي بالما عام 1983، والذي كتب له ستون السيناريو، ظل من الصعب عليه تحقيق أفلامه التي يحلم بها، ونجده يتألم وهو يكتب عن التعليقات السلبية التي تلقاها من زملائه في هوليوود بعد أفلامه الأولى، حتى أننا نشعر أن طموحه غير المحدود ورغبته في الحصول على اعتراف الآخرين كانا أكبر عوامل نجاحه لاحقاً، ويبدو أن انفصال والديه وهو في الخامسة عشرة من عمره ألقى بظلاله الكئيبة عليه منذ شبابه الأول.

سينما ودراما
التحديثات الحية

أكاذيب أميركية
أدى انهيار الأسرة في وقت مبكر بالنسبة لمراهق ضعيف، إلى وضع حجر الأساس في شخصية ستون المتمردة، فنجده يقول في سيرته إن والديه لم يكن لهما أن يتزوجا أبداً، ويضيف: "الأطفال مثلي يولدون من كذبة، فنتعلم ألا نثق بأي شيء أو بأي شخص"! هنا نلمح غضبه من النفاق والدروس الزائفة لوالديه اللذين أرادا إقناعه بأنه لا مناص من الكذب، ثم جاءت تجربته القاسية في حرب فيتنام، حيث رأى ولمس بشكل مباشر أكاذيب الحكومة الأميركية بشأن الخسائر في صفوف المدنيين وجرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الأميركي ضد ملايين من العزل.

من هنا بدأ هوس أوليفر ستون بكشف الحقائق. لذلك لا يتردد في سيرته أيضاً في مهاجمة بعض الممثلين المعروفين الذين عملوا معه، فيقول مثلاً إن الممثل جيمس وودز أساء التصرف أثناء تصوير فيلم Salvador  (1986) في المكسيك لدرجة أن السلطات هددت بطرده من البلاد، وأن آل باتشينو خدعه عندما دخل ستون في صراع لا نهاية له مع المخرج بريان دي بالما الذي وصفه بأنه "بارد كالثلج"، حين عمل معهما ككاتب سيناريو في فيلم Scarface عام 1983، ورغم هذا لا يلقي ستون اللوم على كلا الممثلين، لأن "هوليوود عالم صعب" كما يقول.

في أحد الحوارات التي أجريت معه عقب صدور سيرته الذاتية مؤخراً، يبرر ستون كتابته هذه السيرة قائلاً: "كتبت رواية اعتراف ذاتي عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري، والتي نُشرت لاحقاً عام 1997 تحت عنوان A Child's Night Dream، كان لدي دائماً خطأ الكتابة بداخلي، بل أعتبر نفسي كاتباً ومخرجاً، في بعض الأحيان أشارك في الكتابة، وأحياناً أخرى أخرج أشياء لم أكتبها، ولكنني مكون من جزأين أساسيين، الأول هو ما أخذته عن أبي وهذا هو الخاص بالكتابة، والثاني تعلمته من أمي وهو جزئية المخرج بداخلي، هناك رغبة دائمة لدي في الكتابة، وآمل ألا يكون هذا كتابي الأخير، لكن هذه هي محاولتي الحقيقية الأولى في الأدب الصريح منذ ذلك الكتاب الذي كتبته وأنا في التاسعة عشرة من عمري".

المساهمون