Skip to main content
أوشي: هل عليّ أن أغادر باريس؟
عمر بقبوق
نجحت أوشي في ألبومها باستثمار لغتها العاطفية الخاصة (Getty)

نهاية الشهر الماضي، أصدرت المغنية الفرنسية ماتيلدا غيرنر، المعروفة باسم Hoshi (التي تعني النجمة باللغة اليابانية)، ألبوماً جديداً يحمل عنوان Étoile flippante (نجم زاحف)؛ وهو الإصدار الثالث في مسيرة النجمة الشابة، التي تعتبر واحدة من أكثر الشخصيات جدلية في عالم الموسيقى الفرنسية في الوقت الراهن.

لعلّ حكاية أوشي، التي يمكن تلخيصها في كونها مراهقة تركت المدرسة الثانوية، وتمردت على المجتمع لتتبع شغفها وتغني في شوارع باريس الأعمال التي تكتبها وتعزفها على الغيتار منفردة، هي حكاية يرى البعض أنّها لا تستحق التكريس والسرد، كما أنّ قصص الفشل التي عاشتها في البدايات، والتي بلغت ذروتها في فشلها في المنافسة بالبرامج التلفزيونية المتخصصة في مواهب الغناء، زادت الأمور تعقيداً؛ لكنّ أوشي فرضت نفسها منذ أصدرت أغنيتها المنفردة الأولى عام 2017، Comment je vais faire؛ إذ نجحت في رسم ملامحها الخاصة في هذه الأغنية، التي حضرت فيها بملابس فضفاضة تعبّر عن علاقتها المرتبكة مع جسدها، وبمكياج يعطيها بعض الملامح اليابانية لتناسب هويتها الموسيقية الخاصة، التي كونتها من خلال المزج ما بين بعض العناصر في أغنية البوب الفرنسية، وأسلوب الروك الياباني.

الارتباك في العلاقة مع الجسد والذات، بدا واضحاً في الأغاني المصورة التي أصدرتها أوشي في ألبوميها السابقين؛ فكان حضورها في فيديوهاتها يقتصر على بعض اللقطات الهامشية المتشابهة، وهي ترتدي جاكيت فضفاضا وتعزف على الغيتار؛ لكنّ هذا الارتباك لم ينعكس في الألبومين السابقين على محتوى الأغاني بشكل كبير، كما هو الحال في الألبوم الجديد، الذي تبدو بعض أغانيه تمثل تصالحاً مع الذات بشكلٍ ما، وتنطوي على جانب أكثر صدقاً. علماً أن الثيمة العاطفية لا تزال مسيطرة على نتاج أوشي، وأن لغتها لم تتبدل كثيراً، وإنما وضعت في قوالب أكثر وضوحاً؛ فلا تزال أوشي تكثر من استخدام ذات الصياغة التي تعبر عن اهتزاز الثقة بالذات، فهي أكثر من يستخدم صيغة أفعال الشك الفرنسية (Subjonctif) بتركيبة أغانيها اللغوية، وترد في معظم أغانيها كلمات توكيدية على هذه الحالة، مثل: الضياع، عدم المعرفة، الخشية، الريبة، الاضطراب، عدم الثقة، وغيرها. لذلك، فإنّ ما يميز الألبوم الجديد أنّ أوشي نجحت فيه باستثمار لغتها العاطفية الخاصة لتضعها في سياق أفضل.

نلمس ذلك بشكل واضح في الأغنية التي تحمل اسم الألبوم Étoile Flippante، فهي تفتتحها بصورة شعرية كما هي العادة في أغاني أوشي: "من خلال النظر إلى الشمس، أريد أن أجعل الكلمات أكثر لمعاناً"، لتتبع هذه الصورة التي تصيغها أوشي عن أسلوبها في صناعة الأغنية بكلمات تعبر عن الاضطراب الذي عاشته وتعيشه خلال رحلتها، ليرد في الأغنية: "لقد ضللت الطريق إلى السماء. قولوا لي: كيف الحال في الأعلى؟ إنّني أصنع الزخرفة الخاصة بي عن طريق جلد الذات، فأبدأ برقص التانغو... أخشى الفراغ والمساحة، وفي بعض الأحيان أشعر بالخيبة من المستقبل".

اهتزاز الثقة ينعكس بشكل أوضح في أغنية Mieux Avant التي تبدو انعكاساً للعلاقة المضطربة التي تعيشها أوشي مع ذاتها ومحيطها: "هل يتوجب عليّ أن أغادر باريس وأتوجه إلى مكانٍ آخر؟ كيف وأنا لم أعد قادرة على النهوض من سريري! فاتني صوت القطار، لم أصل في الوقت المحدد، ولم أعد أسمع شيئا حتى الإشاعات عني، ولا أرى أيضاً. عيناي تحولت إلى مكبرات صوت... من أنا؟ ماتيلدا أم أوشي؟ بكليهما، أنا لست بمزاجٍ جيد. أنا أغرق بين الماضي والحاضر، ربما لم أُولد في الوقت المناسب".

هذا الاضطراب في العلاقة مع الذات والمحيط، يجعل الأغاني في الألبوم الجديد بالعموم مثيرة بشكل غريب، تبني علاقة صادقة مع الجمهور قليلاً ما نصادفها. ولكن ما يميز الألبوم الجديد وأغاني أوشي بالعموم أيضاً، أنها تحاول بشكل مستمر أن تكسر خط الحزن ببعض العبارات الطريفة والساخرة التي تضيفها على الأغاني، ربما تكون أجملها في الألبوم تلك التي ترد في أغنية Il Était Une Toi، التي يرد فيها: "الحياة في بعض الأحيان كلبة، تعضك وتقبلك".