استمع إلى الملخص
- تألقت ميزو-سوبرانو أنيتا راشفيليشفيلي في دور "كارمن"، مجسدةً التناقض بين الحب والتمرد، بينما قدم التينور إدواردو نيافي أداءً مؤثراً لدور دون خوسيه، معبراً عن مشاعر الحنان والإحباط.
- قاد المايسترو جيانلوكا مارسيانو الفرقة الموسيقية بتناغم مثالي، معززاً سحر الألحان الأصلية، بينما ساهمت شاشة عرض الترجمة في جذب الجمهور لعالم الأوبرا.
احتفى مهرجان البستان الدولي بالأوبرا الكلاسيكية من خلال أمسية استثنائية أحيت الذكرى 150 للعرض الأول لأوبرا "كارمن" إحدى روائع الموسيقى العالمية التي ألفها جورج بيزيه وعُرضت لأول مرة في 3 آذار/ مارس 1875. منذ ذلك الحين، فرضت "كارمن" نفسها على المشهد الأوبرالي العالمي، حتى إن المؤلف الروسي بيوتر تشايكوفسكي تنبأ بمستقبلها حين قال: "ستكون أشهر أوبرا على هذا الكوكب بأسره"، وهو ما أثبته الزمن بالفعل، لتظل إحدى أكثر الأعمال الأوبرالية أداءً وتقديراً في المسارح العالمية، حيث لا تزال عروضها تستقطب عشاق الموسيقى الكلاسيكية ومحبي الدراما الأوبرالية في مختلف أنحاء العالم.
في رحاب مهرجان البستان، تابعنا بشغف أوبرا جورج بيزيه بنسخة درامية " حميمية" للمخرج البريطاني الفرنسي، بيتر بروك، الذي أضاف على التحفة البيزيتية لمساته الخاصة، مستعيداً في العام 1981 عملاً بعنوان "في تراجيديا كارمن" أو "في مأساة كارمن".
تميزت الأمسية بأداء ميزوــ سوبرانو الجورجية أنيتا راشفيليشفيلي في دور "كارمن"، حيث أبهرت الحضور بصوتها العميق وإحساسها القوي، لتجسد شخصية المرأة الغجرية المتمردة التي تتأرجح بين العاطفة والحرية، راسمة بصوتها معالم التناقض في شخصية كارمن بين الحب والتمرد. لم يكن أداؤها مجرد غناء، بل تمازجت فيه حركات الجسد وتعابير الوجه مع الألحان، مما أضاف عمقاً درامياً ملحوظاً على أدائها. أما التينور المكسيكي إدواردو نيافي، فأدى دور دون خوسيه العاشق الحائر بين الحب واليأس، مقدماً أداءً درامياً مفعماً بالتناقضات العاطفية الحادة، خاصة في أغنيته الشهيرة "الزهرة التي رمتني بها"، حيث نجح في التعبير بصوته عن مشاعر الحنان والإحباط التي تملكت الشخصية، مما جعل الحضور يتفاعل بوضوح مع أدائه المؤثر، خاصة في لحظات تصاعد التوتر الدرامي في المشهد الأخير.
واكتمل المشهد الأوبرالي بحضور السوبرانو الإسبانية ماريا زاباتا في دور ميكايلا، التي حاولت استعادة حب دون خوسيه بصوت حمل الكثير من الشجن والرقة، مع تجسيد مؤثر لمشاعر امرأة عاشقة لم تتخلَّ عن أملها، مما أضفى لمسة إنسانية واضحة على المشهد. فيما قدم الباريتون الإسباني غابرييل ألونسو دور إسكاميلو، مصارع الثيران الذي ينافس خوسيه على حب كارمن، بأداء قوي يليق بشخصية متعجرفة ومغرية في آنٍ معاً، حيث برع في إظهار الثقة بالنفس والاستعراض الصوتي اللافت، خاصة في مقاطع الغناء التي استعرضت قوته الصوتية وإحساسه المسرحي العالي.
قاد الفرقة الموسيقية المايسترو جيانلوكا مارسيانو، المدير الفني للمهرجان، حيث نجح في خلق تناغم مثالي بين العازفين اللبنانيين والأجانب، ليحملوا الجمهور في رحلة موسيقية آسرة، تجلت فيها دقة الأداء والانصهار التام بين الغناء والموسيقى. عززت التوزيعات الموسيقية المتقنة سحر الألحان الأصلية، بينما أضفى العازفون لمساتهم الخاصة التي جعلت العمل أكثر تأثيراً وحيوية. أضفى العرض بُعداً تفاعلياً من خلال شاشة عرضت ترجمات للأوبرا بالفرنسية والإنكليزية، مما سهل فهم تفاصيل العمل وساهم في جذب الجمهور بشكل أكبر إلى عالم الأوبرا الساحر، خاصة لأولئك الذين لم يعتادوا متابعة العروض الأوبرالية.