أهناك سينما عربية جديدة؟

12 فبراير 2025
إيليا سليمان: سينمائيّ فلسطيني تجديديّ ذو حضور دولي (إيان غافن/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت السينما العربية في القرن الـ21 تطورًا ملحوظًا، حيث توسعت لتشمل دولًا مثل تونس والمغرب وفلسطين، وظهرت في مهرجانات عالمية مثل "كانّ" و"فينيسيا".
- تميزت بتنوع مواضيعها الاجتماعية والسياسية، مثل وضع المرأة والحروب، مما ساهم في انتشارها عالميًا، مع تطور في تقنيات السرد والأداء.
- رغم الحضور المتزايد، تحتاج السينما العربية لمزيد من الوقت لتأكيد ثباتها، مع تركيزها على القضايا الاجتماعية والسياسية وندرة في الأفلام الجمالية.

 

ربما يُشكّل وجود السينما العربية، المتزايد في الربع الأول من القرن الـ21، في مهرجانات غربية، وأحياناً على شاشات صالات عرض أوروبية، دليلاً على تغيّرها وتطوّرها. بل يُمكن رؤية ملامح سينما جديدة في بعض أفلامها، مُغايرة في اهتماماتها ومضامينها وبحثها الجليّ عن ابتكار شكلي.

إنما، في البدء، لا بُدّ من القول إنّ تعبير "السينما العربية"، منذ أكثر من عقدين، لم يعد محصوراً بسينما واحدة وشبه وحيدة، أي السينما المصرية. هذا بدأ سنوات قبل انتهاء القرن الماضي، مع محاولات فردية محدودة هنا وهناك، لم تُشكّل تياراً أو استمرارية في بلدها، أو في مهرجانات وسينمات العالم. تُستثنى السينما التونسية بعض الشيء. لكنْ، عامة، تمثيل السينما العربية في المهرجانات الغربية كان مرتبطاً بالسينما المصرية.

تبدّل الحال اليوم في أكثر من مستوى. فالسينما العربية لم تعدْ مصرية فقط في تلك المهرجانات وفي عروضٍ تجارية في بلدٍ كفرنسا، يُمكن وصفه بأنّه رائد في مجال التعريف بسينمات العالم، غير الأوروبية والأميركية، وبات حضورها مألوفاً، ويشتمل بلداناً عربية أخرى. من دون أنْ يعني هذا ثباتاً واستقراراً في الحضور. أي أنّ السينما الآتية من مختلف البلدان العربية لم تُجارِ بعد في حضورها سينمات أخرى، ولو لفترات محدودة ومحدّدة، كالسينما الإيرانية، التي شكّلت في العشرية الأولى من هذا القرن ركناً أساسياً في برمجة المهرجانات ودور العرض الغربية؛ أو كسينما أميركا اللاتينية أواخر القرن الماضي.

لكنْ، لهذا الحضور السينمائي العربي في الخارج دلالاته. فالمهرجانات الدولية، الكبرى منها خاصة، تريد أفلاماً مشغولة بحسّ فنيّ عالٍ، وتعكس قضايا مجتمعاتها بنحوٍ مُبتكر وخلّاق، ولعلّها وجدت اليوم في السينما العربية تغيّراً نوعياً يُبرّر وجودها في برامجها. يُمكن أخذ مهرجان "كانّ" كمثلٍ، فحين يُصنّف ضيوفٌ أحياناً في فئة "مُكرّسون" أو "مخلصون"، أي هؤلاء الذين يضمنون تقريباً حضورهم بمجرّد إعلانهم عن انتهاء فيلم لهم، كالفرنسيين فرنسوا أوزون وآرنو ديبليشان، أو الأميركيين وودي آلن سابقاً وكوانتين تارانتينو حالياً، أو البريطاني كِنْ لوتش، واليابانيين نعومي كوّاس وهيروكادو كوريدا، والإيرانيين أصغر فرهادي وجعفر بناهي ومحمد رسول أف، وسابقاً عباس كيارستمي، وغيرهم، يُطرح سؤالٌ إنْ كان هناك مخرجون عرب يُمكن إدراجهم في الفئة نفسها.

منذ بداية القرن الحالي، يُلاحَظ تزايد تدريجي لهؤلاء في مختلف أقسام مهرجان "كانّ"، وهم بمعظمهم جدد، كالفلسطيني إيليا سليمان بثلاث مشاركات له فيه: "يدّ إلهية" (2002) و"الزمن الباقي" (2009)، و"إن شئت كما في السماء" (2019)؛ والمغربي نبيل عيوش مع "يا خيل الله" (2012) و"ماتش لاف" (2015) و"عَلّي صوتك"(2021)، ومؤخّراً التونسية كوثر بن هنية، بدءاً من "شلاط تونس" (2014)، ثم "على كفّ عفريت" (2017) و"بنات ألفة" (2023). مشاركات هؤلاء لا تقتصر على "كانّ"، فـ"الرجل الذي باع ظهره" لبن هنيّة معروضٌ أولاً في "مهرجان فينيسيا" عام 2021. كما يلفت حضور مخرجات ومخرجين من بلدان كانت غائبة كلّياً عربياً ودولياً، كالسعودية والسودان والأردن، أو أخرى باتت أكثر حضوراً، وتُقدّم أسماء شابّة غير مُكرّسة: أسماء المُدير من المغرب، ولطفي عاشور من تونس، وإيلي داغر من لبنان، ومها حاج واسكندر قبطي من فلسطين، وعمر الزهيري وأيتن أمين وندى رياض وأيمن الأمير وغيرهم من مصر. أفلام هؤلاء تُعرض في مهرجانات كبرى، وأيضاً في دور عرض أوروبية.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

بعض هذه الأفلام ـ الذي يُمثّل سينمات عربية بمصادرها كافة، والمعروض في الغرب، كفرنسا تحديداً (أحياناً، يكفي توزيع أفلام فيها لتعرضها بلدان أوربية أخرى) ـ يندرج إنتاجه في ثلاث فئات: إنتاج عربي، إنتاج مشترك مع الغرب (هنا أيضاً فرنسا أكثر من غيرها)، وثالثة ينتجها فرنسيون من أصول عربية (عبد اللطيف كشيش ورشيد بو شارب وغيرهما، ولتلك مجال آخر). تُلاحَظ تغييرات عدّة في هذه السينما، ولا ريب أنّ الإنتاج المشترك مع الغرب، والمشاركة في المهرجانات، ساهما في هذا، كما في تطوّر الحكاية وأسلوب القصّ ونوعيته والتقنيات المستخدمة.

تبدّلت القصص وتنوّعت، وغدت أكثر التصاقاً بالواقع، ومُلائمةً لتطوّر المجتمع وتحوّلاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ظهرت أفلام عن بؤس عالم عربي ("كفر ناحوم" للبنانية ندين لبكي، 2018)، وتحوّلاته وحروبه ("ماء الفضة" للسوريين أسامة محمد ووئام سيماف بدرخان، 2014)، وعن تخلّف النظرة إلى المرأة فيه، وهذا الأخير موضوع يتكرّر حتى في أفلامٍ مقبلة من بلدان عربية "جديدة" في ظهورها العالمي، كالسعودية (فيلمان عن وضع المرأة: "وجدة" لهيفاء المنصور عام 2012، و"نورة" لتوفيق الزايدي عام 2023)، والسودان (من أصل أربعة أفلام، تحضر المرأة في اثنين منها: "وداعاً جوليا" لمحمد كردفاني عام 2023، و"أوفسايد الخرطوم" لمروى زين عام 2019)، الأردن ("إن شاء الله ولد" لأمجد الرشيد عام 2023)، ومصر ("رفعت عيني للسماء" لندى رياض وأيمن الأمير عام 2024).

تلقى الأفلام التي تتناول وضع المرأة في العالم العربي انتشاراً أكبر لدى المتلقّي الغربي، وبعضها درسٌ أخلاقيّ مُتنكّر في حكاية، بمعنى تقصّد التركيز على وضع معيّن للمرأة العربية (نظرة دونية، إرث، منع وتحريم، إلخ)، واضح من البداية، ولا يأتي في السياق، كما في "ينعاد عليكم" (2024) لاسكندر قبطي: عبر قصة عامة غنيّة ومتنوّعة وعميقة، تروي تعقيدات الواقع، تتجلّى صعوبة وضع المرأة من دون خطابية وإلحاح.

أكانت المواضيع الجديدة، التي تهمّ السينما العربية الجديدة، مُرتبطة بواقع عربي مُتغيّر كحال المرأة (الأقدم والأكثر تكراراً من غيره)، أو الراهن السياسي من ثورات الربيع العربي مثلاً (خاصة في أفلامٍ وثائقية)، والإرهاب والتطرّف (السينما التونسية تحديداً)، لعبت هذه المواضيع في العقدين الأخيرين دوراً في انتشار السينما عالمياً. لكنْ، ليس هذا وحيداً لحسن الحظ، فهذه السينما باتت تتحلّى بسماتٍ تجعلها مقبولة غربياً، حكايةً وتطوّر تقنيات، خاصة الصورة المهتمّة بالتأطير والإضاءة والألوان. كما تطوّر الأداء، الذي بات أكثر تلقائية وبُعداً عن التشنّج والمبالغة، وأكثر استعانة بغير المحترفين. يتجسّد هذا في "ريش" (2021) للمصري عمر الزهيري، مع أداء دميانة نصار الدور الأول، من دون أنْ تصرخ وتُكشّر، كحال ممثلات يؤدّين أدواراً شعبية في السينما المصرية. في سياق "ريش" وأسلوبه المبتكر، أجادت نصار تماماً، عبر الصمت والإيحاء، التعبير، ما شكّل تغييراً جوهرياً في الأداء.

اليوم، هناك حضور سينمائي عربي متزايد. لكنْ، يجب الانتظار سنوات أخرى لتأكيد ثباته عالمياً. تنجح السينمات العربية في التعبير عن حال مُظلم وشعوب مقهورة. فالسينما فنّ لتناول واقع، والقول إنّ كلّ شيءٍ ليس على ما يرام، والمخرج الجيّد هو من ينشغل بأحوال بلده، ويرغب في الحديث عنها بأسلوبه الخاص ورؤيته الشخصية.

لكنْ، هل هناك أفلام عربية تخرج عن هذه المواضيع، كأفلام إيرانية وصينية لا علاقة لها بمواضيع راهنة، بل تنشد الإنسان في محيطه، وتُعنى بجماليات المشهد وتأمّل الطبيعة؟ أفلام مشابهة لمنجزات الإيراني عباس كيارستمي، والصيني جيا تشانغ كي، والتركي نوري بيلجي جيلان؟

هذا يبدو نادراً اليوم.

المساهمون