أندريه كونشالوفسكي: إمّا أنا أو أليكسي نافالني

أندريه كونشالوفسكي: إمّا أنا أو أليكسي نافالني

16 ابريل 2021
الجائزة ستبقى في انتظار المخرج في حال قرر استلامها (Getty)
+ الخط -

بعد جدل متواصل منذ نحو شهرين، حصل فيلم "الرفاق الأعزاء!"، للمخرج أندريه كونشالوفسكي، على جائزة أفضل فيلم ضمن جوائز مسابقة "الفيل الأبيض" للنقاد والصحافيين السينمائيين. ورغم اعتراضات اتحاد السينمائيين الروس، حاز فيلم "قصر بوتين"، من إعداد فريق "صندوق محاربة الفساد"، بقيادة السياسي المعتقل أليكسي نافالني، على جائزة "حدث العام".

وفي حفل نُظم لهذه الغاية، وجمع بين الحضور الشخصي والافتراضي، مساء السبت الماضي، قدّم الرئيس السابق لنقابة نقاد السينما وخبراء السينما فيكتور ماتيزين، والممثلة يانا ترويانوفا، جائزة "حدث العام" لمديرة التحرير في "صندوق مكافحة الفساد" ألكسندرا دوبروفسكايا، نيابة عن المعارض الذي يقضي فترة عقوبة في السجن، منذ نهاية فبراير/ شباط الماضي. وفي محاولة للتخفيف من الانتقادات بتسييس الجائزة، أعلن مجلس الخبراء في المسابقة أن الجائزة مُنحت عن سلسلة "الأفلام الاستقصائية"، ومن ضمنها فيلم "قصر بوتين".

لكن ماتيزين أعرب عن أمله، أثناء مراسم تسليم الجائزة، في أن تكون المرة الأخيرة التي يقدم الجائزة لشخص موجود في السجن بسبب "تهمة ملفقة سابقاً"، وشدد على أن نافالني "معتقل سياسي".

في فبراير/ شباط الماضي، بدأ الجدل حول المسابقة التي تنظم سنوياً منذ عام 1998، بعد إعلان قائمة الترشيحات القصيرة للأفلام التي يختارها النقاد والصحافيون السينمائيون للفوز بإحدى عشرة جائزة مختلفة. وما أن كشف موقع "سوبيسيدنيك" عن إدراج فيلم "قصر بوتين" لنيل إحدى جوائز "الفيل الأبيض"، حتى دبت الخلافات بين مجلس خبراء الجائزة ونقابة خبراء ونقاد السينما من جهة، واتحاد المصورين السينمائيين في روسيا الذي شدد على ضرورة "استبعاد النقاد غير الأعضاء في الاتحاد من مجلس الخبراء". وانتقد رئيس الاتحاد، المخرج الشهير نيكيتا ميخالكوف، المعروف بدعم الرئيس فلاديمير بوتين، مجلس الخبراء لفكرة منح الجائزة للمعارض الأشرس للكرملين، وطلب من شقيقه، المخرج أندريه كونشالوفسكي، سحب فيلمه "الرفاق الأعزاء!" من الترشيح. وقرّر ميخالكوف، لاحقاً، سحب اتحاد السينمائيين من لجنة مؤسسي الجائزة لـ"تجنب النقاشات غير المثمرة".

وفي تصريحات لموقع "سوبيسيدنيك"، شدد ميخالكوف على أن مهمة نقاد السينما هي تقييم الأفلام، ونافالني "لا علاقة له بالسينما". وأضاف: "أشعر بالحرج إلى حد ما من أن أعتبر نفسي مخرجاً إذا كان نافالني مخرجاً... إذا كنتم تقدمون الجائزة بسبب السياسة، حسناً، يا أعزائي، قولوا هذا. وأما حينما تريدون منح برنامج نافالني جائزة كعمل سينمائي، فأنتم لستم نقاداً سينمائيين، عليكم اللعنة". ورد المخرج ورئيس مهرجان "أرتدوكفيست" السينمائي الوثائقي، فيتالي مانسكي، بالتأكيد على أن "قصر بوتين" هو فيلم، وكذلك فيلم "تشايكا" الذي يتناول عائلة المدعي العام السابق يوري تشيكا، وفاز بالفعل في مسابقة "أرتدوكفيست".

من جانبه، قال عضو مجلس خبراء مسابقة "الفيل الأبيض"، الناقد السينمائي أنتون دولين، إن تحقيقات نافالني يمكن اعتبارها فيلماً، مشيراً إلى أنه "إذا كان المشهد المعروض على الشاشة يحتوي على حبكة، ومؤلف، وموضوع، وتشويق، وبطل للرواية وخصم، فهذا من دون شك فيلم". وخلص إلى أنه "إذا كان يشاهده البلد بأسره والعالم بأسره، فإن الفيلم ليس باهتاً".

عرض فيلم "قصر بوتين" للمرة الأولى في 19 يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، بعد يومين من اعتقال نافالني إثر عودته من ألمانيا التي قضى فيها فترة علاج ونقاهة بعد حادثة تسمم اتهم الكرملين بتدبيرها. وكشف الفيلم الذي حظي حتى الآن بنحو 115 مليون مشاهدة عن امتلاك بوتين قصراً ضخماً على شواطئ البحر الأسود، جنوبي روسيا، تبلغ مساحته 17700 متر مربع، شيد وسط كروم ومرافق إضافية على أرض تصل مساحتها إلى 70 هكتاراً، بكلفة تتجاوز 100 مليار روبل.

وحسب التقرير، فإن القصر يعَد أكبر رشوة في تاريخ روسيا قدمها رجال أعمال مقربون من بوتين لرئيسهم، لكن بوتين نفى ملكيته أو ملكية أي من أفراد عائلته للقصر.  وبعدها أعلن الملياردير أركادي روتنبرغ، رجل الأعمال وأحد أقرب أصدقاء بوتين، أنه صاحب القصر الذي شيده ليكون فندقاً فخماً للأثرياء.

ورغم طلبه سحب فيلمه من الترشيح، حاز فيلم "الرفاق الأعزاء!"، للمخرج أندريه كونشالوفسكي، على الجائزة الأساسية، وهي "فيلم العام". ومع تأكيد مجلس خبراء الجائزة على تفهمهم واحترامهم لطلب المخرج، أشار مقدمو الحفل إلى أن قواعد الجائزة لا تتضمن انسحاب المرشحين لأنهم لم يتقدموا أصلاً بطلب المشاركة، وأن الاختيار هو للنقاد والصحافيين.

وقال رئيس مجلس خبراء جائزة الفيلم فيكتور ماتيزين إنه لن يسحب "الرفاق الأعزاء!" من المنافسة، لأن قواعد الجائزة لا تنص على مثل هذا الخيار، مشيراً إلى وجود حوادث مشابهة في الماضي لم تتسبب في تغيير اللوائح والقوانين الناظمة للمسابقة. وأكد الناقد السينمائي أنه فوجئ بقرار كونشالوفسكي سحب الفيلم قبل ثلاثة أيام من حفل توزيع الجوائز، وأوضح أنه حاول إقناعه بالتراجع عن هذا القرار. وبحسب ماتيزين، فإن قرار تقديم الجائزة لنافالني ليس سياسياً، وأكد أن الجائزة ستبقى في انتظار المخرج في حال قرر استلامها، معرباً عن أمله في أن يغير موقفه. 

أثار فيلم "الرفاق الأعزاء!" ضجة كبيرة في روسيا نظراً إلى إشارة كثير من النقاد إلى أن الفيلم يحتوي على إسقاطات تاريخية للمزاج الاحتجاجي الذي تشهده روسيا. تدور أحداث "الرفاق الأعزاء" في نوفوتشركاسك، جنوب غربي روسيا، التي شهدت يومي 1 و2 يونيو/ حزيران عام 1962 أحداثاً مأساوية ظلت سرّاً من أسرار الدولة حتى نهاية ثمانينيات القرن الماضي.

شهدت المدينة الصغيرة إضرابات عمالية واسعة احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنحو 30 في المائة، مع خفض الأجور وزيادة ضغط العمل ضمن ظروف قاسية، ما تسبب في تنظيم عمال مصنع القطارات إضراباً وتظاهرات أخذت في التصاعد بعد اكتسابها تأييد سكان المدينة. وقامت السلطة السوفييتية بقمعها بقوة، لأنها رأت في ذلك نقطة انطلاق لثورة ضد النظام الاشتراكي، ما تسبب في سقوط 26 قتيلاً و87 جريحاً، إضافة إلى الحكم بحبس أكثر من مائة محتج لمدة عشر سنوات.

سينما ودراما
التحديثات الحية

ورأى كثير من النقاد أن الفيلم يفضح الأساليب السوفييتية في التعامل مع التظاهرات، ويكشف عن تناقضات تلك الفترة، والصراع الداخلي في عقل المواطن السوفييتي بين الواقع الذي تسعى "البروباغندا" السوفييتية إلى تثبيته، والواقع المختلف على الأرض، وصولاً إلى قتل وقمع المحتجين المطالبين بحياة كريمة.

لكن كونشالوفسكي رفض اعتبار فيلمه مناهضاً للحكم السوفييتي أو أنه موجه سياسياً، وقال في تصريحات نقلتها "نوفوستي"، بداية إبريل/ نيسان الحالي: "بالطبع أدركت أنه سينظر إلى الفيلم في روسيا على أنه استفزاز، ولكنه ليس فيلماً سياسياً". ووصف كونشالوفسكي، نهاية فبراير/ شباط، الرئيس بوتين بأنه "ليبرالي مطلق"، ليقترب بمواقفه من شقيقه الأصغر المخرج نيكيتا ميخالكوف، المعروف بدفاعه عن بوتين وعلاقاته القوية مع حكام الكرملين منذ الفترة الشيوعية حتى الآن. وبغض النظر عن النهج السياسي وتغير الأشخاص ظل ميخالكوف صديقاً للحكام.

المساهمون