استمع إلى الملخص
- يركز بوحافة على التعاون مع المخرج والمونتير وفهم السيناريو، ويعيش في أماكن الأحداث لفهم الأجواء، كما عمل مع فنانين عالميين مثل شيرين نشأت.
- يؤمن بوحافة بأهمية الثيمات الموسيقية الكلاسيكية ويدعمها بالتكنولوجيا الحديثة، ويقوم ببحث معمق لتقديم موسيقى تتناسب مع الحقبة الزمنية والشخصيات.
رغم صغر سنه، أمسى أمين بوحافة واحداً من أبرز مؤلفي الموسيقى التصويرية في العالم العربي. يأتي اسمه في مقدمة المؤلفين الموسيقيين للدراما المصرية، بـ46 عملاً. وإلى جانب أعماله في مصر وتونس، قدّم الموسيقي التونسي عدداً من المؤلّفات العالمية، فعمل مع المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو في فيلمه "تمبكتو"، لتفوز الموسيقى التصويرية للشريط السينمائي بجائزة سيزار الفرنسية. وعمل مع المخرجة الإيرانية الشهيرة، شيرين نشأت، في فيلمها "البحث عن أم كلثوم". وللتعرف أكثر إلى تجربة بوحافة، التقته "العربي الجديد" في هذه المقابلة.
كيف جاءت البداية؟
بدأت العزف على البيانو حين كان عمري ثلاث سنوات. التحقت بمعهد الموسيقى العربية في تونس في سن السادسة، وحصلت على شهادة المعهد بسن الثانية عشرة. واصلت بعدها دراسة الموسيقى، فتعلّمت البيانو، والتأليف الموسيقي، وعلم التوزيع الأوركسترالي، ليأتي دخولي إلى عالم الموسيقى من البابين: الموسيقى العربية في المعهد التونسي، والموسيقى الغربية بحكم دراستي بعد ذلك التي استكملتها بالكونسرفتوار في باريس.
ما العناصر التي تراعيها قبل البدء في أي عمل جديد؟
أولاً، المخرج؛ وإن كان الأمر لا يتعلق بكونه مبتدئاً أو صاحب تجارب مهمة، بل يرتبط بنظرته للموسيقى، ورؤيته لطريقة التعاون. ثانياً، المونتير لأن دوره مهم جداً بالنسبة لموسيقى العمل، ثم هناك العمل نفسه، الفكرة والسيناريو.
من بين الأعمال الناجحة التي قدمتها للدراما المصرية، هناك مسلسلات جرت أحداثها في الحارة الشعبية، مثل "حارة اليهود" و"باب الخلق" أو في الصعيد، مثل "جبل الحلال". كيف تغلبت على مسألة الطابع الخاص لكل منها؟
كان "باب الخلق"، مع الممثل محمود عبد العزيز، أول عمل لي في الدراما المصرية، كنت فخوراً ومتحمساً، وطلبت من الإنتاج أن يذهب بي إلى الحارة، فقد كان مهماً أن أعيش ولو لبضعة أيام هناك، حتى أتعرف إلى المكان والأجواء، وإلى الناس الذين يعيشون في باب الخلق، أتحدث إليهم وأتناول الطعام معهم. هذه المعايشة كانت مهمة جداً كي أقدم موسيقى تتناسب وطبيعة المكان.
هناك كثير من المحطات المهمة في مشوارك، من بينها "البحث عن أم كلثوم" مع المخرجة الإيرانية شيرين نشأت. ما الذي أفدته من العمل مع اسم متميز مثل هذا؟
شيرين نشأت هي من أبرز الفنانات البصريات في العالم، وقد عملت مع أسماء مهمة جداً في عالم الموسيقى، مثل فيليب غلاس، والياباني ريويتشي ساكاموتو، وغيرهما. لذلك، كانت المسؤولية كبيرة. وبالنسبة للعمل، فقد استغرق التحضير له فترة طويلة، درست خلالها جميع أعمال أم كلثوم تقريباً، كذلك المراحل التي مرت فيها، من أجل اختيار أعمالها في الفيلم. ومن أجمل الذكريات التي ما زالت حاضرة معي، تسجيل الأغاني في مصر، في استوديو مدينة الإنتاج الإعلامي، مع عدد من أهم العازفين، منهم شيخ محمد حسن وماجد سرور ومحمود سرور، إلى جانب صوت من أروع الأصوات في العالم العربي، وهي مروة ناجي. كان شرف لي العمل معهم، وكان تحدياً كبيراً أن أضع موسيقى تصويرية تتناسب وأغاني الست الرائعة.
ما تعليقك على الرأي القائل إنه في ظل سيادة التكنولوجيا، فإن المعرفة ببرامج الصوتيات، إلى جانب قدرة المؤلف الموسيقي على الوصول إلى الصوت المراد، أهم من صناعة ثيمات جذابة؟
أنا من المدرسة الكلاسيكية، مدرسة كتابة النوتة والثيمات، فالثيمة هي التي تبقى في ذاكرة الناس، كما أنها تصنع الذكريات. حين تستمع إلى موسيقى ما، ستستدعي على الفور الحقبة الزمنية التي ترتبط بها، أو تستحضر ذكرى معينة مررت بها. هذه الذكرى أرى أنها متعلقة بالثيمة؛ فإذا لم يكن في العمل الموسيقي ثيمة، فكأنك تحكي حكاية فارغة من أي معنى، لذلك الثيمة مهمة لدي. يأتي بعد ذلك الدراية بالتطبيقات التكنولوجية، فهي محطة مهمة لكتابة الموسيقية التصويرية اليوم، ولا بد أيضاً أن تتوافر للمؤلف معرفة واسعة بتاريخ السينما والتلفزيون، وبالصورة والمونتاج، وبصناعة السينما، وأن يكون لديه معرفة أيضاً بالكلاسيكيات السينمائية ومخرجيها ومدارسها المختلفة، هذه الأمور هي ما تميز المؤلف الموسيقي، وتسمح له بتقديم موسيقى تصويرية ناجحة وقادرة على البقاء.
فزت بجائزة سيزار الفرنسية المهمة عن موسيقى فيلم "تمبكتو". في رأيك، كم مقدار مساهمة العمل وطبيعته في جودة الموسيقى التصويرية؟ وما الذي تقدمه السينما إلى الأعمال الموسيقية؟
ملحن الموسيقى التصويرية هو جزء من عمل ضخم، يضم المخرج، وكاتب السيناريو، والممثلين، ومدير التصوير، والمونتاج، تأتي بعد ذلك الموسيقى التصويرية، فلا بد أن يتواضع الملحن أمام كل هذه العناصر، لأن لحنه يأتي لخدمتها، فالمنتج الذي يقدمه هؤلاء: ألوان الفيلم وإضاءته ورتمه وكادراته، هي التي تلهم المؤلف، وقد كنت محظوظاً بأن يكون "تمبكتو" من أوائل الأفلام التي قدمتها للسينما؛ لأنه منحني مساحة كبيرة للتعبير. كانت هناك مشاهد بالكامل بطلتها الموسيقى، من بينها مشهد لمباراة كرة القدم من دون كرة، ليعتمد بالكلية على الموسيقى التصويرية. هذه الأعمال بمثابة هدايا للمؤلف الموسيقي، والسينما وكذلك الدراما هي مساحة مهمة لإلهام الملحن، لكن عليه أن يعلم أن أعماله هي لخدمة العمل السينمائي أو التلفزيوني.
من أبرز الأعمال التي قدمتها أخيراً إلى الدراما المصرية، موسيقى مسلسل "الحشاشين"، التي استعملت في تلحين تترها "رباعيات الخيام". ما نوعية البحث التي تقوم بها لدى تقديم عمل كهذا؟
الوقت الذي تطلبه البحث من أجل هذا العمل كان أطول فعلياً من الوقت الذي استغرقته في كتابة الموسيقى. هذا يعود إلى كونها لعبت أدواراً عدة: دور تاريخي وآخر درامي وثالث نفسي؛ نظراً إلى شخصيات المسلسل المركبة، ولهذا اشتمل البحث على عدة مستويات: الآلات المستخدمة في هذا العصر وطريقة التلحين به، إلى جانب أن كل موقع له آلات وثيمة معينة، فقد كانت هناك آلات إيرانية ترتبط بالمكان الرئيسي للأحداث، وهناك الآلات التركية المتعلقة بالسلطان السلجوقي، والمصرية التي عرفتها القاهرة الفاطمية. وبالنسبة إلى التتر، فقد كنت من اقترحت على المخرج بيتر ميمي الرباعيات لعمر الخيام، ورأيت أنه من الضروري اختيار رباعيات معروفة لدى الجمهور حتى يستطيع التواصل بسرعة مع العمل. وجاءت فكرتي أن نقدم الرباعيات بخلاف عما لحنه واحد من أهم الملحنين في العالم العربي وربما العالم، وهو رياض السنباطي، فالرتم ثلاثي خلافاً لرباعيات السنباطي الذي كان رباعياً، والمقام نهاوند بما له من علاقة بالمدينة الفارسية وبتاريخ العمل، في حين لحن السنباطي عمله من الراست، والصوت كان رجالياً (وائل الفشني)، وهو واحد من أهم أصوات الإنشاد في العالم العربي. واخترنا طبقة عالية خلافاً للقرار الذي غنت منه أم كلثوم، إلى جانب أن التوزيع كان أوركسترالياً، وليس من خلال التخت الشرقي مثلما جاء في رباعيات السنباطي.