استمع إلى الملخص
- يُقام معرض "الوريثات: البورتريهات الأميركية لسارجنت" في لندن، حيث يُعرض 18 عملاً فنياً لجون سينغر سارجنت، مسلطاً الضوء على النساء الأميركيات كنساء واثقات وذوات حضور قوي.
- يهدف المعرض إلى تقديم قراءة جديدة لشخصيات "أميرات الدولار"، مبرزاً إنجازاتهن الاجتماعية والسياسية، ويعيد إحياء قصصهن من خلال أبحاث موسعة.
في نهاية القرن التاسع عشر، حين كانت الإمبراطوريات الأوروبية تتكئ على أمجادها، برزت ظاهرة اجتماعية لافتة جمعت بين المال الأميركي واللقب الأوروبي، بين الثراء السريع والمجد العتيق. إنها ظاهرة "أميرات الدولار"، وهن فتيات أميركيات من طبقات ثرية وجدن طريقهن إلى قصور النبلاء الأوروبيين من خلال الزواج، في تحالفات اجتماعية شكّلت ما يمكن اعتباره نوعاً من الدبلوماسية الشخصية: المال يشتري الألقاب، والألقاب تمنح الهيبة.
اليوم، وبعد مرور قرن على رحيل رسام البورتريهات الشهير جون سينغر سارجنت (1856–1925)، تعود هذه الشخصيات إلى دائرة الضوء من خلال معرض فني يُقام في قصر كينوود في لندن، تحت عنوان "الوريثات: البورتريهات الأميركية لسارجنت"، ويتواصل حتى الخامس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
كان سارجنت، المولود في فلورنسا لأبوين أميركيين، من أبرز رسامي البورتريه في العالم الغربي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد لمع نجمه في الأوساط الراقية في أوروبا وأميركا، وكان الخيار المفضل للنبلاء والنساء خصوصاً، ممن أردن تخليد صورتهن في أعمال فنية تمتاز بالفخامة والرقي وذكاء التعبير. لكن اللافت في أعماله أنه لم يكتفِ بتجميل وجوه الأرستقراطيات، بل التقط شيئاً من جوهرهن. وهذا ما يتجلّى في هذا المعرض الجديد الذي يحتفي بنساءٍ كنّ في نظر مجتمعاتهن أكثر من مجرد أميركيات ثريات تزوجن من أجل اللقب.
مصطلح "أميرات الدولار" نشأ في الصحافة الأوروبية والأميركية أواخر القرن التاسع عشر، ويُقصد به الشابات الأميركيات من أسر غنية نتيجة الثورة الصناعية والتوسع التجاري، اللواتي تزوجن من نبلاء أوروبيين كانوا يعانون من أزمات مالية رغم احتفاظهم بالألقاب والمكانة الاجتماعية.
كان الزواج في هذه الحالات تبادلاً صريحاً للمصالح: يحصل أهل العروس على رابطة أسرية مع طبقة أرستقراطية مرموقة، أما العريس ففي الغالب ينال موارد مالية تنقذ عائلته من الإفلاس.
يضم المعرض 18 عملاً فنياً، من بينها لوحات زيتية كاملة ورسومات فحم، لنساء أميركيات رسمهن سارجنت بين أوروبا وأميركا. من بين هذه الأعمال، لوحة مارغريت ديزي التي رسمها سارجنت عام 1898، قبل ست سنوات من زواجها من هنري هوارد. لم تكن ديزي مجرد زوجة جميلة وغنية، بل امرأة ذات حضور طاغٍ وثقة بالنفس، وهو ما يظهر بوضوح في اللوحة.
من بين الأعمال أيضاً: بورتريه إديث راسل التي أصبحت لاحقاً ليدي بلايفير، ولوحة ماري كراونينشيلد إنديكوت، المعروفة لاحقاً باسم السيدة جوزيف تشامبرلين. هذه اللوحات لم تُعرض معاً من قبل، وتُظهر الجانب المشرق والغامض لهؤلاء النساء، في وقتٍ كانت تُختزل فيه آراؤهن وتجاربهن في المال والزواج فقط.
تقول منسقة المعرض ويندي مونكهاوس إن كثيرات من هؤلاء السيدات أُهملن تاريخياً خلف سخرية لقب "أميرات الدولار"، وكان لا بد من تفكيك هذه الصورة النمطية. وتضيف أن المعرض يقدم قراءة جديدة لهذه الشخصيات، مركزاً على إنجازاتهن الاجتماعية وأدوارهن العائلية والسياسية، وليس فقط على الثروة أو الزواج الأرستقراطي.
الصور التي رسمها سارجنت لا تكتفي بتجميل الملامح، بل تكشف عن شخصيات واثقة، قادرة على التعامل مع الحشود، وواعية بمكانتها الاجتماعية. النساء في لوحات سارجنت لا يظهرن ككائنات خاضعة للزواج أو للمظهر، بل مشاركات في صنع حياتهن، حتى وإن تموضعن ضمن أطر اجتماعية صارمة.
ويشير بيان المعرض إلى أن هذه السيدات كنّ يعانين من نظرة مزدوجة؛ ففي أميركا، كان يُنظر إليهن باعتبارهن ثريات يفرّطن في أموالهن لصالح أرستقراطية أجنبية، وفي أوروبا، كنّ موضع تذمر لأنهن "يسحبن" الأزواج المحتملين من سيدات المجتمع الراقي.
وإلى جانب كونه احتفاءً بأعمال أحد أبرز فناني البورتريه في الفن الحديث، يُعد المعرض وثيقة اجتماعية تلقي الضوء على تقاطعات القوة بين المال والنسب، وبين النساء والمجتمع، وأيضاً بين القديم والجديد.
لا يُكتفى هنا بعرض الصور، بل تُروى أيضاً قصص النساء، من خلال أبحاث موسعة عن حياتهن وأزواجهن وأولادهن ومنازلهن، ما يعيد إليهن صوتاً لطالما غُيّب خلف عدسة المال أو شهرة الفنان.
معرض "الوريثات" لا يكتفي بتأريخ لحظات جمالية أو عرض فنون بصرية، بل يعيد رسم حدود الحكاية نفسها. حكاية نساء تحدّين الصور النمطية، وعشن عند تقاطع التحول العالمي بين قرنين. لقد كنّ "أميرات الدولار" في الصحف، لكن في عيون سارجنت، هن نساء سابقات عصرَهن.