استمع إلى الملخص
- نشأت في الريف الإيطالي وتأثرت بالطبيعة، مما انعكس في أعمالها التي تستكشف الهوية الإنسانية، وبدأت مسيرتها بفيلم "Heavenly Body" وتطورت لتشمل ثلاثية "Italianità" التي تستكشف الهوية الإيطالية.
- تعاونت مع الفنان الفرنسي JR في فيلم "Omelia contadina"، واستمر التعاون في "أمثولة كهف أفلاطون"، الذي عُرض في مهرجان البندقية السينمائي، ويقدم تفسيرًا سينمائيًا لقصة الكهف الأفلاطونية.
في عالم السينما، إذ تتداخل الصور مع الواقع والوهم، تبرز أليس روهرواشر (Alice Rohrwacher) مخرجة تحاكي عمق الفكر الفلسفي بحساسية فنيّة قلَّ نظيرها بين أبناء جيلها. فيلمها القصير الأخير "أمثولة كهف أفلاطون" (An Urban Allegory) الصادر نهاية العام الفائت، قد يكون جوهر أعمالها؛ فيستعرض فكرة الخروج من الكهف إلى النور، ويطرح تساؤلات حول طبيعة الإدراك والحرية.
لن نستطيع أن ننصف هذا العمل الذي لا تتجاوز مدته الـ21 دقيقة، إذا لم نعُد إلى فيلموغرافيا روهرواشر، فهدفها الضمني بإعادة إحياء هوية السينما الإيطالية حاضرٌ في كل أفلامها. وعبر مسيرتها اكتشفت بأن كل قفزة إلى الأمام تتطلب منها العودة خطوة إلى الخلف. تلك الخطوة نجدها في مقابلاتها خلال المهرجانات عندما تتحدث عن الينابيع السينمائيّة والروائيّة التي نهلت منها قبل البدء بأي من أعمالها. هذا ما ينعكس في السيناريوهات المتينة ذات الطبقات المعرفية المتراكبة، وسينماتوغرافيّة ساحرة، وشخصيات حيّة تؤثر وتتأثر بصانعها ومحطيها المادي ومجتمعها.
نشأت روهرواشر في الريف الإيطالي لأب ألماني وأم إيطاليّة. تعمل عائلتها في الزراعة وتربية النحل. شغفها بالأدب الكلاسيكي تحول إلى هاجسٍ شخصي دفعها إلى دراسته في جامعة تورينو. تناولت في أفلامها الأولى مجتمعها الريفي وتأثرها بالزراعة والطبيعة واستكشاف الهويّة الإنسانيّة عبر السينما، باعتبارها الأداة الأوفى لتطلعاتها الفكريّة. في بداية مسيرتها، كانت تقدم رؤيتها لمحيطها واحتياجاته الإنسانيّة والدينيّة كفيلم Heavenly Body الصادر عام 2011، وقد أثار سجالات بين مخرجي جيلها حول كيفية الارتقاء إلى مستوى السينما الإيطاليّة في الماضي، مع تقديم صوت جديد لتمثيل إيطاليا في الحاضر.
سينما روهرواشر تأتينا على دفعات، ذلك عبر تعاونات متنوعة في أفلامها القصيرة مع مخرجين وكتاب يتبعون أنماطاً سينمائية متباينة. بعد مجموعة من التجارب القصيرة، تخرج لنا بفيلم طويل يلخص ما تدربت عليه. أما فكرياً، فقد استنفدت موضوع الاحتفاء بالريف والزراعة والدفاع عن هذا الإرث الممتد لأكثر من عشرة قرون، وبدأت بتقصي الهويّة الإيطاليّة بوصفها جزءاً من هويّة إنسانيّة عالميّة في ثلاثيتها الفضفاضة Italianità. بدأت ثلاثيتها بفيلم The Wonders عام 2014، وبعده صدر Happy as Lazzaro عام 2018، واختتمتها بفيلم La Chimera الصادر عام 2023، استكشفت بواقعيتها السحريّة الصدع بين الحياة الزراعيّة والحياة الحديثة عبر طابعِ سردٍ غير زمني، سوريالي في بعض الأحيان، ممتلئ حد التخمة بالاستثناءات ومعلق بطريقة ما في الفراغ.
هذا التدقيق في أعمال روهرواشر لا يكتمل إلا بالوصول إلى تعاونها الأول مع الفنان الفرنسي JR (مواليد 1983) في فيلمهما القصير Omelia contadina (عُرض لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي عام 2020). JR الذي تميّز بفضل تقنيته في الكولاج الفوتوغرافي، وجدارياته العملاقة عبر دول العالم، ومحاولاته المحمومة باستكشاف هوية المدن الحديثة، تعاون مع روهرواشر لرفع لواء الزراعة التقليدية والمزارعين الذين يعترضون على الزراعات الأحادية المكثفة التي تقوم بها الشركات الكبرى لأراضٍ بأكملها.
التعاون الثاني لهما هو الفيلم القصير "أمثولة كهف أفلاطون" (حوار مدرج في كتاب "الجمهورية")، وهو مربط الفرس لهذه الكتابة. في قصة الكهف، يتساءل أفلاطون: ماذا سيحدث إذا تمكن أحد السجناء من تحرير نفسه من سلاسله والهروب من الكهف؟ ماذا لو كان هذا السجين هو جاي، الصبي الصغير الذي يبلغ من العمر سبع سنوات؟
صُوّر العمل في فرنسا. وبتكثيف مبالغ فيه في بعض المشاهد، حاول المخرجان تقديم تفسيرٍ سينمائي لعرض Chiroptera لمصمم الرقصات داميان غاليت والموسيقي توماس بانغالتر. الكهف في هذه الأسطورة هو العالم المحسوس، والظلال هي المعرفة الحسيّة، والأشياء الحقيقية التي تُحدِث هذه الظلال هي المُثُل.
أول عرض للفيلم كان في مهرجان البندقية السينمائي الدولي الحادي والثمانين، ووصفه بعضهم بأنه باليه سوريالي يحتضن تاريخ السينما بأكمله من دون الحاجة إلى إظهار أي إطار.
تسرع راقصة مع ابنها الصغير إلى اختبارات الأداء لعرض مستوحى من قصة الكهف. عندما تصل، تلتقي المساعد العام، الذي يصاب بالهستيريا، لأن جميع المرشحين جاؤوا مرتدين لباس باليه تقليدياً لعرض معاصر. تصل الراقصة متأخرة، وتتوسل لترى مخرج العمل. يقرر المخرج ليوس كاراكس أن يمنحها فرصة، يهمسُ سرّاً في أُذن طفلها (نعيم كالداوي) عن السجين الذي غادر الكهف.
عندما تبدأ التدريبات، يفعل الصبي تماماً كما فعل السجين الهارب، لتبدأ قصيدة سمعية بصرية في شوارع باريس. تصبح هذه العاصمة قطعة سوريالية؛ تركيبة بصرية تجريبية فريدة تُفكّك ويُعاد بناؤها تحت أنظار المشاهد. السينما هنا مجرد واحدة من أماكن الرؤية العديدة. الكهفُ مظلمٌ مثل القاعة، يصبحُ الضوء كالتنويم المغناطيسي والعرض الراقص يبتلع الإطار ويشوهه ويعيد تعريفه.