استمع إلى الملخص
- معرض "آه، أماليا - تجربة حية" في لشبونة يكرم إرث أماليا رودريغش من خلال تجربة حسية سمعية بصرية، ويضم صوراً نادرة ومواد أرشيفية، بالإضافة إلى تجربة الواقع الافتراضي.
- أماليا رودريغش، رمز الفادو وصوت البرتغال، مزجت الفادو بأنواع موسيقية أخرى وسجلت نحو 170 ألبوماً، وتُعرض مقتنياتها في المعرض باستخدام تقنية هولوغرام.
الفادو ليس مجرد نوع موسيقي، بل هو حالة عاطفية تتشابك فيها مشاعر الحنين مع القدرية. منذ نشأته في أوائل القرن التاسع عشر، كان الفادو صوت الطبقات المهمشة، يروي قصص الحب والفقد، الأمل والخيبة، والندم والذنب. إنه مزيج من الكلمات البسيطة والأنغام العذبة، بمصاحبة الآلات الوترية مثل الغيتار البرتغالي أو الماندولين، لكنه في جوهره يمثل ما هو أبعد من ذلك، فهو حكاية من تاريخ أزقة لشبونة الأليفة وحاناتها المضيئة في الليل، إذ تتداخل أنغامه مع أصوات الحياة اليومية، فتغدو الموسيقى امتداداً للمدينة نفسها.
إلا أن هذه الألحان الحزينة، المولودة من شجن الحياة ذاتها، لم تكتسب شهرة عالمياً حتى ظهور أماليا رودريغش (Amália Rodrigues)، المغنية البرتغالية الشهيرة (1920 - 1999) التي منحت الفادو أجنحة وأطلقت له العنان إلى آفاق أوسع، لينطلق من لشبونة إلى أعرق المسارح العالمية. صار صوتها مرادفاً لهذا الفن، منحته أبعاداً جديدة، ليغدو أرحب وأعمق أثراً.
بعد كل هذه السنوات، لم يخفت صوت أماليا رودريغش، بل ظلّ حاضراً في وجدان محبي الفادو، وتكريماً لذكراها يقام معرض "آه، أماليا - تجربة حية" في لشبونة، على مساحة 700 متر مربع، ليقدم فرصة استثنائية لاستكشاف عالمها بكل تفاصيله، ضمن تجربة حسية سمعية بصرية تتيح للزوار التفاعل مع إرثها الفني والثقافي.
ولدت رودريغش في لشبونة، حيث يختلط صخب الشوارع بصوت الفادو المنبعث من النوافذ والمقاهي. كان ميلادها في موسم الكرز وفقاً لرواية جدتها التي ربتها. ولكونها ابنة أسرة بسيطة، اضطرت إلى ترك الدراسة لتعمل في العديد من المهن، فتدربت في مشغل للخياطة، ثم انتقلت إلى مصنع للحلويات والشوكولا، قبل أن تجد نفسها تبيع الفاكهة في الأسواق. بدأت الغناء في سن مبكرة في المهرجانات والاحتفالات الشعبية، ثم في بيوت الفادو المنتشرة في لشبونة حيث تعشّق صوتها في أزقتها قبل أن تعرفه المسارح الكبرى.
في المعرض توثيق لسيرة أماليا رودريغش عبر صور نادرة ومواد أرشيفية تسلط الضوء على اللحظات المفصلية في حياتها، بينما تتوزع على الجدران ملصقات من حفلاتها والأفلام التي شاركت فيها، إلى جانب تسليط الضوء على أبرز عازفي الغيتار الذين رافقوها طوال مشوارها الفني، والشعراء الذين غنت قصائدهم، ما يتيح للزوار التعرف أكثر إلى دورها في نقل الفادو إلى العالمية، الذي صنّفته "يونسكو" تراثاً ثقافياً غير مادي.
في القسم التفاعلي، يخوض الزوار تجربة الواقع الافتراضي التي تتيح لهم مشاهدة قصيدة بصرية تُعبّر عن حب أماليا للطبيعة وفصولها الأربعة. تأخذهم شاشة العرض في رحلة إلى الأماكن التي تحمل ذكريات خاصة من حياتها، بدءاً من الأحياء التي شهدت بداياتها، مروراً بمسارح باريس، وصولاً إلى أضواء قاعة كارنيغي في نيويورك. وتُعرض لقطات حية من حفلاتها التي أقامتها حول العالم، تظهر رحلة تطور أماليا من فنانة محلية إلى رمز عالمي للفادو.
في واحدة من أكثر اللحظات سحراً في المعرض، تظهر أماليا رودريغش على المسرح باستخدام تقنية هولوغرام، في تجربة غامرة تأسر الحواس. المشهد أقرب إلى استعادة لحظات من الماضي، حيث الأداء الحي الآسر الذي جعل منها أسطورة.
يتيح المعرض للزوار اكتشاف الجانب الآخر من رودريغش، بعيداً عن الأضواء، فيعرض صورها الخاصة ومقتنياتها، إضافة إلى أزيائها التي ارتدتها في حفلاتها الكبرى، ومجوهراتها التي شكلت جزءاً أساسياً من إطلالتها المميزة المرتبطة بالشال والفستان الأسود الأيقوني اللذين أصبحا رمزاً لسحرها الفريد.
أماليا رودريغش مغنية وممثلة وشاعرة، لكنها قبل كل شيء امرأة صنعت أسلوبها الخاص، لكن سرها لم يكمن في صوتها فقط، بل في قدرتها على جعل كل نغمة امتداداً لعاطفتها الجياشة. لم تكن تؤدي الفادو، بل كانت تجسده، فحملته إلى عوالم جديدة، ومزجته بالفلامنغو والتانغو والسامبا، من دون أن يفقد هويته. لقبت بصوت البرتغال، ونالت أوسمة فخرية داخل بلادها وخارجها، سجلت نحو 170 ألبوماً، وباعت أكثر من ثلاثين مليون نسخة حول العالم.
قالت مرة: "في أغنية فادو كتبتها، أروي كيف كنتُ في صغري أغسل الكتان في الحقول قرب النهر، ولم يكن هناك ما يكفي من الطعام. لكنني لم أحزن قط. بالنسبة لي، الفادو هو القدر، هو الحياة".
اليوم، يعيد معرض "آه، أماليا" تجسيد حياتها، لنرى لشبونة من عينيها؛ شرفاتها المزينة وأضواءها الخافتة، وأغنيات الفادو التي تصدح في أزقتها. للحظة، يبدو أن الزمن قد توقف، وأن صوت أماليا رودريغش لا يزال حاضراً، كما كان دائماً.