أسيل نسمان... الرسم لحفظ الذاكرة في غزة

04 مايو 2025
داخل خيمتها التي تحوّلت إلى مرسم،أبريل 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تجسد الفنانة الفلسطينية أسيل نسمان الحياة اليومية ومشاهد الفقد في لوحاتها التشكيلية داخل خيمة في غزة، مستخدمة ألواناً متنوعة لتبرز تفاصيل الوجوه في بورتريهات مميزة، متحدية الظروف الصعبة.
- رغم فقدان منزلها خلال العدوان الإسرائيلي، حولت أسيل الخيمة إلى مساحة إبداعية توفر من خلالها مصدر دخل وحيد لأسرتها، متغلبة على نقص المواد والتحديات، لتجعل من الفن وسيلة للبقاء ورسالة حب للحياة.
- تواصل أسيل، طالبة تربية فنية، رسمها وسط ركام الحياة، حيث تستمع لقصص أهالي الشهداء والمعتقلين قبل الرسم، مما يجعل الفن رسالة ومصدر رزق، مؤكدة أن الفن وسيلتها للبقاء والأمل.

تجسد الفنانة الفلسطينية الشابة أسيل نسمان ملامح الحياة اليومية، ومشاهد الفقد والفراق في لوحات تشكيلية مختلفة الأحجام والمواضيع، داخل خيمة بلاستيكية أقامتها على إحدى المفترقات الرئيسية لمدينة غزة.
وتتعدد المواضيع التي تتناولها اللوحات، التي رُسمت تارة بألوان قاتمة، وأخرى بألوان ترابية وزاهية، إذ رَسمت ملامح الألم والشهداء والأسرى، بينما لم تغفل عن رسم تفاصيل الجمال والأمل، في لوحات بورتريه خاصة برسم ملامح الوجوه.
ولا تتجاوز أبعاد المرسم الذي أنشأته أسيل داخل خيمة بضعة أمتار، بلا جدران عازلة أو إضاءة مناسبة، بينما تضمّ ألواناً وأدوات بسيطة، إلى جانب ريشة أنهكتها الحرب، لكنها لا تزال تنبض بالحياة والأمل.
ولم تفقد أسيل شغفها بالفن، على الرغم من فقدانها منزلها خلال العدوان الإسرائيلي، إذ حوّلت الخيمة إلى مساحة إبداع، تصنع فيها لوحات تنبض بالأمل، والألم، وبالأحلام المؤجلة، في محاولة لممارسة هوايتها، إلى جانب توفير مصدر دخل وحيد لأسرتها.
ولم تستسلم الفنانة الشابة لمختلف التحديات التي واجهتها جرّاء تدمير منزلها بكل ما فيه من أدوات ولوحات وتفاصيل وذكريات، أو النقص الحاد في مختلف الأدوات اللازمة لعلمها، فقامت بتوفير بعض الألوان واللوحات لرسم الشخصيات والملامح العامة، وقد تحول الفن من مجرد هواية، إلى وسيلة للبقاء، ورسالة تعلن من خلالها حبها للحياة وتمسكها بها رغم الألم والدمار.
وتقول الفنانة التشكيلية أسيل نسمان (22 عاماً) وهي طالبة تربية فنية وتصميم غرافيك في جامعة الأقصى، إنها فقدت كل لوحاتها التي رسمتها على مدار سنوات طويلة، وكانت تشارك فيها بالمعارض والأنشطة الفنية.
وتبيّن نسمان لـ"العربي الجديد" أنها كانت ترسم داخل غرفتها قبل تدمير الاحتلال لمنزلها في حي النصر وسط مدينة غزة، وقد كانت تركز في رسمها على الواقعية المفرطة، وجمال المرأة، إلّا أن الحرب غيّرت طبيعة اللوحات، إذ باتت ترسم ملامح الشهداء والأسرى وتفاصيل الأحداث والحياة اليومية.
وتوضح نسمان أن أسرتها نزحت إلى مدينة خان يونس جنوب القطاع بعد تدمير بيتها، ومن ثم إلى مدينة رفح، وقد كانت في ذلك الوقت تبحث عن ورقة وقلم لممارسة هوايتها، وبدأت بالرسم على طاولة صغيرة في الشارع بسبب الأجواء القاسية داخل الخيمة.
وتتابع "بفعل طول أمد الحرب، وعودتنا مجدّداً إلى مدينة غزة، أنشأت أسرتي خيمة للمعيشة، فيما أنشأتُ خيمة أخرى لمتابعة عملي في رسم البورتريه، وإتاحة المجال لطلبات الزبائن، التي تركزت على طلب رسم الشهداء والأسرى".
وقبل أن تبدأ بالرسم، تستمع الفنانة طويلاً لكل من يقصد مرسمها طلباً لرسم لوحة لفقيد، أو لشهيد أو لأسير، أو رسما لطفل ما زال ينتظر والده، وكأنها ترسم الذاكرة بتفاصيلها الدقيقة، لا الصورة فحسب.
ومن داخل الخيمة التي لا يعلو فيها صوت فوق وجع الفقد، ولا شيء يُرى سوى الغبار المتطاير وألوان البؤس، تمسك أسيل بألوانها وكأنها تمسك بحبل نجاة، تخلط الألوان بماء الذاكرة وترسم على اللوحات وجوه الشهداء والأسرى، بناء على صور تسلمها لها أمهات ثكلى أو زوجات فقدن أزواجهنّ.

وعلى الرغم من بساطة الأدوات، وعلب الألوان، تبدو لوحاتها كأنها تعيد الشهداء إلى الحياة، تعانقهم عيون أمهاتهم من جديد، ويشعر الأطفال وكأن الأب عاد من خلف القضبان بابتسامة مطمئنة.
وتمارس أسيل نسمان الفن رسالةً ومصدرَ رزق في آن واحد، إذ أصبحت لوحاتها وسيلة لإعالة أسرتها، تطعمهم من ريشة وماء، وتخبر العالم أن الفن وسيلتها للبقاء على قيد الحياة والنجاة والأمل.
وتواصل الفنانة أسيل نسمان رسمها وسط ركام الحياة، وعلى بعد أمتار من مشاهد الدمار وضجيج الشارع، وقد تحولت خيمتها إلى محطة يتردد عليها أهالي الشهداء والمعتقلين، يطلبون منها أن تعيد إليهم ملامح أحبابهم، وأن ترسم الذاكرة، وتبقي الحضور حياً رغم الغياب.

المساهمون