"أسعد عائلة في الولايات المتحدة"... ما بعد 11 سبتمبر

22 ابريل 2025
العمل من تأليف الممثل رامي يوسف (IMDb)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسلسل "أسعد عائلة في الولايات المتحدة" من تأليف رامي يوسف، يعرض حياة عائلة أمريكية من أصل مصري في نيوجيرسي، ويعالج موضوعات الهوية الثقافية والدينية بأسلوب كوميدي جريء وواقعي.
- تبدأ الأحداث في 10 سبتمبر 2001، حيث تتغير حياة العائلة بعد أحداث 11 سبتمبر، مما يخلق صراعات داخلية حول الهوية والانتماء، خاصة مع محاولات الأب حسين لإظهار العائلة كأمريكيين عاديين.
- يتميز المسلسل بفكاهة مبالغ فيها لمعالجة قضايا الهوية والاندماج الثقافي، ويقدم نقداً للاضطهاد الذي يواجهه المهاجرون في الولايات المتحدة.

"الكوميديا تساوي المأساة زائد الوقت"، مقولة شهيرة تُنسب إلى الجميع، من مارك توين إلى وودي آلن، ومسلسلات مثل "أسعد عائلة في الولايات المتحدة" (#1 Happy Family USA) دليلٌ على مدى دقّة هذا المفهوم. العمل من تأليف رامي يوسف، صاحب "رامي" (ثلاثة مواسم منذ 2019)، ويتناول موضوعاً كان حتى وقت قريب يستحيل تخيّله شيئاً كوميدياً، ويفعل ذلك بطريقة جامحة ومضحكة للغاية في بعض الأحيان. بالتأكيد، سيستاء البعض مما يفعله يوسف هنا، لكن المؤلف نفسه يوضّح ذلك منذ البداية بعلامة ساخرة تؤكّد لنا أنهم يسخرون هنا من الجميع، من العرب والمسلمين، وحتى سكّان نيوجيرسي.
استناداً إلى مشاهد وجانب من السيرة الذاتية لمؤلفه، تدور أحداث "أسعد عائلة" حول أسرة أميركية من أصل مصري تعيش في نيوجيرسي: أبّ وأمّ وطفلان مراهقان وجدّ. حياتهم اليومية عبارة عن فوضى عارمة من الصراخ والشجار: الجدّ (أزهر عثمان) متديّن وذكوري، والجدّة (رندا جرّار) مقيمة أمام التلفزيون طوال الوقت من دون أن تخلع لباس الصلاة، والأبّ حسين (رامي يوسف) يدير عربة طعام ولا يفكّر إلا في توفير المال، والوالدة شارون (سلمى هندي) مهووسة بأن تكون أمّاً مثالية وتتبنى نظريات مؤامرة حول مقتل الأميرة ديانا. أما الولدان، الكبرى منى (علياء شوكت) لا تجرؤ على التصريح بأنها مثلية، بينما شقيقها الأصغر، الشخصية الرئيسية، رومي البالغ من العمر 12 عاماً (رامي يوسف أيضاً)، يريد فقط أن تقع معلمّته (ماندي مور) في حبّه. 
المشكلة أن كل هذا يحدث بالضبط في العاشر من سبتمبر/أيلول 2001، ولا أحد منهم يعلم أن حياتهم ستتغيّر جذرياً في أقل من 24 ساعة. في اليوم التالي، "يذهب كل شيء إلى الجحيم"، ويتسرّب إليهم شعور بأنهم مراقبون من كلّ جانب: في المدرسة، من الجيران، من السلطات، من الأصدقاء. ويتخذ حسين الأبّ القرار الذي يُعطي المسلسل عنوانه: لتجنّب السجن أو الترحيل، يُخبرهم، ويتوسّل إليهم، ويطالبهم بالمبالغة في "هويتهم الأميركية"؛ أي أن يفعلوا، ويقولوا، ويأكلوا، ويشربوا، ويلبسوا كما يفعل الأميركيون. سيقول: "من اليوم فصاعداً، ليست لدينا ثقافة. دعونا نُرِ الجميع أننا أناس عاديون، لسنا إرهابيين".


لكن هذا الاستيعاب لن يكون سهلاً، إذ تُبدي شارون ردّ فعل معاكس، وتقودها سلسلة من الأحداث إلى استعادة جانبها الإسلامي الذي نسيته، ومعه اسمها الحقيقي، شريعة، وحجابها. لا تزال مُنى تُكافح معضلاتها العاطفية (لديها صديقة وكانت على وشك "الكشف" عن ميولها الجنسية في أحداث 11 سبتمبر)، والشخص الذي لا يعرف كيف يتصرّف هو رومي، المُعذَّب، الذي سيكتشف تدريجياً وجوب أن يكون شخصاً مختلفاً ومتغيّراً حسب مَن يُخاطبه. في الوقت نفسه، يمرّ رومي بالمشاكل المعتادة في عصره، والتي تتضاعف بعد هذه الأحداث. 
"أسعد عائلة.." يُقدم كوميديا مبالغة، مع فكاهة قد تكون رقيقة في لحظة وأكثر حدّة في اللحظة التالية. كُتب بالتعاون مع بام برادي، التي تشمل تجاربها السابقة العمل في المسلسل الشهير "ساوث بارك"، والنبرة هنا أقرب إلى هذا النوع من الكوميديا من تلك التي عمل عليها يوسف نفسه في "رامي". لكن على مدار حلقاته، ووسط تراكم المواقف العبثية التي تمرّ بها العائلة المسلمة، سيُلمّح المسلسل تدريجياً إلى مدى صعوبة، بل وإرباك، عيش عائلة من أصل مسلم في الولايات المتحدة فور وقوع هجوم البرجين. لا يقلّ صعوبة، بل أسوأ، عمّا هو عليه اليوم في ظلّ الاضطهاد الحالي للمهاجرين تحت رعاية الرئيس البرتقالي دونالد ترامب.
يسخر المسلسل من كل شيء: المتديّنين المتشدّدين، والمتظاهرين بالتديّن، ومَن يحاولون إخفاء سماتهم "العرقية"، وآليات الأسرة الفوضوية لأبطال المسلسل، خاصةً السلوك الغريب والعدواني في كثير من الأحيان للأميركيين في هذا الوضع تحديداً، وتجاه المهاجرين عموماً.

وبينما يسير كل شيء بنبرة تتراوح بين العبثية والغرابة - أحياناً مبالغ فيها ومُبرزة، كما لو أن الصنّاع أرادوا توضيح أن هذه كوميديا، وأنه من الأفضل عدم أخذ أي شيء على محمل الجدّ - يتعمّق المسلسل تدريجياً في مشاكل رومي حسين، الصبي الذي لا يعرف كيف يتصرّف أو ماذا يفعل في مختلف المجالات التي يواجهها. 
"أسعد عائلة في الولايات المتحدة" مسلسلٌ فاتن، غير صائب سياسياً، وإن كان أحياناً أكثر بساطة من اللازم. يُمثل محاولة طموحة للغاية لتجسيد هذا النوع من القضايا المعقّدة عبر الفكاهة. بأصوات كيران كولكين وتيموثي أوليفانت في أدوار مساعدة، ولكن مهمّة سردياً، يعتمد المسلسل على الضحك المباشر لمعالجة مسألة كانت مأساة عالمية قبل أكثر من عقدين من الزمن. ولكن، كما قال وودي آلن أو أي شخص آخر، فإن الزمن يحوّل حتى أكثر الأحداث مأساوية إلى شيء فكاهي.

المساهمون