أسئلة في مدار كوفيد 19: نعم ولا

أسئلة في مدار كوفيد 19: نعم ولا

08 يناير 2021
كثيرون صدّقوا نظرية المؤامرة وروجوا لها (Getty)
+ الخط -

التغيرات التي طرأت على نمط حياتنا إثر جائحة كوفيد 19، كَشَفتْ لنا الكثير من الأوهام التي كنا نعيشها أو نختبرها، خصوصاً تلك التي ضُخّت لنا عبر الشاشات، فالأسئلة التي طرحت في الأفلام والمسلسلات سابقاً، اختلفت إجاباتها حين طرحت على أرض الواقع.

ذاك المتخيل الذي تعلمناه عن أنفسنا وعلاقاتنا، تبين أن الكثير من مكوناته مجرد أوهام، بصورة أخرى، طرحت أسئلة وقدمت إجابات. بعض هذه الإجابات تبين أنها لا يمكن أن تحصل على أرض الواقع. في حين أن إجابات أخرى لم تكن كافيّة، إذ كان الواقع أشد سوءاً من النسخة المتخيّلة، ما جعلنا كبشر نسعى إلى أجوبة جديدة، ونعيد النظر في وضعيتنا كبشر نعيش كجماعات ونخضع لسلطة دول مُختلفة.

هل هناك فائدة من الجامعات؟

السؤال هنا مجازي. نعم الجامعة مهمة، لكن بسبب توقف الدوام، اكتشف الكثيرون أن كم المعلومات الذي يتم الحصول عليه من الدوام اليومي في الجامعة، لا يتناسب مع الأقساط المدفوعة.

نتحدث هنا عن الجامعات الخاصة والمأجورة، إذ احتج العديد من الطلاب في الولايات المتحدة على أقساط الجامعات المرتفعة، ككولومبيا وهوبكينز وجورج تاون، وهددوا بعدم دفع الأقساط إذا لم يتم تخفيضها، كون التعليم يتم عن بعد، ولا يتم استخدام منشآت الجامعة. لا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، فالجامعات العامة في فرنسا أغلقت أبوابها عدة مرات، لكن بعض الأساتذة قرروا وضع الطلاب في خطر، وعدم الانصياع لقرارات الإغلاق، كحالة السوربون الأولى، لأن الأمر يتعلق بـ"البريستيج"، فعدم إغلاق الجامعة موقف ثقافي سياسي أكثر منه وقائياً، والكثير من الطلاب رفضوا الدوام وطالبوا بمتابعة الدروس عن بعد، في حين أن بعض الأساتذة أصروا على الحضور الشخصيّ.

استمرار التعليم ورغبة الكثيرين بالجامعة، هو المثير للاستغراب؛ فالكثير من الأفلام والمسلسلات تقترح أن الطلاب هم أول من يترك الجامعة أو المدرسة، ويفضلون الاسترخاء في المنزل، كحالة إيرك كارتمان في الحلقة الخاصة التي أنتجت هذا العام من "ساوث بارك"، وفيها رحب الطلاب جميعاً بالعودة إلى المدرسة، عدا كارتمان، الذي وجد في ذلك انتهاكاً لاستراحته، ما جعله محط عداوة جميع أصدقائه، خصوصاً بعد إصراره على إغلاق المدرسة بشكل دائم.

هل نحبّ بعضنا بعضاً؟

تحوي العديد من الأفلام الكوميدية الرومانسية مشهداً يجد فيه بطلا الفيلم نفسيهما محبوسين في مكان واحد، ليوم أو أكثر، وعادة ما ينتهي الأمر بوقوعهما في الحب، واكتشاف مشاعرهما الحقيقية بعضهم تجاه بعض. بعض الأفلام تروج إلى أن "المغامرة" المشتركة تنتهي بحب أبديّ فاتحته قُبلةٌ تملأ الشاشة. هذا الفخ الرومانسي تحول بالنسبة للبعض إلى جحيم. حالات الطلاق والعنف الأسري كانت في أوجها في العام الماضي، كون الأزواج المحجورين في مكان واحد اكتشفوا بعضهم بعضاً بصورة قاسية.

الملل والتحديق المتبادل والنزق، كشف هوةً عميقة بين العديد من الأزواج، خصوصاً أن الحجر الصحي منح الكثيرين الوقت للتأمل في أنفسهم وإعادة اكتشافها.

اكتشفنا هذا العام أن هناك كثيرين ممن هم مستعدون للمخاطرة بحيواتهم وتهديد حيوات الآخرين، لأسباب يطول شرحها، تختزل بالغرور والحماقة

هل هناك حمقى بيننا؟

الجواب نعم، من دون الحاجة للغوص في معاني الحمق أو التنظير لها. اكتشفنا هذا العام أن هناك كثيرين ممن هم مستعدون للمخاطرة بحيواتهم وتهديد حيوات الآخرين، لأسباب يطول شرحها، تختزل بالغرور والحماقة. والمثير للاهتمام أن المؤمنين بنظريات المؤامرة ممن تهكمنا عليهم، كالمؤمنين بأن الأرض مسطحة، أو أن الفيروس سببه تقنية الـ5G عددهم كبير، وحاضرون في الفضاء العام، ولا يمكن إنكار وجودهم أو إسكاتهم. لكن الإشكالية كانت بأنهم ساهموا في نشر الفيروس وتعريض حياة الكثيرين للخطر، بناء على حماقاتهم. هذه الفئة نتعرف إليها في الجزء الثاني من فيلم "بورات"، الصادر هذا العام، والذي يكشف لنا فيه ساشا بارون كوهين عن تلك الفئة المستعدة لتصديق أي شيء، وترديد الحماقات من دون أي مبرر سوى الخوف من الآخر.

كوفيد-19
التحديثات الحية

هل تهتم "الدولة" لأمرنا؟

الجواب أيضاً لا، سواء كانت قمعية أو ديمقراطية، كشفت الجائحة أن الربح واستمرار العمل هما الأهم بالنسبة للسلطة، حتى لو عنى ذلك المخاطرة بحياة الأفراد. وهذا ما قرأنا عنه في صفقات الأقنعة الصينيّة المعطوبة التي وزعت في أنحاء أوروبا، ثم سحبت من التداول. قد يرى البعض أن السبب كان التسرع، لكن جوانب أخرى، ودولاً أخرى، تكشف أن عدم الاهتمام هذا عمره طويل، ويبدأ بالتستر على الفيروس، وينتهي بنقص عدد الفحوصات. نتلمس هذا الخذلان وعدم الاهتمام في صور الأقفاص التي تسربت من سورية، بل وبلغت أوجها في النصائح التي قدمها ترامب لمكافحة الفيروس، وهي شرب مبيض الثياب والكلور. الأهم أن المتخيلات عن الأبطال الخارقين "الأميركان" قدمت لنا الولايات المتحدة بوصفها منقذ العالم من أي خطر يهدد "الجميع"، لكن هذه الصورة تحطّمت، فعلاج الوباء قادم من أوروبا، و"أبطال" الولايات المتحدة، إما نصحونا بشرب الكلور، أو تسلحوا برشاشاتهم وقرروا الانغلاق على أنفسهم للحفاظ على أمنهم الشخصيّ. هل نثق بالتكنولوجيا؟ الإجابة نعم ولا؛ إذ قارن كثيرون العام السابق بمسلسل Black mirror وغيره من حبكات الخيال العلميّ التي تهيمن فيها التكنولوجيا على حيواتنا. وبسبب الوباء، تبين أن وسائل التواصل الاجتماعي والتشبيك الآني أصبحا جزءاً من تكويننا بسبب الخدمات التي استفدنا منها، والتي حافظت على أعمال فئة ليست بالقليلة من الأفراد. في الوقت ذاته، هذا التغلغل التكنولوجي، الذي وصل إلى حد التشخيص الطبّي عن بعد، مُرتبط بالشرط الاقتصادي، بصورة أدق: "اقتصاد المراقبة الرأسمالي"، الذي كلما "شاركنا" وتواصلنا وقدمنا معلومات، ازداد أصحابه غنى. لحسن الحظ، حتى الآن، لم يكن الواقع سوداوياً كما في Black mirror؛ إذ قرر الكثيرون الحفاظ على خصوصياتهم، وضبط علاقاتهم مع التكنولوجيا للحفاظ على استقلاليتهم والتقليل من اعتمادهم الكليّ على الشاشات.

المساهمون