استمع إلى الملخص
- تواجه المؤسسات الإعلامية الخاصة في تونس أزمة مالية حادة بسبب تراكم الديون وتراجع سوق الإعلانات، مما أدى إلى إغلاق بعض المؤسسات وعرض أخرى للبيع دون مشترين.
- دعا المختصون الحكومة التونسية لدعم المؤسسات الإعلامية عبر جدولة الديون وتخفيض رسوم البث، لكن الصحافيين يرون أن هذه الإجراءات تفيد أصحاب المؤسسات أكثر من العاملين.
أعاد إعلان العاملين في إذاعة إي أف أم الخاصة عن الإضراب في 9 ديسمبر/ كانون الأول الحالي نتيجة عدم تقاضيهم أجورهم منذ ثمانية أشهر، الحديث عن الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي يعيشها الكثير من الصحافيين التونسيين العاملين في القطاع الخاص.
وأشارت عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين جيهان اللواتي، إلى أنّ الصحافيين في القطاع الخاص يعانون من تأخر صرف رواتبهم ومحرومون من التغطية الصحية. وأضافت في حديث مع "العربي الجديد": "نحن اليوم أمام مفترق طرق، فالصحافيون يعانون من أوضاع مادية صعبة ويعيشون حالة من التفقير الممنهج من قبل أصحاب المؤسسات الإعلامية الذين يرفض بعضهم سداد أجور العاملين لديهم بحجة الأزمة المالية التي تعاني منها مؤسساتهم".
قبل أشهر، أغلقت صحيفة الشارع المغاربي أبوابها بعد تسع سنوات على تأسيسها، تاركة موظفيها من دون عمل، وذلك بسبب "الصعوبات المالية الكبرى التي تعاني منها الصحيفة والتي أدت إلى انهيارها مالياً نتيجة غياب الإعلانات التجارية مما جعلها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية"، وفقاً لما أعلنه القائمون عليها آنذاك.
حالة "الشارع المغاربي" ليست استثناءً في المشهد الإعلامي التونسي، إذ يعاني العديد من المؤسسات الخاصة من تراكم الديون إلى حد عجزت معه عن تسديد أجور العاملين فيها. وهو أمر تؤكده الصحافية حنان الفتوحي لـ"العربي الجديد"، مشيرةً إلى أنّه "باستثناء مؤسستين إعلاميتين خاصتين تعاني بقية المؤسسات الإذاعية والتلفزيونية من تراكم الديون، حيث تقدر هذه الديون للمؤسسة الواحدة بين 20 و50 مليون دينار تونسي (ما يتراوح بين 6.5 و16.5 مليون دولار أميركي). كما لفتت إلى أنّ "أصحاب هذه المؤسسات عرضوها للبيع للتخلص من أعبائها المالية لكنهم لم يعثروا على مشترين".
ويعيد الكثير من المختصين الأوضاع المالية الصعبة التي يعانيها الإعلام التونسي إلى التراجع الكبير في حجم سوق الإعلانات التجارية الرسمية والخاصة، الذي لم يعد يتجاوز 200 مليون دينار تونسي (نحو 66.5 مليون دولار أميركي)، تستأثر قناة تلفزيونية ومحطة إذاعية خاصتان بالنصيب الأكبر منها، بينما تعاني 14 قناة تلفزيونية و46 محطة إذاعية خاصة أخرى من صعوبات مالية كبرى.
هذا الوضع المتأزم دفع بعدد من المختصين بالشأن الإعلامي إلى دعوة الحكومة التونسية لمساعدة المؤسسات الإعلامية على الخروج من أزمتها من خلال إعادة جدولة ديونها لدى المؤسسات الرسمية، وخاصة صناديق الضمان الاجتماعي والديوان الوطني للإرسال الإذاعي والتلفزي، وهي الجهة الحكومية التي تمنح هذه المؤسسات شارة البث بمقابل مالي.
ولقيت هذه الدعوة تجاوباً من قبل بعض النواب في البرلمان التونسي الذين دعوا وزارة المالية عند مناقشة قانون المالية لسنة 2025 إلى تخفيض قيمة معلوم البث الإذاعي بالنسبة للإذاعات الإقليمية من 100 ألف دينار تونسي (33 ألف دولار أميركي) سنوياً إلى 30 ألف دينار تونسي (تسعة آلاف دولار أميركي)، إضافةً إلى جدولة الديون بالنسبة لهذه الإذاعات لمدة عشر سنوات حتى تتمكن من تحقيق التوازن المالي المطلوب.
لكن هذا التحرك لم يلق الترحيب من قبل الصحافيين باعتبار أنه يفيد أصحاب المؤسسات لا العاملين الذين يعانون من وضع اقتصادي شديد الهشاشة، وهو مرشّح للتفاقم في حال لم يتم التدخل لإيجاد حلول سريعة تأخذ مستقبل الصحافيين التونسيين وأوضاعهم بعين الاعتبار.