استمع إلى الملخص
- يعالج الفيلم قضايا اجتماعية وسياسية من خلال رمزية الشخصيات، مثل الفساد والتفكك الأسري وآثار الحرب الأهلية، ويطرح أسئلة حول الهوية والانتماء في سياق اجتماعي مضطرب.
- رغم فوزه بجائزة لأفضل سيناريو، يعاني الفيلم من كليشيهات ويفتقر إلى التمثيل القوي باستثناء أداء ديامان أبو عبود وبلال الحموي، مما يبرز الحاجة إلى معالجة سينمائية أعمق.
يصعب التغاضي عن رمزية اختيار أرزة اسماً للشخصية النسائية الأولى (ديامان أبو عبّود)، وعنواناً لفيلمٍ لبناني جديد (2024)، تُنجزه ميرا شعيب، خاصة بعد مرافقتها في رحلةٍ مليئة بتحدّيات وصعوبات ومواجهات (أو هكذا يُفترض بها أنْ تكون)، تحديداً مع الابن الوحيد كنان (بلال الحموي). رحلة تهدف إلى العثور على درّاجة نارية صغيرة، تستدين الأمّ مالاً لشرائها بالتقسيط (ليتمكّن الابن من تلبية طلبات زبائن، يرغبون في فطائر سبانخ تصنعها الأم في المنزل)، تُسرق قبل ليلةٍ، ويجب استعادتها بأي ثمنٍ.
لكنّ الرحلة تعكس خللاً في الاجتماع اللبناني، وتكشف شيئاً من ماضي أرزة، الذي يوحي بتعرّضها لتسلّط ذكوريّ، منذ بلوغها 16 عاماً: زواجٌ ينتهي سريعاً قبل ولادة الابن، إذْ يختفي الزوج كلّياً من حياتهما. لاحقاً، هناك الابن (18 عاماً) نفسه، المتمرّد والمتوتّر والغاضب، ما يجعل علاقته بأمّه غير سوية، على نقيض علاقته بخالته ليلى (بيتي توتل)، المُصابة بصدمةٍ نفسية تُبقيها في المنزل. هناك رجل أمن مستهتر ومُتعالٍ. هناك رجالٌ يمثّلون أربع طوائف في البلد (دروز، سنّة، شيعة، موارنة)، ويتخصّصون بنوع من السرقات (أي: فساد، وتشبيح، وأعمال تُخفي المبطّن)، يريدون مساعدتها شفقةً منهم عليها، لكنّهم، بسلوكٍ أو نبرة أو نظرة، يكشفون تعالياً عليها يكاد يكون احتقاراً.
إذاً، أرزة/لبنان معطوبان بسبب رجال/طوائف غير مكترثين بهما. مونولوغ بكائيّ سيكون كشفاً لوقائع يجهلها كنان، وتنفيساً ميلودرامياً لأم/زوجة غاضبة تعاني ضغوطاً هائلة. خروجٌ غير متوقّع لليلى من المنزل يُصيب الأم وابنها بهلعٍ، لكنّ أرزة تعرف مكان ذهابها، فتلحق بها، ولاحقاً تُخبر ابنها سبب تلك الصدمة: اختفاء حبيبٍ (إشارة إلى ملف المفقودين)، قبل أنْ تكتشف ليلى اختفاء منزل يُهيّئان الإقامة فيه قبل اختفائه.
تحرير النصّ (كتابة لؤي خريش وفيصل سام شعيب) من رمزية كهذه مقبولٌ، لكنّ "أرزة"، الفائز بجائزة يوسف شريف رزق الله لأفضل سيناريو في "آفاق السينما العربية" في الدورة الـ45 (13 ـ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، مُثقلٌ بكليشيهات لبنانية يُمكن معالجتها سينمائياً بشكل أفضل من المُقدَّم، لمعاينة خرابٍ لبناني في الاجتماع والعلاقات والانفعالات، كما في ذاكرة فردية/جماعية. الخراب هذا يستحقّ اشتغالاً أعمق، كوميدياً ساخراً أو تجارياً أو درامياً، فالأهمّ أنْ يلتزم شرطه السينمائي. إضافة إلى أنّ غضب كنان وتمرّده على والدته، لقناعةٍ لاواعية فيه بدورها السلبيّ في حياته ولاعتباره الواعي أنّ الزوج/الأب "فارٌّ" منها، كافٍ ليكون مادةً غنيّة بأسئلة لبنانية، فردية وعامة، مفتوحة على العائلة والتفكّك وآثار الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) ومآزق سلمٍ أهليّ ناقص وهشّ، أو كافٍ لإنجاز سينمائي محصورٍ به فقط، أيّاً تكن أسبابه وآثاره وحضوره.
عناوين كثيرة يُدرجها نصّ "أرزة"، من دون التمكّن من معاينتها كلّها بحدّ أدنى من المتطلّبات الفنية والجمالية والبصرية والتمثيلية. هذه الأخيرة تكاد تكون أكثر المتطلّبات غياباً في عملٍ يجمع ممثلين وممثلات معروفين، محلّياً وعربياً، بفضل أعمال تلفزيونية ومسرحية وأفلامٍ سينمائية، لكنّهم، بتأديتهم أدواراً ثانوية، يفقدون براعة وخبرة وتراكمَ إبداع (طارق تميم وفادي أبي سمرا وإيلي متري وشادن فقيه مثلاً). باستثناء ديامان أبو عبّود، الفائزة بجائزة أفضل ممثلة في البرنامج/المهرجان نفسيهما، الأكثر مصداقية في أداء حِرفيّ، رغم عدم تقديم جديدٍ أو مختلف؛ وباستثناء عفوية بلال الحموي، المتلائمة وعمرٍ يُربك المرء ويضعه أمام تحدّيات ربما تكون غير واضحة كفاية، فإذا بكنان يعكس واقعاً بمصداقية وسلاسة؛ باستثناء هذين الممثلين، يفقد "أرزة" إحدى الأدوات الأساسية في صُنع فيلم: التمثيل السينمائي.
يصعب قبول مقولة إنّ الفيلم الأول يمتلك أعطاباً، لأنّه أول تجربة، إذْ يُفترض بمن يُنجز أول فيلم أنْ يمتلك تراكماً معرفياً يُجنّبه الاحتماء بمقولة غير نافعة وغير قابلةٍ لأي تبرير. الاستعانةُ بمن يملك خبرات ومعرفةً ضروريةٌ في وضع كهذا. النيّة الطيّبة لا تُنجز فيلماً متكاملاً. اختيار عناوين جمّة لتقديمها في أول فيلمٍ مُصيبة يُسبّبها كثيرون وكثيرات يعملون في السينما العربية تحديداً، في أوقاتٍ مختلفة. عناوين كهذه توهن عملاً فيه شيءٌ من رغبة صادقة في قول وقائع لبنانية بأقلّ قدر ممكن من الجدّية، وهذا حسن، فعبر الكوميديا تُقال أمورٌ كثيرة مهمّة وعميقة، وتُعالَج تفاصيل بجدّيةٍ مهنيّة وحِرفية. التجاريّ جزءٌ أساسيّ من صناعة السينما، لكنْ له شروطه السينمائية التي ربما تكون أكثر صرامةً من شروط أنواع سينمائية أخرى.
تخفيف أسلوب إنجاز "أرزة" في سرده ثقل الخراب اللبناني مُهمّ (الفقر أحد جوانبه الأساسية أيضاً، كما الرغبة في الهجرة لأيّ سبب)، إذْ ليس مطلوباً معالجة مآزق وانهيارات وأعطاب بعيداً عن إضحاك وتبسيط وسلاسة، والثلاثية الثانية تكون أجمل، ربما، عندما تتناول مآزق وانهيارات وأعطاب، إنْ تلتزم شرطها السينمائي، وهذا عاديّ بل بديهي.