استمع إلى الملخص
- موقف أدونيس من الثورة السورية: الشاعر أدونيس لم يتخذ موقفًا واضحًا، معتبرًا أن تغيير النظام غير كافٍ دون تغيير المجتمع، مما أثار انتقادات واعتبره البعض تبريرًا لبقاء النظام.
- تناقضات أدونيس: رغم انتقاده للنظام في 2011، تراجع أدونيس عن موقفه النقدي بسبب مخاوف، وأظهر تناقضًا في مواقفه من الانتفاضات العربية والإسلامية، مما يعكس عدم انسجامه.
ليس مطلوباً من الكاتب أو المثقف أن يكون معلّقاً سياسياً. هذا ليس دوره في الأساس، وينطبق الأمر على أدونيس، ولكن التعليق السياسي ليس "الموقف" مما يحدث، وبعضه مفصلي في حياة الشعوب والدول، ومنه أن رئيساً وصل إلى الحكم بالوراثة، وبقوة السلاح و"البعث" والأجهزة، لا بالانتخابات، فرّ إلى موسكو، وأن السوريين وهم من أعرق شعوب المنطقة والعالم، ثاروا عليه منذ عام 2011، فقُتل منهم نحو نصف مليون، وهجّر نحو 12 مليوناً ما بين لاجئ ونازح.
شأن كهذا ليس حدثاً سياسياً عابراً، ليس مظاهرة يتيمة وانتحارية لطلاب من جامعة دمشق في ساحة الأمويين، بل سيرورة وصيرورة طويلة ووعرة ودامية، تتعلق بالمصائر الفردية والجماعية لشعب صدف أن أدونيس، وهو شاعر مهمّ بالمناسبة، كان منه.
في تعليقه على خلع بشار الأسد، كرّر أدونيس من فرنسا، وهو مقيم هناك وليس منفياً كما تقدّمه وكالات الأنباء عن جهل أو تقصّد وانحياز مضمر، مقولاته المتكررة في مقاربة الثورة السورية في كافة مراحلها وتحوّلاتها، لاجئاً إلى التعميم ولي الحقائق، مثل قوله إنه كان دوماً ضد النظام، ولا يُعرَف معنى لهذا ما لم يُرفَق بموقف معلن وواضح، ينقل نقد النظام إلى حيز معارضته التي تجعل من يقوم بها يخاطر بالمواجهة لا الصمت ولوم الشعب، وهو ما فعله أدونيس كثيراً.
يقول أدونيس إنه لا يعرف سورية "إذا ما تحدّثنا في العمق"، وإن استبدال نظام بآخر مجرد أمر سطحي، فالمسألة "ليست تغيير النظام بل تغيير المجتمع"، ما يعني في نهاية المطاف تسخيف "خلع النظام"، بل الدفاع عن بقائه ما دام خالعوه لا يعرفون ما سيفعلون، وما دام المجتمع نفسه لم يتغيّر.
ألا يعني هذا ترخيصاً بالقتل؟ تسخيف الحدث المذهل، المزلزل، الذي انتهى بفرار بشار الأسد بعد ثورة دفعت الثمن الأبهظ في المنطقة، في محاولة منها لكسر "تأبيد النظام"، وشرعنة عنفه، بل ومحاسبته أيضاً على أنهار الدم التي سفكها.
هل أمور كهذه من الرجعية في شيء؟ من الظلامية؟ من القرون الوسطى؟
من حق أدونيس وسواه أن يتحفظ، بل يرتاب ويتشكك، من "إسلامية" الانتفاضات العربية، وإذا تطرّفنا فإن من حقه أن يزدري ثقافة المنطقة، وأن يعود إلى عبادة هُبَل وسواه باعتبار ذلك عودة إلى تعددية الآلهة في المنطقة، وبالتالي تعددية ثقافتها، هذا إذا تطرّفنا أكثر.
لكن من حق ناقديه أن يلزموه بالانسجام والمنطقية، لا المزاجية المجانية، وهو ما لم يفعله عندما قارب عودة الخميني من باريس (له قصيدة في مدح الثورة الإيرانية في حينه)، ولا عندما راوغ أو صمت عن اتخاذ موقف واضح، متواصل، من نظام الأسدين: الأب والابن، وبقية أفراد العائلة "المقدّسة"، من العم الجزّار (رفعت) إلى الشقيق (ماهر) قاطع الطرق ومقطّع الأطراف ومهرّب المخدرات.
في رسالته التي وجهها إلى بشار الأسد، بعد نحو أربعة أشهر من ثورة 2011، ونشرتها صحيفة السفير، وجّه أدونيس نقداً واضحاً للنظام، وإنْ كان متأخراً وبلغة النصح والاعتراف، لكن ليس من الإنصاف اختزاله في عبارته "السيد الرئيس"، والمؤسف أنه لم يبن عليه (النقد) بل نكص عنه استناداً إلى مزاعم ومخاوف متوهمة ومضخّمة، كانت تُضمر احتقاراً لشق من الإسلام إذا شئت، فكيف لمسيرات تخرج من المساجد أن تبني مجتمعاً حديثاً، أن تكون ثورية، أن تحفظ حقوق بقية مكونات الشعب؟
أسطوانة مشروخة تتناسى أن النظام لم يترك فضاء عاماً واحداً إلا أغلقه في وجه السوريين حتى يقصدوه، ولا يضطروا إلى الخروج من المساجد للتعبير عن أنفسهم وأشواقهم للتحرر. لا أعرف ما إذا كان أدونيس يعرف ما حدث مع الفتى حمزة الخطيب الذي قتل تحت التعذيب في بدايات الثورة السورية ومُثّل في جثّته. لقد كان في الثالثة عشرة فقط من عمره، بوجه متورد وعينين جميلتين. لم يفعل سوى أنه خرج يهتف مع رفاقه، ربما من دون أن يفهم معنى هتافاته نفسها، عندما اعتقل وعذّب بسادية يعجز عن تحليلها فرويد نفسه وتلاميذه كلهم.
حقاً إن "مهيار وجهٌ خانه عاشقوه"، ولم يكن أدونيس نفسه إلا واحداً من خَوَنته.