أحمد الخطيب: "جدايل" عكس الشرق كما أراه

29 ابريل 2025
الشرق معقد ومتوتر ومؤلم (من الفنان)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أحمد الخطيب موسيقي متميز يجمع بين العود والتشيلو، مما يمنحه فهمًا عميقًا للثقافتين الموسيقيتين الشرقية والغربية، ويسعى لدمجهما في أعماله دون الانحياز لأي منهما.
- في عمله "جدايل"، استخدم المقامات لدمج الموسيقى الشرقية والغربية، معبّرًا عن تعقيدات الشرق وتوتراته من خلال طابع تجريبي فريد.
- بعد "جدايل"، قدم "زيد" الذي يميل للموسيقى الشرقية مع لمسات تجريبية، ويعمل حاليًا على "جدايل 2" لدمج الرباعي الوتري والتخت الشرقي.

تعلم أحمد الخطيب العود سماعاً تقليدياً، كما تعلم آلة التشيلو وفق النهج الغربي عبر النوتة. هذا التنوع ألزمه المراوحة بين ثقافتين موسيقيتين اختار أن يدمجهما في موسيقاه من دون أن ينحاز إلى أي منهما. وخلال عمله الممتد من معهد إدوارد سعيد في فلسطين، حيث عمل رئيساً لقسم الموسيقى الشرقية، إلى جامعة غوتنبرغ السويدية، حيث درّس بصفة أستاذ للتأليف والنظريات الموسيقية، أنتج الموسيقي العديد من الألبومات الموسيقية التي حملت رؤية متميزة، حاولنا التعرف إليها من خلال هذه المقابلة مع "العربي الجديد".

تعلمت العود بالطريقة التقليدية على يد أستاذ، كما تعملت على آلة التشيلو من خلال النوتة خلافاً للعود الذي يتيح مساحة من الارتجال. ما الذي حفز بداخلك هذا الاختلاف فنياً؟
لم أملك خياراً في ما يخص تعلمي العود سماعاً بالطريقة التقليدية، وكذلك التشيلو من خلال المدونات والمناهج المكتوبة. وقد كانت صدفة محضة، مع ذلك منحني هذا فهماً عميقاً ليس فقط للآلتين، بل لما هو أبعد، بالبناء والثقافة المتعلقة بكلتا الآلتين وتراثهما الممتد في حضارتين موسيقيتين مختلفتين. أعطاني هذا التنوع الفرصة لفهم الفوارق بين العالمين من جهة، والتشابه بينهما من جهة أخرى، فتعلمت من العود والموسيقى الشرقية الاعتماد على السمع والتحرر وفهم النص الموسيقي، أما التشيلو والموسيقى الغربية فقد استفدت منهما عبر التحليل والانضباط والوليفونية، إضافة إلى أهمية البناء الموسيقي.

في عملك "جدايل"، كان هناك احتشاد واسع للمقامات، ما الفكرة اللحنية وراء ذلك؟
تعرُّفي إلى العالمين الموسيقيين دفعني إلى البحث عن نقاط التقاء، وهذا ما قام عليه مشروع "جدايل". تستطيع أن تقول إن هذا الألبوم عمل تجريبي ومحاولة لكتابة نص مقامي مدعوم بخطوط هارمونية وبوليفونية، أساس تكوينها يعتمد على خصائص المقام وليس العكس كما جرت العادة، فاستخدمت التنوع والانتقال المقامي كبناء فني وحسي، فالانتقال والزخم المقامي يستهدف أحياناً خلق توتر أو انفراج حسي مرتبط بعلاقات الأجناس والنغمات أفقياً (لحنياً) تماماً كما يقوم مبدأ البناء الهارموني على أساس التوتر والانفراج في علاقات النغمات بعضها مع بعض عمودياً.

في هذا العمل أيضاً، اصطحبت العود إلى عالم البولوفونيك، لكن جاءت النتيجة مختلفة بدرجة كبيرة عن الشائع في مثل هذه التجارب. كيف تصف التجربة؟
العمل الفني كما أراه هو انعكاس للحالة النفسية التي يعيشها الفنان، لهذا لا أرى أن الغاية من العمل الفني بحث في عالم الجمال، بقدر ما هو انعكاس للواقع بطرق تعبيرية حسية، وعندما كتبت "جدايل" رفضت أن أقدم الوجه الشرقي للعمل وجهاً جميلاً ومسالماً وأليفاً، الشرق معقد ومتوتر ومؤلم، وفيه من البشاعة والقبح بقدر ما فيه من الجمال والبراءة، خاصة مع حالة الاحتلال والظلم والقتل والفقر والعجز أحياناً، لذلك أجد صعوبة في كتابة عمل موسيقي لا يحمل في طياته هذه العذابات والأحاسيس السلبية، وقد حمل "جدايل" كثيراً من الأحاسيس التي ربما تكون جارحة أو متوترة أو بعيدة عن نمط التعاطي مع الموسيقى الشرقية، الخلاصة أن هذا العمل عكس الشرق كما أراه.

في "زيد" الذي تلا "جدايل"، قدمت موسيقى أكثر شرقية أو تقليدية، وهذا قد يوحي وكأن الجديد ليس هو ما تبحث عنه. ما تعليقك؟
تجربة "جدايل" كانت متطلبة ومرهقة، لذلك شعرت بعدها بأنني في حاجة إلى التأمل في مناطق أخرى، ربما أقل جرأة إن جاز التعبير، لهذا جاء "زيد" أوضح هويةً، وإن لم يخلُ من التجريب، الذي تمثل في دمج العود مع البزق، مع أن بعضهم قد يضعهما في سلة الآلات الشرقية، لكن الحقيقة أن كلاً منهما ينتمي إلى ثقافة مختلفة، فالعود يرتبط بموسيقى الحجرة والموسيقى التقليدية النخبوية، في حين يرتبط البزق بسلالم وأجواء لحنية وإيقاعية تنتمي إلى الشعبية والفولكلور، لهذا فنادراً ما تجتمع الآلتان، لهذا رغبت في كتابة عمل يجمع الآلتين وما وراءهما من ثقافتين مختلفتين.

درست الموسيقى في فلسطين، ثم درستها في السويد. ما الذي اكتشفته عن الموسيقى العربية من خلال هذا المنظور الجديد، وكان قاعدة لأعمالك في ما بعد؟
منذ البداية وحتى اليوم، تعتمد تجربتي الموسيقية، من نواح كثيرة، على العيش في عالمين مختلفين، وهذا التنوع هو محرك ومصدر إلهام وبحث بالنسبة لي، مع حرصي على ألا يطغى أي من العالمين على الآخر بل يكون كل منهما رافداً للثاني، وذلك بحسب ما أودعه في موسيقاي من فكر، وطبعاً الأمر قد يختلف من موسيقي إلى آخر، بحسب تعريف كل واحد منهما لجوهر الموسيقى الشرقية ونظيرتها الغربية. يبقى العمل الإبداعي دائماً ذا طابع ذاتي، ومن الطبيعي أن نختلف حول كينونته وكيفية تلقيه. المهم أن نستمر في التجريب والبحث في هذه العوالم للوصول إلى طرق تعبيرية مختلفة.

ما المشروع الذي تعمل عليه حالياً؟
قريباً سأبدأ العمل مع الرباعي الوتري نفسه الذي قدمت معه "جدايل" من أجل مشروع "جدايل 2"، وستتوزع الموسيقى هذه المرة بين الرباعي الوتري والتخت الشرقي.

ما الذي سيمتاز به عن سابقه؟
ربما يكون من الأفضل الإجابة عن هذا السؤال بعد إتمام العمل، لكني أتصوّر أن وجود تخت شرقي (عود وقانون وناي) سيعطي بعداً صوتياً أكبر وأكثر تنوعاً، كما سيكون فرصة لتقديم صوت مختلف عن العمل الأول ويمثل خيارات لحنية متنوعة.

المساهمون