أتكون الأفلام المتشابهة مُتنفّساً للناقد أم مطلباً مهنياً؟

عن أفلامٍ متشابهة من دون جديد: أتكون مُتنفّساً للناقد أم مطلباً مهنيّا؟

01 أكتوبر 2021
جان ـ كلود فاندام: أين الجديد في سيرته المهنية؟ (مايكل بوكنر/ Getty)
+ الخط -

 

يُسأل الناقد عن سبب كتاباته المتلاحقة عن أفلامٍ غير جديرة بالكتابة النقدية عنها. يُسأل، لأنّ أفلاماً كهذه متتالية الإنتاج والعروض، كأنْ لا شيء آخر يُنجز، تطرح سؤالاً عن مدى استحقاقها الكتابة. هذا صحيح. للسينما أفلامٌ كثيرة، ومنصّات العروض وفيرة، والصالات في مدنٍ عدّة تعرض كلّ جديدٍ ممكن، وفي الجديد أفلامٌ جديرة بالمُشاهدة أولاً، والكتابة عنها تأتي لاحقاً.

لكنّ الأفلام المملّة والمتشابهة تحضر في المشهد السينمائي، ومأزق الكتابة عنها كامنٌ في أنّ التكرار يحضر هنا أيضاً، لصعوبة العثور على جديدٍ يُكتَب عن أفلامٍ متشابهة. الكتابة مطلوبة، وانفضاضها عن الاستهلاكي والساذج والمُسطّح ـ رغم التشابه الحاصل في الأفلام، وفي الكتابة عنها ـ يُصبح نوعاً من تشاوفٍ غير مُحبَّب، أو شيئاً من ادّعاء غير مطلوب. كثرة الأفلام، المتشابهة في إثارتها مللاً وتكراراً، تحرِّض على كتابةٍ، يحاول الناقد تحريرها من الملل والتشابه، وهذا صعبٌ، غالباً.

لن تكون المنصّات، المنتشرة بوفرة في عامي كورونا تحديداً، سبباً وحيداً لإنتاج أفلامٍ متشابهةٍ، في أنواع موزّعة على البوليسي والمافياوي والنفسي والاجتماعي والعائلي والكوميدي، وغيرها. هوليوود ترتكب فعلاً كهذا، منذ سنين، مع أنّ بعض استديوهاتها وشركات الإنتاج فيها، الأساسية وغير الأساسية، تجهد في تقديم جديدٍ يُثير انتباهاً واهتماماً، أو يُحاول أنْ يُثير انتباهاً واهتماماً. بلدان غربية أخرى، معروفة بكونها تصنع السينما، تُنتج أفلاماً متشابهة وأخرى يختلف أحدها عن الآخر، ويبتكر بعض الجديد، ويُحقِّق بعض المختلف.

نقّادٌ وصحافيون سينمائيون يتابعون، فالمتابعة أساس المهنة، والنقد لاحقٌ للمتابعة أحياناً، ومرافق لها أحياناً أخرى، مع أنّه أساسيّ أيضاً. اختيار ما يُكتب عنه جزءٌ من النقد، مع أنّ البعض يقول بأنّ عدم الاختيار مفروض على المهنة، فالصحافي السينمائي مُلزم بتقديم كلّ شيء، ومُطالَبٌ بالتعريف بكلّ شيء، إنْ يتمكّن من هذا، مع أنّ الجميع يُدركون استحالة متابعة كلّ شيء. الاختيار جوهر المهنة، النقدية والصحافية. لذا، فالكتابة عن أفلامٍ مستنسخة عن أفلامٍ تُشبهها جزءٌ من المهنة، مع أنّ نقّاداً عديدين غير مُكترثين بهذا الجانب من صناعة السينما.

 

 

يزداد الوضع سوءاً، حين يكون الناقد مُقيماً في بلدٍ لا يُتقن لغته، والأفلام المعروضة في بعض أبرز صالاته مدبلجة إلى لغته، وإلاّ فالترجمة إلى لغته تحتل الواجهة، وهذا سهل مع أفلام ناطقة باللغتين الإنكليزية والفرنسية، مع أنّ هذا نادرٌ، لأنّ الدبلجة تساعد المُشاهد على متابعة أحداث الفيلم وحواراته، بدلاً من الالتهاء بالترجمة. في المقابل، تُقدِّم المنصّات اقتراحاتٍ أخرى، مع أنّ بعضها غير مبالٍ بالجديد والتجديدي، فإذا بالأفلام المتشابهة والمُكرِّرة للمواضيع نفسها (وأحياناً للآليات نفسها في الاشتغال) تزداد وتتكاثر.

هذه معضلة: هل يترفّع الناقد عن أفلامٍ توصف بالاستهلاكية أو التجارية (والتجاريّ في السينما غير استهلاكي دائماً، فأفلام عدّة لستيفن سبيلبيرغ مثلاً تُعتبر تجارية لتحقيقها إيرادات كثيرة، مع احتفاظها بنسقٍ سينمائيّ غير استهلاكي، غالباً)؛ أم أنّ وظيفته تُحتّم عليه تنبّهاً إليها، ولو بين وقتٍ وآخر؟ أو ربما لديه ميلٌ إليها، لأنّها تُريحه، ولو قليلاً، من أفلامٍ مليئة بالأسئلة والنقاش والبحث عن جمالياتٍ مختلفة، أو عن معالجة مختلفة للجماليات؟ ألن تكون الأفلام المتشابهة والمُكرّرة، كالأفلام الاستهلاكية والتجارية، متنفّساً للناقد بين فيلم وآخر، يحرّضان على تفكيرٍ وتأمّل ومعاينة وتساؤلٍ؟

المساهمون