استمع إلى الملخص
- مسلسل "آثار جانبية شائعة" يستلهم من مؤامرات السبعينيات، ويركز على قضايا الصحة وشركات الأدوية، حيث تسعى شخصيات غريبة لاكتشاف فطر سحري يعكس الهستيريا المعاصرة في أمريكا.
- يتميز المسلسل برسوم متحركة جذابة وروح الدعابة، مقدماً نقدًا للنظام الصحي الأمريكي، ويعكس عبثية العالم المعاصر وتحديات الأفراد في سعيهم للثروة أو الهروب من الواقع.
في وقتٍ ما، كانت نظريات المؤامرة مادة فاتنة للمنتجات السمعية والبصرية. في الستينيات والسبعينيات، على سبيل المثال، ظهرت أفلام عديدة اعتمدت على هذا النوع من التكهّنات حول مواضيع من قبيل "الأسرار المظلمة للقوى التي تحكم العالم"، سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية أو خيالية. استمرّ هذا الشكل في أن يكون محورياً في أفلام الإثارة المعاصرة، (تتضمّن أي حبكة مجموعة كوماندوز "سريّة للغاية" تابعة لوكالة المخابرات المركزية تعمل لصالح منظمة أكثر سريّة). ولكن اليوم أصبح هذا القالب مجرد صيغة، أو مَورداً لكتّاب السيناريو لدعم أي حبكة عملياً. عندما تكون في شكّ حول كيفية حلّ مشكلة، فأفضل ما يمكنك فعله إضافة حبكة تتمحور حول المؤامرة وهذا كلّ شيء.مؤامرة
اليوم هناك عالم آخر تولّده نظريات المؤامرة. بفضل شبكة الإنترنت ودمقرطة الخطاب، يمكن لأي هراء أن يكون ذا مصداقية باعتباره مؤامرة دولية كبرى، بدءاً بما يحدث في قبو مطعم بيتزا حيث تُطهى حفنة من المتحرّشين بالأطفال، وصولاً إلى فكرة أن بعض حبوب معالجة الجرَب يمكن أن تشفي من السرطان. يدخل مسلسل "آثار جانبية شائعة" (Common Side Effects) مجالاً يحاكي مؤامرات السبعينيات (والمعاصرة أيضاً)، بتركيزه على مخاوف وإشكاليات مرتبطة بالصحّة، وشركات الأدوية، وقوتها الاقتصادية، وضغوطها السياسية.
عالِم نبات غريب الأطوار يرافق سلحفاته الأليفة. محقّقان غافلان من وكالة مكافحة المخدرات الأميركية. مديرٌ لشركة أدوية متعطّشة للربح. شابٌ واعد في صناعة الأدوية. عشّابٌ عجوز يسكن الغابة: كلّ هذه الشخصيات الغريبة تبحث عن فطرٍ أزرق سحري بإمكانه شفاء الأمراض والجروح الخطيرة، لوصوله إلى مستويات خفيّة من الوجود إذ يذوب الزمان والمكان. هذا على الأقل ما تشير إليه التسلسلات المخدّرة لمسلسل التحريك المكوّن من عشر حلقات التي تبدو غالباً إيماءات ودودة إلى عوالم الياباني هاياو ميازاكي.
المسلسل، الذي يشير عنوانه إلى الإعلانات التجارية المنتشرة على شاشات التلفزيون الأميركي (ودول أخرى) لأدوية شائعة تستلزم وصفة طبية وتحمل قائمة طويلة من الآثار الجانبية المرعبة، من ابتكار ستيف هيلي (الذي كتب لديفيد ليترمان) وجو بينيت (مؤلف المسلسل الاستثنائي Scavengers Reign)، ويتوافق تماماً مع هستيريا أميركا المعاصرة التي تسودها حركة MAHA تحت شعار "اجعل أميركا صحّية مرة أخرى". أمّهات الحركة اليساريات، والمناهضون الهستيريون للتطعيمات، واليمينيون كارهو الخبراء والسياسة، ومنظّرو المؤامرة، ووزير الصحّة الأميركي الحالي روبرت ف. كينيدي الابن... جميع ألوان هذا الطيف المتناقض يوحّدون قواهم ضد "أولئك الذين في القمّة"، الذين "يريدون إبقاءنا جميعاً مرضى من أجل جني الكثير من المال". هذا ما يقوله بطل هذه المسلسل، مارشال كوزو، الخبير المنعزل في علم الفطريات، الذي يمارس عمله على غرار ذا دوود في فيلم "ذا بيغ ليباوسكي" مرتدياً قميصاً مفتوحاً وصندلاً، ولحية غريبة، وسلحفاة تدعى سقراط تحت ذراعه، هارباً من مطارديه الذين يريدون القضاء عليه وعلى فطره السحري قبل أن يكتشف العالم أمره.
قد يكون هذا مرهقاً، تماماً مثل العديد من نشطاء MAHA. ولكنّ مبدعي المسلسل يمارسون عملهم بروح الدعابة والسخرية الهادئة (مثلاً، يتأمّل المحققان كوبانو وهارينغتون من إدارة مكافحة المخدرات الأنماط الجغرافية للهجمات الإرهابية والعلاقة بين الجزر والكرفس)؛ ولا يُعطى أي مجال للتهويل المهني الذي يمارسه "معلّمو الصحة" المفترضون على الإنترنت. وقع هيلي وبينيت في فخّ ظاهرة معاصرة أكثر أماناً: الانبهار بمركّبات الفطر والجراثيم، المُحتفى بها في "وثائقيات" و"دراسات" باعتبارها ذات قوى خيالية محتملة. لكن الأهمّ هنا التركيز على شخصيات متنوعة تسعى إلى تحقيق ثروتها في عالمٍ يزداد عبثية؛ من خلال الفوز باليانصيب، أو متابعة مهنة في الشركات الكبرى، أو الانسحاب بعيداً، أو حتى إطلاق النار في الغابة.
الكادرات الملوّنة مرسومة بخطوط اقتصادية وتعبيرات وجه دقيقة؛ ويثير المسلسل الإعجاب برسومه المتحركة الحيوية وإنتاجه الجذّاب، ليستوي حبكة مؤامراتية تشويقية تعتمد العديد من محطّات/وصفات أفلام الأكشن، وفي الوقت نفسه تُظهِر صورة لمجتمعٍ فقد شعور الانتماء. المنتج المشارك مايك جادج، الذي أعار صوته لمدير الأدوية المستقيل ريك، نجح سابقاً في خلق مثل هذه الصور الكاريكاتورية في مسلسلي "بيفيز وبوت-هيد" (Beavis and Butthead) و"ملك التل" (King of the Hill). ورغم سلسلة درامية من حرائق المنازل وتحطّم الطائرات وحوادث السيّارات، يجد هذا المسلسل روح الدعابة في ثنايا الشكوى من أن النظام الصحّي الأميركي الذي تهيمن عليه الشركات القوية لا علاقة له بالصحّة أساساً، وغالباً ما تكون مغامراته المُخدّرة أغرب من الحياة اليومية للشخصيات.
يتعرّض ريك، مدير شركة الأدوية الكبيرة، لضغوطٍ شديدة لأنه من المفترض أن ينقذ الشركة من دعوى قضائية بمليار دولار، بسبب الآثار الجانبية لدواء التهاب المفاصل؛ فيقول الرجل مستنكراً: "الاكتئاب والانتحار، ولا أحد يذكر مقدار الألم الذي خفّفناه". تشعر فرانسيس، زميلة مارشال القديمة في المختبر والآن مساعدة ريك، بالإرهاق؛ فهي تعمل في وظيفة سيّئة تحت قيادة ضعيفة، ويثرثر صديقها بعبارات مبتذلة حمقاء ويتقدّم لها بالزواج، كما أن رعاية والدتها المريضة باهظة التكلفة. وفي الوقت نفسه، لا يثق مارشال إلا في سلحفاته عندما يحاول إتاحة فطره السحري لعامّة الناس.
كل هذا لا يبدو بعيد المنال أبداً. يتشابك الفضول والابتذال والغرابة والمتعة بمهارة، ومارشال، الشخصية الرئيسية في هذا المسلسل اللافت، ليس مروّجاً لنفسه غاضباً مثل العديد من أعضاء حركة MAHA، بل ببساطة مشغول بالإبداع والخلق، حتى لو أن فطره المُعجز قد لا يكون قادراً على علاج كلّ شيء.