"وجع التراب"... القصة الكاملة لأشهر شارة مسلسل مغربي

"وجع التراب"... القصة الكاملة لأشهر شارة مسلسل مغربي كما يحكيها المؤلف

17 أكتوبر 2021
لقي المسلسل وأغنيته نجاحاً كبيراً (يوتيوب)
+ الخط -

لم ترسخ شارة مسلسل مغربي في عقول المغاربة مثلما رسخت أغنية مسلسل "وجع التراب" ذائع الشهرة في البلاد. "العربي الجديد" تحدث إلى مؤلف الشارة والموسيقى التصويرية للعمل، عن كيف بدأت قصتها بالصدفة وكيف كاد يتخلى عنها، وطريقة تعامله مع كلماتها وروحها السوداوية، والأحاسيس والكواليس التي رافقت عملاً لا يُنسى في تاريخ التلفزيون المغربي. 

"وجع التراب" مسلسل تلفزيوني درامي مغربي مقتبس عن الرواية الفرنسية "الأرض" للروائي الفرنسي إميل زولا. وتدور أحداثه حول العائلة والأرض والإرث، عندما قرر البطل "سيدي حمد" تقسيم أرضه على أولاده وهو على قيد الحياة، لتتوالى الأحداث، كاشفة له أن قراره كان خاطئاً. 

وشارة المسلسل وموسيقاه التصويرية من تأليف الموسيقي المغربي الكفيف عبد الفتاح نكادي، بمشاركة فرقة النورس. عزف على العود في الشارة عبد الحق تيكروين من الفرقة وعلى الكمان منير أخضر، وأدى الكورال والآهات كل من عبد الفتاح نكادي نفسه مع عبد الحق وكمال الكاظمي. أما الصوت النسائي الرئيسي في العمل فكان للمغنية خديجة عمودي، من فرقة النورس كذلك.

 

بدأت رحلة الشارة الشهيرة بالصدفة. يقول نكادي لـ"العربي الجديد": "وصلتني أخبار من بطل المسلسل أمين الناجي، بأن فريق المسلسل يحتاج إلى موسيقى تصويرية. أخبرني صديق أنني لن أخسر شيئاً إذا ذهبت. وهكذا فعلت، انطلقت إلى منطقة سيدي قاسم حيث كانت تجرى أطوار تصوير المسلسل. لم أكن أعرف شيئاً عن فكرة المسلسل أو موضوعه حتى".

كانت لنكادي بدايات مع التمثيل على خشبة المسرح، ثم قفز إلى مركب الموسيقى، "استوهتني كتابة الموسيقى المسرحية واشتغلت مع العديد من الفنانين الكبار من طينة الطيب الصديقي ومحمد سعيد عفيفي وأحمد السنوسي، ثم جاءت فرصة كتابة الموسيقى لمسلسل". 

يتابع نكادي: "وصلت إلى منطقة سيدي قاسم، عند الرابعة والنصف صباح، أخذت لي مكاناً بين الممثلين ونمت، عند العاشرة بدأ العمل، وصل المخرج شفيق السحيمي، حملت آلتي الموسيقية من العاشرة صباحاً حتى الثالثة عصراً، ناقشنا فيها لحن المسلسل، رفض منحي السيناريو وقال لي إنه لن يفيدني وإنه يتغير باستمرار".

تحدث الفنانان عن الفكرة الأصلية ثم عن كيف سيتم وضعها في سياق مغربي، وعن العلاقة الإنسانية والعائلة والأرض والمشاكل. "ثم لاحظت أن اللهجة المستخدمة سوف تكون اللهجة البدوية المغربية".

في البداية كان المخرج يفكر في موسيقى عالمية يمكنها أن تتماشى مع الفضاء المغربي، نكادي لم ترقه الفكرة، ومع توالي الوقت بدأت عزيمته تفتر. يقول نكادي: "كدت أستسلم، لقد تعبت وأنا أقدم الجملة الموسيقية تلو الأخرى والمخرج يرفضها". 

ناقش الرجلان هل يجب إضافة كلام إلى شارة المسلسل. طلب نكادي من السحيمي كلمات، لكنه لاحظ أنها لا تخضع لتقطيع إيقاعي يساعد على تحويلها إلى أغنية، كان عليه إضافة عبارات مثل "سيدي" التي تميز الأغنية النهائية كما يعرفها المغاربة اليوم. 

بالرغم من أنه كاد يستلم، إلا أن السحيمي قدم له الدعم والتشجيع. يقول نكادي: "أردت أن أربح هذه المغامرة، لقد تعبت وأردت الذهاب لكنني رفضت الفشل. وبالرغم من أنني كفيف أعطاني السحيمي الثقة وجعلني أثق بما أفعله". 

الصورة
عبد الفتاح النكادي

عبد الفتاح النكادي مؤلف الشارة (يوتيوب)

موسيقى
التحديثات الحية

موسيقى مدفونة

الرحلة نحو اختيار نوعية الموسيقى والآلات أخذت بدورها حيزاً من البحث. عثر نكادي أثناء التنقيب على مقامٍ نادر في الموسيقى الشعبية الحصباوية المغربي لا يستخدم كثيراً، وهي موسيقى حيث الجملة الإيقاعية الأولى لا تشبه الثانية، وهو ما منح الفنان حرية أكبر في صناعة الأغنية الشهيرة كما نعرفها اليوم، ساعدته في ذلك دراسته الأكاديمية التي جعلته يلجأ إلى أدوات لا تستخدم كثيراً في الفن الموسيقي المغربي. 

أضاف نكادي سمة موسيقية حزينة تلمس مقام الصبا لكنها تبقى بياتي مغربياً، لتزيد حزن الكلمات

ويعرف الناس الأغنية بصوت خديجة عمودي، من فرقة النورس كذلك، التي يقول نكادي إنه اختارها لأنها تتمتع بالإمكانات الكافية للتعبير كمغنية شاملة تغني الشرقي والمغربي، وصوتها كان صالحاً لأداء هذا العمل، كما أنها أحست بالأغنية وأعجبتها. 

كلمات مغرقة في الظلمة

تقول كلمات الأغنية: 
سيدي أحمد ضيف عند المحاين نازل
البغض فاتل خيوط المغازل
داره ما بقات وجه الدوار
ودواره عالمحنة عازل
شكون يكاد لسيدي أحمد لعمامة
راه ما حنا فيوم لزمان قامة
وسط الريح ولمطار شحيح
خبار الناس يا خويا في الناس نبيح

وترجمة كلمات الأغنية تقول: "سيدي أحمد (بطل المسلسل) ضيف عند المحن نازل. بيته لم يعد الوجه المشرق للقرية والقرية اعتزلات العاطفة. من يرتب لسيدي أحمد العمامة لقد صرنا في زمان بلا قيمة. وسط الريح المطر شحيح، أخبار الناس عند الناس نباح".  

كلمات شارة المسلسل يصفها نكادي لـ"العربي الجديد" بأنها "مثل الدوامة"، ترسم صورة سوداوية للشخصية الأساسية في المسلسل، كيف قَلَّت قيمته وكيف لم يكن ينحني لكن الزمن تغير. بعدها تختفي كلمات الأغنية وتنقلب إلى همهمات فقط. يفسر نكادي ذلك بأن الغناء بفم مغلق يعبر عن الموت وانتهاء الكلام. 

شهرة واسعة

من اللحن إلى التوزيع مروراً بالكلمات اكتملت الفكرة لينتقل الجميع فوراً إلى الاستوديو.

يقول نكادي إن الفريق لم يفكر حتى في المقابل المادي كما يجب، كانت المفاوضات عادية والربح بسيطاً، لكن العمل فتح الباب على مصراعيه أمام نكادي في عالم تأليف الموسيقى التصويرية. 

وحققت شارة المسلسل شهرة واسعة توازي شهرة المسلسل وتعلق المغاربة بشخصياته، وقد صارت أغنية المسلسل رنة في الهواتف ويحفظها الكبير والصغير. 

يرجع نكادي سر نجاح شارة المسلسل إلى نجاح المسلسل نفسه، لكن كذلك إلى كونها لمست مشاعر المغاربة. 

اليوم، عندما يتذكر نكادي نجاح هذه المقطوعة، ينفي أنه أحس للحظة بالغرور، ويتمنى لو أنه ينساها وتُمحى من ذاكرته لينجز شيئاً بنجاحها، ويتمنى لو تتاح له فرصة مماثلة لإنجاز المزيد.

المساهمون