"واتساب" يحظر صحافيين فلسطينيين: حصارُ الرواية

"واتساب" يحظر صحافيين فلسطينيين: حصارُ الرواية

31 مايو 2021
استهدف الاحتلال صحافيين فلسطينيين ثم حظرتهم مواقع التواصل (محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -

كما تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القدس المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة مؤخراً، كانت تضييقات وانتهاكات منصات التراسل والتواصل الاجتماعي تتصاعد بحق المحتوى الفلسطيني. وكان من المُثير للغرابة انضمام تطبيق "واتساب" إلى ركبها مؤخراً، والذي حجب خدمته عن حوالي 100 صحافي في غزة وبعضهم في الضفة الغربية، وفق ما أصدرته نقابة الصحافيين الفلسطينيين، ما أثار مخاوف الصحافيين الفلسطينيين عموماً حول امتداد التضييق عليهم في الميدان، ثم في الفضاء الإلكتروني الذي يُعتبر وسيلةً لفضح انتهاكات الاحتلال، وهامشاً افتراضياً سريعاً لتبادل المعلومات حول تصعيد الاحتلال. فكيف يكون عملهم وهم محاصرون من الطرفين؟

يخشى الصحافي محمد الأطرش وصاحب شركة "سبيس ميديا" المختصة بالإعلام الاجتماعي والمحتوى الرقمي على المساحة "الرقمية" التي يحاول عبرها الصحافي الفلسطيني ممارسة عمله، وكذلك وصوله إلى "مصادر الخبر" عبر الفضاء الافتراضي، إذا ما استمر تضييق منصات التواصل الاجتماعي على المحتوى الفلسطيني عموماً، والذي سيدفع الصحافيون خاصة الضريبة الأثمن لهذه الحرب التقنية، التي واجه الفلسطينيون أولى جولاتها عام 2015 حين بدأ المارد الأزرق بفرض قيوده على المحتوى الفلسطيني، وتبعته تدريجياً منصات أُخرى أبرزها تويتر وتيك توك حديثاً.

يقول الأطرش لـ"العربي الجديد": من الواضح أن جهداً كبيرا تبذله دولة الاحتلال الإسرائيلي مع شركة جوجل؛ للضغط على الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي، ومن المؤسف أن حجم الاستجابة عالٍ لمحاربة المحتوى الفلسطيني، في الوقت الذي يكون فيه المحتوى الإسرائيلي التحريضي والمُضلل على حاله ولم تتم محاربته من قبل الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي".

حجب "واتساب" خدمته عن بعض الصحافيين دليل افتضاح جديد ضد التطبيق العالمي الذي من المفترض أن رسائل المستخدمين عبره "مُشفرة" لا يمكن لطرفٍ ثالث الاطلاع عليها أو مشاركتها، بما فيها شركة واتساب نفسها

بات الصحافي الفلسطيني يستشعر المزيد من الخطر على خصوصية المعلومات "المهنية" التي يبحث عنها على "واتساب" أثناء تبادل الأخبار والمعلومات مع باقي الزملاء، والتي قد تنقلب، بحسب الصحافي محمد الأطرش، إلى أدوات إدانة للصحافيين تُسلط على رقابهم، وتُمكن من ملاحقتهم، خاصة أن الصحافي الفلسطيني يعمل تحت ظروف مختلفة بحكم وجود الاحتلال. ويُشير الأطرش إلى أن حجب "واتساب" خدمته عن بعض الصحافيين مؤخراً ما هو إلا دليل افتضاح جديد ضد التطبيق العالمي "واتساب" الذي من المفترض أن رسائل الأفراد والمستخدمين عبره "مُشفرة" لا يمكن لطرفٍ ثالث الاطلاع عليها أو مشاركتها، بما فيها شركة واتساب نفسها.

أكد نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، تحسين الأسطل، أن "نحو مائة صحافي" في قطاع غزة حُجبت حساباتهم على واتساب في الأيام الأخيرة، وهو ما حصل فوراً بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال وفصائل المقاومة في غزة، ليل الخميس - الجمعة الماضي، من دون تبرير الأسباب عند الحجب أو عند إعادة الحسابات، كما حصل مع صحافيين في "الجزيرة" إثر تواصل الشبكة مع شركة "فيسبوك". من جانبه، قال متحدث باسم "واتساب" إن الشركة تحظر الحسابات بما يتفق مع سياساتها "لمنع الإيذاء ووفقا للقانون المعمول به"، بعد الجدل الذي أثاره الحجب يوم الثلاثاء الماضي. كما ذكرت الشركة أنها كانت على اتصال بوسائل إعلام خلال الأسبوع الماضي لتوضيح ممارساتها. وأضافت "سنعيد إتاحة حسابات الصحافيين إن تأثر أي منها بذلك".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

لكن حجب مجموعات صحافية فلسطينية خاصة في غزة على التطبيق، بحجة تبادل معلومات "عسكرية" تتعلق بحركات المقاومة في قطاع غزة، علماً أن تطبيق المراسلة المملوك لشركة فيسبوك، ما زال يواجه سيلاً من الانتقادات حول قواعد استخدام جديدة تتيح مشاركة بيانات مستخدمي واتساب مع معلنين محتملين على فيسبوك، ما قد يعني مشاركة المزيد من بيانات ملياري مستخدم حول العالم، بما فيها رسائل مشفرة، تنفي واتساب حصول ذلك، لكن ما حصل مع صحافيين فلسطينيين يؤكدها، ويُثبت أن الحالة الفلسطينية ما هي إلا "كبش فداء" لتجربة سياسات منصات التواصل الاجتماعي وحقل اختبار "بغيض" لقواعد استخدامه، التي يراها بعض المراقبين قد أوغلت في "العنصرية" ضد الفلسطينيين مؤخراً.

بدورها، تؤكد مديرة المناصرة المحلية في حملة تطوير الإعلام الاجتماعي، منى إشتية، لـ"العربي الجديد"، رصد "المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي" تصاعد انتهاكات منصات التراسل والتواصل الاجتماعي ضد الحقوق الرقمية الفلسطينية، وسط حالة من الغموض و"غير المُبرر"، التي دفعت واتساب مؤخراً إلى حجب خدمة عن صحافيين لا يتبنون دوراً مُتطرفاً مثل مستوطنين من "اليمين الإسرائيلي" التي تداولت بعض المواقع خبر إغلاق قرابة 30 مجموعة على واتساب، بسبب تحريضها على فلسطينيين.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

ومنذ تاريخ السادس من مايو/أيار الجاري إلى التاسع عشر من الشهر نفسه، رصد المركز العربي أكثر من 500 حالة انتهاك، بلغت على موقعي "إنستغرام" و"فيسبوك"، وتملكهما بالإضافة إلى واتساب شركة فيسبوك، 85%؛ بينهم 35% على فيسبوك و50% على إنستغرام، وذلك من مجموع الحالات التي تم رصدها بباقي النسبة إلى تطبيقي تويتر بحوالي 11% وتيك توك بنسبة 1%، وذلك ما بين حذف الحساب أو إيقافه بشكلٍ مؤقت أو تقييد الحساب وتقييد الوصول إليه وحذف المحتوى، بالإضافة إلى حذف "الهاشتاغات" (الوسوم).

وتشير إشتية إلى أن جزءاً من تلك الحسابات تم إرجاعها، وجزءاً منها قيد البحث مع شركات التواصل الاجتماعي التي تجمعها شراكة مع حملة المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، والتي تطالب مستخدمي مختلف منصات التواصل الاجتماعي في فلسطين بالتواصل معها، وتعبئة نموذج حول أي تضييق على حقوق المستخدم الرقمية. خاصة أن شركة تويتر مؤخراً أرجعت 89% من مجمل 55 حساباً فلسطينياً تم حذفها، تقول إشتية، والتي تؤكد في الحين نفسه تواصل الحملة مع منصات التواصل الاجتماعي من أجل حذف أي محتوى تحريضي على الفلسطينيين، خاصة في مدن الداخل المحتل من قبل حركات يمينية واستيطانية متطرفة.

يؤثر حجب واتساب للصحافيين على مختلف الحقوق الرقمية، أهمها حرية الرأي والتعبير، والحق في الوصول للمعلومات، وهي حقوق مقرونة بشكل أساسي بالعمل الصحافي

وتنظر مديرة المناصرة المحلية في "المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي"، منى إشتية، بعين الخطورة إلى خطوة "واتساب" بحجب الخدمة عن صحافيين فلسطينيين؛ إذ يؤثر ذلك على مختلف الحقوق الرقمية، أهمها حرية الرأي والتعبير، والحق في الوصول للمعلومات، وهي حقوق مقرونة بشكل أساسي بالعمل الصحافي، بل تشكّل قاعدة وصول للصحافيين، الذين اضطر بعضهم للانسحاب إلى تطبيقات أخرى في التراسل السريع؛ مثل واير وتيليغرام وسيغنال.

بدوره، يُشدد المختص في الإعلام الاجتماعي والحقوق الرقمية، الصحافي محمد الأطرش، على ضرورة أن تلعب الجهات الرسمية الفلسطينية، بما فيها الحكومة، دوراً محورياً في مواجهة الحرب "الضروس" التي يشنها الاحتلال على المحتوى الرقمي الفلسطيني، مستخدماً أدواته الضاغطة على منصات التواصل الاجتماعي. ويقول الأطرش لـ"العربي الجديد" بلغة تنبيهٍ حازمة: "على الحكومة الفلسطينية وجهات الاختصاص أن تمارس ضغوطاً على الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي، إذ يبدو الجهد الرسمي الفلسطيني في التصدي لمحاولات الاحتلال محاربة الرواية الفلسطينية رقمياً، غير مضاهٍ بالمرة للمستوى الذي تتعامل وفقه مؤسسات الاحتلال. والحكومة الفلسطينية مطالبة بتطوير أدواتها وتغيير خطابها في هذا الإطار الذي يجب أن يأتي منسجماً أيضاً مع التطور الحاصل في مجال الرقمنة؛ عبر خلق لوبي فلسطيني رقمي محترف. فمن غير المعقول أن يمر الفلسطيني بمرحلة مشابهة لما نمر بها اليوم، وليس لدينا مؤسسة حكومية قادرة على مخاطبة منصات التواصل الاجتماعي، بما يرقى إلى مستوى الأهمية".

المساهمون