"ميتافيرس" وأسباب محتملة للفشل

"ميتافيرس" وأسباب محتملة للفشل

26 نوفمبر 2021
سباق بين عمالقة التكنولوجيا حالياً نحو عالم "ميتافيرس" (Getty)
+ الخط -

يسوق البروفيسور إيثان زوكرمان في مقال منشور في مجلة "ذي أتلانتيك"، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عدداً من الحجج لفشل عالم "ميتافيرس" الذي وعدت به "فيسبوك" أخيراً، تحت عنوان "مهلاً، فيسبوك، أنا اخترعت ميتافيرس قبل 27 عاماً".

زوكرمان كان يعمل مديراً لمركز الإعلام المدني في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" MIT، إلى جانب كونه باحثاً ومدوناً وناشطاً سايبرانياً، كما أنه مخترع الإعلانات المنبثقة التي تطاردنا في كل مكان. منتصف التسعينيات، قام زوكرمان وصديقه دانيل بيك باختراع و"تكويد" أول نسخة من العالم الافتراضي التي كانت محدودة وبطيئة، لكنها في ذات الوقت، كانت تمثل "المستقبل" ذاته الذي يحلم به مؤسس "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، حالياً، والذي يبدو أننا لن نصل إليه أبداً. بالطبع، نهمل هنا الاختلاف الضئيل بالدقة و"الواقعية" بين العالمين الافتراضيين، كونها عوامل كانت أيضاً متوقعة منذ لحظة الاختراع الأولى، وأكد عليها زوكربيرغ نفسه.

يعلق زوكرمان في المقال على الفيديو الترويجي الذي بثته شركة "ميتا" أخيراً (فيسبوك سابقاً)، ويظهر فيه زوكربيرغ وزملاؤه ليكشفوا لنا عن "المستقبل"، وما يخفيه عالم "ميتافيرس" من احتمالات. وهنا، أربع حجج قمنا بصوغها بناءً على مقال زوكرمان. هذه الحجج تحاول إثبات أننا شهدنا فشلاً من دون أن يدري الكثيرون منا ذلك:

"ميتافيرس" رديء: نقصد برديء، هنا، أن ما شاهدناه لا يشكل قفزة نوعية تختلف عما سبقه من عوالم متخيلة أو افتراضيّة، حتى أنه لا يختلف عما تقدمه لعبة "الحياة الثانية" Second Life. ويذكر لنا زوكرمان، في هذا السياق، كيف أن الـ"أفاتارات" التي يتبناها زوكربيرغ ليست فائقة الدقة؛ أي ليست كما نرى في لعبة فيديو تقليدية مثلاً. كما أن الكثير من المساحات الافتراضيّة خلف زوكربيرغ، ليست إلا صوراً ثابتة، أي ليست عناصر ثلاثية الأبعاد تتحرك وتختلف حسب حركة الـ"أفاتار" ووجهة نظره.

"ميتافيرس" ممُل: لا يقدم "ميتافيرس" ما هو مميز، بل إن العرض نفسه الذي قدمه زوكربيرغ لا يحوي ما هو جديد، كل ما فيه موجود منذ عشرين عاماً؛ فأن نشاهد اثنين يلعبان الشطرنج في مكانين مختلفين ليس بالجديد. كما أن تغيير شكل قاعة الاجتماعات، أو مكان وجود الـ"أفاتارات" (سطح المريخ، شاطئ... إلخ)، كلها ميزات متوافرة من قبل، بل حتى مشاهدة فيلم معاً، أو اللعب مع الأصدقاء، كلها أمور متوافرة بصورة أشد فعالية ودقة أعلى، في حال استخدمنا منصات أخرى.

"ميتافيرس" خال من المخيلة: المقصود بخال من المخيلة أنه لا يقدم نفسه كرائد أو سبّاق، فنموذج العمل الذي يتبناه ليس بجديد (قدم لنا معلوماتك مقابل تلقي الإعلانات)، بل يشير إلى أن التجارب السابقة كانت أشد فعالية، إذ استفاد الناشطون مثلاً من لعبة "الحياة الثانية" للتواصل في ما بينهم هرباً من الرقابة، كما حاول الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان استخدام اللعبة للإضاءة على الشروط السياسية التي يمر بها القاطنون في مساحات قمعية، وهذا بالضبط ما لم يفعله زوكربيرغ، ناهيك عن تجاهله التام للإشكاليات السياسية والتغيرات السوسولوجية التي تسبب بها "فيسبوك"، والتي هددت مفهومنا عن الديمقراطيّة.

"ميتافيرس "محاولة لتبييض السمعة والكسب من السوق الجديد: لا يمكن إنكار أن السعي نحو عالم "ميتافيروس" وتغيير اسم شركة "فيسبوك" إلى "ميتا" كان جزءاً من سياسية تسويقية لتفادي الفضائح المتتالية التي هددت عملاق التواصل الاجتماعي، والتي أفقدت الكثيرين الثقة به وبما يقدمه من خدمات. أما السوق الجديد، فالمقصود به هو إمكانية شراء السلع الرقمية ، أو "أن إف تي"، واستعراضها في العالم الافتراضي، الأمر الذي لا يتميز فيه "ميتافيرس" عن العوالم الأخرى التي تبنى حالياً.

لكن الواضح، أن "فيسبوك" تحاول خلق بيئة اقتصادية ضمن "ميتافيرس"، تتيح للفرد استعراض ما يشتريه في مساحات متعددة، كأن نشتري زي زوكربيرغ الذي استعرضه في الفيديو (قميص أسود وبنطال جينز)، والتجول به في العالم الافتراضي، أي إطالة فترة استعراض السلع عبر خلق عالم قادر على استيعابها واستعراضها في مختلف السياقات.

المساهمون