"موارد بشرية"... فراشة الحب تحلق حول وحش الهرمونات

"موارد بشرية"... فراشة الحب تحلق حول وحش الهرمونات

23 مارس 2022
يمزج العمل بين مسلسلي The Office وBig Mouth (نتفليكس)
+ الخط -

لم يكن من السهل الكتابة عن مسلسل Big Mouth، الذي يتناول حياة المراهقين وعلاقتهم مع أجسادهم ومع من حولهم. ليس فقط بسبب المواضيع الحساسة والمضحكة التي يتناولها، بل أيضاً بسب كمية البذاءة والفحش الموظفة فيه، تلك التي يقول عنها نيك رول، مبتكر المسلسل، إنها تعكس ما يدور في عقول المراهقين، وما كان يفكر فيه حين كان صغيراً.
اكتسب المسلسل شهرة كبيرة بسبب محتواه الكوميدي، وسخريته من الأخلاقيات المتزمتة؛ إذ أُنتجت منه خمسة مواسم بثتها شبكة "نتفليكس"، التي عرضت أخيراً ما يمكن تسميته انعطافاً عن المسلسل الأصلي؛ مسلسل كرتون يحمل اسم Human Resources (الموارد البشريّة) الذي أعلن عنه عام 2019، قبل أن يرى النور هذا العام.
يصف المسلسل نفسه في الحلقة الأولى بأنه مزيج من Big Mouth وThe Office، أي هو كوميديا تتناول مكان العمل، والمقصود هنا الشركة المسؤولة عن "وحش الهرمونات"، و"صخرة المنطق" و"فراشة الحب"، وغيرها من الشخصيات التي شاهدناها في Big Mouth، ونتعرف على حياتها بعيداً عن واجباتها "البشريّة"، تلك التي تتحول إلى مهام بيروقراطيّة لا بد من إنجازها للحفاظ على "حياة" الزبائن.
لن نشير إلى مقدار البذاءة والفحش في هذا المسلسل، ونترك ذلك لمخيلة من يشاهده. لكن اللافت هو التصور الذي يقدمه المسلسل عن النفس البشريّة، تلك المتجسدة في القوى التي تتحكم بها بشكل شخصيات كدودة الكراهية، وشبح العار، وقطة الاكتئاب، وعلاقاتهم الملتوية كموظفين وعشاق. اللافت، أيضاً، أنهم يتحركون ضمن بنية أو هيئة قائمة على أساس تضارب المصالح بينهم، وتنوع وظائفهم، التي تهدف إلى تحقيق الأفضل للإنسان/الزبون. لكن هناك مساحة خفية ضمن هذه البنية التي يمكن تسميتها "اللاوعي" وكائناته، تتمثل بعالم "السحر"، ذاك الذي يمكن التسلل إليه عبر فتحة في المصعد، عالم لا تؤخذ فيه الأفكار على محمل الجد، كونه قائماً على التمني والعواطف والأحلام والتعاويذ، وليس الفعل والرغبة بتحقيق الأفضل.


لا يمكن إنكار ذكاء المفارقات في المسلسل، سواء كنا نتحدث عن أسلوب تمثيل الكائنات (المنطق صخرة من الصعب زحزحتها من دون إقناعها، الحب فراشة لطيفة مستعدة لإفناء ذاتها وزبونها)، أو العلاقات التي تجمعها؛ فشبح العار في علاقة غرامية مع قطة الاكتئاب، وغولة الطموح، بالرغم من أنها مخادعة، لكنها معجبة بفراشة الحب. هذا الإعجاب المتبادل ينتج عنه نجاح "الزبون" المسؤولتين عنه.
هنا، يبرز مفهوم النفس البشريّة، الصراع بين هذه الشخصيات/الرغبات هو ما يتحكم بخياراتنا، لتبدو النفس البشرية أشبه بحلبة صراع لا بد من أن تنتصر فيها رغبة على أخرى. بالضبط كما يحدث في رؤوسنا حين نختبر الواقع الذي نعيشه ومصاعبه وتحدياته، فالوحوش تمثل الأفكار التي تراودنا والتي تتصارع فيما بينها، وعلينا نحن المفاضلة بينها لاختيار الأشد إقناعاً، لا ما هو أفضل لنا.
لا نعلم بعد ما هو مستقبل المسلسل، خصوصاً أن عوالمه لم تتسع لتشمل مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، والتعليق عليها كحالة South Park، وThe Simpsons، ناهيك عن أن المسلسل يراهن على البذاءة والسخرية الساتيريّة، أي أن محاولات التجريب ضمن الشكل الفني، التي شاهدناها في الموسم الأخير من Big Mouth، لم تظهر في هذا المسلسل.

سينما ودراما
التحديثات الحية

نتحدث هنا عن تغيير أسلوب تحريك أفلام الكرتون، أو دمج المؤدين بشكلهم الواقعي مع شكلهم الكرتونيّ، كما لا نعلم مثلاً إلى أي حد ستستطيع عوالم "السحر" وتطوير الذات وعلوم الطاقة، في المسلسل، الاستقلال، وتقديم نموذج عن الشخصيات التي يؤمنون بها وبأثرها، ما قد يشكل مادة كوميدية دسمة، قد تثير الجمهور أو تغضبه، كون تيار "تطوير الذات" في الولايات المتحدة، وفي العالم، أصبح له أتباع، أشبه بطائفة يمنع انتقادها بسبب لطفها المفرط، وتركيزها على تطوير الفرد وعلاقته مع ذاته، بعيداً عن كل الخراب الذي نشهده، وهشاشة مفهوم الذات نفسه.

المساهمون