لسنوات طويلة، بقيت الولايات المتحدة الأميركية، متربعة على عرش بطل العالم الأولمبي لكرة السلة، بأكبر عدد من الميداليات الذهبيّة. هذا الشأن لا نقاش فيه، حتى عندما قام الاتحاد السوفييتي عام 1972 بالغش، وانتزع الذهبية من أيدي الأميركيين، بقيت الأخيرة بطلةً. لكن المفاجأة أن اللعبة لم تعد أميركيّة، وخسرت الولايات المتحدة عام 2004، وتوجت بالبرونزية. الفريق المؤلف من نجوم الرابطة الوطنية لكرة السلة (إن بي إيه) تحول إلى أضحوكة عالمية بعد أن أخسر أمام الأرجنتين.
نكتشف حكاية استعادة الولايات المتحدة للصدارة في الوثائقي الذي بثته "نتفليكس" أخيراً بعنوان "فريق ردّ الاعتبار" The Redeem Team. يحاكي الفريق ذلك الذي اشتُهر عام 1992، وكان أول فريق يحوي لاعبين من "إن بي إيه"، كـماجيك جونسون ومايكل جوردن، لكن هذه المرة، نحن أمام فريق يحاول استعادة اللعبة والفخر الوطني.
بدأ الأمر بالهزيمة التي تلقاها الفريق نفسه عام 2004 في أثينا. حينها، تدخلت العديد من الشروط، أولاً نجومية اللاعبين كانت مشكلة، لأن كلاً منهم يعتبر نفسه "الأفضل"، وخلق كيمياء بينهم ليس بالأمر السهل. ناهيك عن أن الولايات المتحدة نفسها لم يكن مرحباً بها إثر غزو العراق؛ فاضطر الفريق إلى قضاء طوال فترة الألعاب الأولمبية على سفينة في ميناء أثنيا تحت حماية الجيشين الأميركي واليوناني، وكأنهم منفيون من التجربة الأولمبية بأكملها.
بعد الهزيمة هذه، أصبح الأمر جدياً، وتحولت أولمبيات بكين عام 2008، إلى لحظة مصيرية، لا بد لهم من النصر. وهنا، انضم إليهم كوبي براينت (رحل في عام 2020)، وقاد الفريق عبر التخلي عن نجوميته، ومحاولة استعادة هيبته التي فقدها أثناء اللعب مع "إن بي إيه"، ناهيك عن ضم مدرب جديد، هو مايك كريزيوسكي، أو المدرب كيه، ذو الخلفية العسكرية الذي أراد أن يحول الفريق من مجموعة نجوم يلعبون معاً إلى فريق أميركي يلعب لأجل وطنه.
يكشف لنا الوثائقي عن كيفية فقدان الولايات المتحدة للصدارة، وتحول "إن بي إيه" إلى هدف للاعبين من مختلف أنحاء العالم، إذ أصبحت تضم لاعبين دوليين، أولئك أنفسهم نافسوا الولايات المتحدة ضمن فرقهم، وكشفوا عن أسلوبهم باللعب الاحترافي، القائم على المهارة والتعاون، وليس استعراض المهارات الفردية والإمتاع على حساب اللعب كفريق، كما في "إن بي إيه". وهذا بالضبط ما حاول المدرب كيه أن يغيره. لاعبو الولايات المتحدة قادرون على اللعب كفريق، وعلى الانتصار، فالمسألة وطنية الآن، واسم الولايات المتحدة نفسه مهدد.
انضمام كوبي براينت اللاعب المخضرم، والروح العسكرية التي ملأت الفريق، كانا سبباً في فوزه. لكن اللافت أن اللعبة نفسها تغيرت، ولم تعد حكراً على "إن بي إيه"، كون الأخيرة تضم اللاعبين الأفضل. وهذا بالضبط ما شكل صفعة لفريق الولايات المتحدة. تحجج بعضهم باختلافات طفيفة في قوانين اللعب، لكن الأمر ليس كذلك. "إن بي إيه" تسعى، نهايةً، إلى الربح المادي؟ الفرق تباع وتشترى، وصفقات الإعلانات تعتبر الأعلى عالمياً، وهذا ما هدد روح الفريق الأميركي. من يلعب لأجل المال، يختلف عمن يلعب لأجل وطنه أو لأجل الفوز.
ينتهي الفيلم باحتفاء الفريق بفوزه على المنتخب الإسباني، وتأكيد أن الولايات المتحدة قادرة على تكوين فريق، وليس مجرد نجوم. كيف؟ ليس عبر الروح الرياضية، أو تطوير تقنيات اللعب، بل بتبني الروح العسكريّة، واللعب لأجل الوطن، ذاك الذي عمد المدرب كيه على بنائه، عبر استحضار جنود وأبطال حرب ليتحدثوا للفريق عن معنى التضحية في سبيل الآخر وحماية اسم أميركا، ما يخلق شعوراً غريباً لدى المشاهد. الأخلاق الرياضية لا يمكن مقارنتها بتلك العسكريّة. ببساطة في الرياضة نحن لا نلعب ضد "أعداء" بل مع "زملاء"، صحيح أن الفريق الأميركي حافظ على أنبل الأخلاق الرياضية، لكن مقاربة كهذه لا يمكن تجاهلها.