"فخّ" المصرية ندى رياض: بساطة تصوير تعكس قسوة بيئة وعيشٍ

"فخّ" المصرية ندى رياض: بساطة تصوير تعكس قسوة بيئة وعيشٍ

23 ابريل 2021
ندى رياض: تكثيفٌ درامي لقصّة مُتدَاولة (غبريال باريجا/ وايرإيماج)
+ الخط -

علاقة آية (شذى محرم) بإسلام (إسلام علاء) غير سليمة. يتمثّل هذا بتصرّفات آية، وبعض التصرّفات مرهونٌ بمكانٍ يذهبان إليه للقاء بعيدٍ عن الجميع، إذْ يُفترض به أنْ يكون حميماً بينهما. ارتباكها غير مرتبطٍ فقط برهبة اللقاء في مكانٍ كهذا، وإنْ يوحي بعض الارتباك بارتباطه بالرهبة والمكان. بعد وقتٍ قليل على وصولهما إلى شقّة لهما، في منطقة غارقة في البؤس والفقر والقذارة، ينكشف ما تريد آية قوله لإسلام عن تلك العلاقة. تصوير (أحمد جلبوش) الواقع، ببؤسه وقرفه وحشراته، يُمعن في تأكيد انعدام الصحّة في العلاقة بين الشابّين.

هذا كلّه مُكثّف في فيلمٍ قصير (20 دقيقة)، بعنوان "فخّ" (2019)، للمصرية ندى رياض (1987)، معروضٌ أولاً في "أسبوع النقد"، في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي. تكثيف دراميّ في إيقاع هادئ. سردٌ مخفَّف بحواراته وكلامه، لتركيزه على تفاصيل وأشياء وتحرّكات وملامح وتعابير وجه وجسدٍ وعيونٍ (سيناريو ندى رياض). شخصيات قليلة، فإلى جانب محرم وعلاء، هناك نبيل نور الدين في دور البقّال، الذي يتحرّش ـ بعينيه وكلامه الموارب ـ بآية، من دون أنْ ينتبه إسلام، المنشغل في شراء مأكلٍ ومشربٍ. هناك أيضاً شابان يمرّان سريعاً في شارع وسخٍ، وصوت صديقة آية عبر الهاتف، التي ترغب في معرفة ما يحصل بينهما، والتي تُخبرها باتصال والدتها للسؤال عنها.

قذارة المكان غير مُحتَملة، لكن الواقع قاسٍ ومرير. محاولات آية إخبار إسلام بأنّها تريد الانفصال عنه فاشلة. يقول إنّه يُحبّها، لكنّه عصبيّ، وهذا مزعج ونافر. مستعدّ لتحطيم أي شيء تنفيساً عن توتّر أو غضب او عصبيّة، وهذا يُسيء إلى آية ويُزعجها. لكنّه مُصرّ على أنّه يُحبّها، ويحاول جذبها إليه من أجل قبلة أو احتضان أو لمسة. يريد ممارسة الجنس معها، وهي تجهد للاعتراف بما تشعر به إزاءه، لكنْ من دون جدوى. الكاميرا لصيقة بهما، وبالمكان وأشيائه، وبالمناخ وما يحمله من ضغطٍ وأصواتٍ وضجيج وروائح كريهة، تكاد تخترق عدسة الكاميرا باتّجاه المُشاهد، لشدّة وضوح حضورها في اللقطات. اللقطة الأخيرة تصنع خاتمة أجمل، لانفتاحها على تناقضات والتباسات: بهدوء شديد، تخرج الكاميرا من الغرفة إلى الشرفة، ثم يظهر البحر، ويُسمَع صوت أمواجه بصخبٍ كأنّها نهاية العالم، ثمّ لا شيء. هذا الـ"لا شيء" تحديداً يؤسّس نهاية معلّقة بين الشابّين (في الغرفة، يحدث ما يُفضَّل اكتشافه في المُشاهدة).

 

 

"فخّ"، المُشارك في برنامج الدورة الـ12 لـ"مهرجان الفيلم العربي برلين" (المُقامة افتراضياً بين 21 و30 إبريل/ نيسان 2021)، اختبارٌ لحساسية حالات وأشخاصٍ ومناخٍ. حبّ معطّل، ورغبات تُخفي شيئاً من وقائع حاصلة قبل نزول آية وإسلام من سيارة الأجرة (فان) لإكمال مشوارهما إلى عزلتهما المعتادة (كما يبدو) في شقّة قذرة، في مبنى يكاد يسقط لاهترائه الشبيه باهتراء مكانٍ وفضاء وعلاقات وأناسٍ. القسوة في التقاط الواقع امتدادٌ، أو ربما تقديمٌ لقسوة كلّ شيء آخر: علاقة آية بإسلام وبنفسها وجسدها. علاقة إسلام بآية وبنفسه وبجسد آية. البيئة. المكان. الأصوات. نباح كلب، ووقوع آية أرضاً لارتباكها وخوفها من الكلب، وربما من الاعتراف بما تريد قوله. تحرّش وشهوة. إلخ.

هذا كلّه مشغول ببساطة وهدوء. "فخّ" انعكاسٌ لحالة متداولة ومكرّرة، بلغة سينمائية مبسّطة وهادئة، وعميقة بأسئلتها واختباراتها وهواجسها.

المساهمون