"غودزيلا ضد كونغ": إنقاذ العالم ليس مجانياً

"غودزيلا ضد كونغ": إنقاذ العالم ليس مجانياً

16 ابريل 2021
مجرّد صراع بين العملاقين لتحديد من هو القائد (تشن يويو/Getty)
+ الخط -

بثت شبكة "إتش بي أو ماكس" أخيراً الفيلم الذي طال انتظاره "غودزيلا ضد كونغ" Godzilla vs. Kong" الذي يجمع العملاقين السابقين للمرة الأولى، بعد أن نال كل واحد منهما فيلمه الفردي عامي 2017، و2019.

وكما يتضح من العنوان، هناك وعد بمجابهة بين العملاقين، معركة ملحميّة لتحديد من هو ملك الوحوش. لا يمكن أن يخلو فيلم لـ"كونغ" أو "غودزيلا" من السياسة وتاريخ الحروب والاستعمار، فـ"كونغ" في هذا الجزء خارج "جزيرة الجمجمة" مدجّن في قفص اصطناعي عالي التقنيّة، يخلق الانطباع لدى القرد العملاق بأنه في دياره. قفص يدرك "كونغ" وهميته، خصوصاً أنه يتواصل بلغة الإشارة مع فتاة من جزيرته. على النقيض "غودزيلا"، مُختبئ لكنه يظهر فجأة حين يدرك أن هناك خطراً يهدده، ومحاولات لغزو موطنه "الأرض المجوّفة".

يظهر العنصر البشري في الفيلم بأسلوبين: الأول حربي تقني، يريد تطوير سلاح للوقوف بوجه عمالقة الأرض المجوعة، والآخر علمي رومانسي، يؤمن بإنسانية "كونغ"، لكن يضطر الاثنان إلى التعاون من أجل الوصول إلى مركز الأرض والحصول على سلاح قادر على مجابهة "غودزيلا"، ودليلهم إلى هناك "كونغ" نفسه، العائد إلى وطنه بعد غياب طويل.

من دون الخوض في التفاصيل، تبدأ المعركة بين العملاقين في هونغ كونغ، وتظهر أمامنا الصور التقليدية لهجوم "غودزيلا" على الأبنية العالية وكيفية قفزه بينها. عملاقان حركهما البشر وأراد لهما المواجهة، فـ"كونغ" أُفنِيَت جزيرته، و"غودزيلا" نتاج التلوث النووي. نحن هنا أمام تجلٍّ مادي وعملاق للطمع والطموح البشري. لكن ما يثير الاهتمام، أن لا ضحايا في المعركة، نرى فقط الأبنية تتهدم، لا نقطة دماء واحدة، ولا أحد غير الممثلين الرئيسيين يعتليه الغبار.

نحن أمام صراع لا يحصل في الواقع، فقط في الصور، صراع خالٍ من الأضرار المادية، لا أضرار جانبية ولا ضحايا. بعد جولتين من الشجار في هونغ كونغ، نكتشف أن لا عداوة بين العملاقين، مجرد صراع لتحديد مَن "الألفا"، أو الملك، ومَن سيتربع على عرش الأرض المجوفة.

لكن الخطر الحقيقي يتمثل بالبشر؛ "غودزيلا" ميكانيكي تغذيه طاقة الأرض المجوفة، حلم رأسمالي/ سياسي حيويّ يمثل أمامنا بكل قوته، سلاح قادر على الوقوف بوجه العمالقة ودرء الأخطار عن الأرض. لكن، وكأي تجربة علميّة، لا بد من خطاً، وهذا ما حصل. تستقل "غودزيلا" الميكانيكيّة عن صنّاعها، وتقرر استهداف الجميع، ليقف العملاقان جنباً إلى جنب لتفتيتها، وأيضاً، لا ضحايا، سوى صانع "غودزيلا" الميكانيكيّة، أي اتحاد العلم والعسكرة.

هذا هو العدو الآن، من يسعى إلى تحقيق الأمن الشامل، متمثلاً برجل آلي عملاق فُتت إلى قطع على يد العملاقين اللذين يتركان عالمنا هذا ويعودان إلى الأرض المجوفة، ملكَين، منتصرَين لا خطر يهددهما.

يخاطب الفيلم الأفلام الأخرى، سواء تلك التي تتعلق بـ"كونغ" و"غودزيلا"، كما نرى في شارة المسلسل، أو تلك التي تنتمي إلى تاريخ السينما، إذ نكتشف أن "كونغ" قادر على استخدام الأدوات، يصنع رمحاً يخترق قفصه، ثم نكتشف أنه في عالمه، يمتلك فأساً تختزل طاقة هائلةً، كل هذا يعيدنا إلى المشهد الافتتاحي في "أوديسا الفضاء 2001"، كما نكتشف كل البيئات التي يمكن أن يتحرك ضمنها، في البحر، في الثلج، في الهواء، تحت الماء، داخل المدينة وعلى حدودها. الفيلم يختبر كل الأماكن بلقطات تبدو أحياناً واهية، مجرد تكوينات جمالية لحركة الكائنات العملاقة التي يمكن القول إنها تشابه ما نشاهده في أفلام الأبطال الخارقين، خصوصاً حين نرى فأس "غودزيلا" التي تختزل طاقة الرعد.

يلبي الفيلم رغبتنا في أن نرى الوحوش والعمالقة تتشاجر، لكن لا اعتبار لأيّ أضرار أخرى ممكن أن يسببوها، تلك التي تشكل عادة محوراً مهمّاً في كيفية نظرنا إلى العمالقة وأصحاب القوى الخارقة، فإنقاذهم للعالم لا يكون مجانياً، بل على حساب حيوات الكثيرين، الذين لا نراهم في هذا الفيلم، ولا نسمع حتى صراخهم.

المساهمون