"طريق العودة" إلى الكواليس

"طريق العودة" إلى الكواليس

09 نوفمبر 2021
الفيلم من بطولة روبرت دينيرو (أمازون)
+ الخط -

بثت شبكة "أمازون برايم"، أخيراً، فيلم "طريق العودة"، من بطولة روبرت دينيرو، ومورغان فريمان، وتومي لي جونز. ثلاثة أسماء من العيار الثقيل، اجتمعت في هذا الفيلم المقتبس عن عمل سابق يحمل نفس العنوان، وأنتج عام 1982. وفيه نتعرف على دوك مونتانا، نجم أفلام الكاوبوي الذي يحاول الانتحار، والمنتج ماكس باربر، الذي يحاول إنقاذ شركته من الإفلاس منتصف السبعينيات.
الفيلم أقرب إلى محاكاة ساخرة لأفلام الكاوبوي. وفي ذات الوقت، هو محاولة لانتقاد والاحتفاء بتاريخ السينما نفسه، وبداية تلاشي أفلام الكاوبوي. كما يقدم العمل جانباً ساخراً من كواليس الإنتاج؛ فماكس باربر، اقترض النقود من رجل عصابات لإنتاج آخر أفلامه، وبعد إخفاق الفيلم، يقرر أن يستدين نقوداً أكثر من ذات الرجل من أجل صناعة فيلم آخر، بالاستعانة بممثل منسي، اسمه دوك مونتانا. والهدف، هو دفع مونتانا نحو الموت في اليوم الأول من التصوير، كي يحصل المنتج على نقود التأمين، ويسدد كل ما عليه من ديون لرجل العصابات، الذي يلعب دوره مورغان فريمان.
يتبنى الفيلم صيغة المقالب، التي تتجلى في حوادث متنوعة مستلهمة من تاريخ أفلام الغرب، كوقوع مونتانا من أعلى الحصان، أو سقوطه من أعلى جسر معلق، وغيرها من الأساليب التي يتبعها المنتج في محاولة للقضاء على بطل الفيلم، ذاك الذي اختاره عشوائياً، كونه لا ينوي إنجاز الفيلم. لكن، نلاحظ أثناء عملية اختيار الممثلين والمخرج، سخرية من نظام الأفلام وكيفية توزيعها من قبل الاستديو على المخرجين، فيما يشبه تجربة الأداء التي لا تمتد أكثر من بضع ثوان، يسرد فيها كل مخرج رؤيته للسيناريو أمام المنتجين.


الفيلم أقرب إلى قراءة ساخرة لكواليس هوليوود وما بعد الشهرة؛ إذ نكتشف مثلاً حال الممثلين الذين تقدم بهم العمر، وكيف ما زالوا يبحثون عن فرصة للعمل، حتى وهم في مأوى العجزة وغير قادرين على التقاط أنفاسهم. هذا ما يتجلى في دوك مونتانا نفسه، الذي اتم اختياره فقط لأنه يريد الانتحار. لكن، بالرغم من أن الفيلم مليء بالمقالب والمبالغات الميلودرامية والصراخ والشتم، إلا أن مونتانا لا يموت، بل ينجو دوماً، ما يجعله بطلاً هزلياً. لكن ما سبق، أثر على أداء الممثلين، وأدوارهم التي تبدو واهية، بل نشعر أحياناً بالاستغراب من بعض السخافات التي نراها أمامنا مجسدةً من قبل أسماء راسخة في هوليوود.
تنكشف اللعبة في النهاية، فرجل العصابات المهووس بالأفلام، والذي يطغى على حواره التغني بالأفلام التي رآها وتلخيص حبكاتها، يقرر قتل المنتج والممثل المخادعين. لكن، السينما تنقذ "الجميع"، إذ يرى رجل العصابات المشاهد التي تم تصوريها، فتأسره، ويتلاشى غضبه، مقرراً الصفح عن خصومه، مقابل هذه التحفة التي ستنال الأوسكار، النهاية المتوقعة من أول لقطة في الفيلم، وكأن كل ما نراه على الشاشة يخفي وراءه سرقة واحتيالاً وموهبة... والكثير من المخاطر.

سينما ودراما
التحديثات الحية

الفيلم ممتع، لكنه ليس برائعة فنيّة، ولا علامة فارقة. نستخدم هنا ألفاظا قد تبدو عمومية ومخففة، كون الفيلم تعرّض لموجة هائلة من الانتقادات، بل وصف بأنه واحد من سلسلة الأفلام الفاشلة التي يشارك فيها دينيرو لأجل المال فقط، ناهيك عن أن الفكرة أو المفهوم الذي يتبناه الفيلم مثير للاهتمام، لكن التنفيذ كان أشبه بذبح للفكرة حسب أحد المقالات، خصوصاً صناع العمل الذين فوتوا على أنفسهم فرصة صناعة "فيلم عن الأفلام"، وعن نوع فني (أفلام الغرب الأميركي) يعتبر واحداً من أقدم أشكال السينما، لما يحويه من مخاطر وترفيه ومغامرات.

المثير للاهتمام في الفيلم هو مقاربته للسينما وصناعتها، بوصفها مقامرة غير محسوبة النتائج. في كل لحظة، هناك كارثة قد تهدد الفيلم بأكمله، ناهيك عن الكارثة الأهم التي تتمثل في رأي الجمهور، الشأن الذي لا يمكن التنبؤ به أو معرفته، إلا بعد صرف الأموال وبذل الجهود؛ إذ يمكن أن يذهب كل شيء سدى، منذ العرض الأول للفيلم، وهذا ما نراه في المشهد الأول؛ إذ تعرّض فيلم المنتج ماكس باربر للمقاطعة، ولم يحضره أحد، لكنه لم يترك "العمل"، بل قرر المخاطرة بكل شيء، أشبه بالمدمن على المقامرة، مهما خسر، لن يتوقف إلا حين تنتهي حياته.

المساهمون