"صمت الحملان"... تلك العيون الباردة والفاتنة

"صمت الحملان"... تلك العيون الباردة والفاتنة

09 مارس 2021
العلاقة تبدو غامضة بين ستارلينغ ولكتر (Getty)
+ الخط -

كُلّما ذُكر الممثّل أنتوني هوبكنز، يتبادر إلى الذهن دوره في فيلم "صمت الحملان" (The Silence of the Lambs، 1991)، الذي صدر قبل ثلاثين عاماً، وأدرجته شبكة OSN إلى قائمة أفلامها مطلع هذا الشهر.

لم يحتَج هوبكنز، حينها، إلى أكثر من 17 دقيقة، هي مجموع دقائق ظهوره في الفيلم (138 دقيقة)، ليترك في مخيلة المشاهد تلكما العينين الباردتين اللتين امتلكهما هانيبال لِكتر؛ الطبيب النفسي، والقاتل المتسلسل آكل لحوم البشر. كذلك، تلك الدقائق كانت كافية لينتزع الأوسكار الوحيدة التي حازها طوال مشواره، رغم أنّه قدّم أدواراً أخرى لا تقل أهمية، وترشّح عنها للأوسكار، لكنه لم ينلها. لعلّ أبرز هذه الأدوار هو كبير الخدم في فيلم "بقايا اليوم" The Remains of the Day) 1993).

في "صمت الحملان"، نبدأ بالركض، برفقة المحققة كلاريس ستارلينغ، التي أدّت دورها جودي فوستر. وننتهي بالمشي بهدوء ولامبالاة برفقة لكتر. فبينما أمضت الأولى الفيلم تلهث وراء قاتل متسلسل عُرف باسم بافلو بيل، كان لكتر يساعدها على التعرّف إلى القاتل من خلال قراءة ملفه وفهم طبيعة جرائمه.. كان يساعدها بوصفه طبيباً نفسياً ماهراً، وكذلك ككقاتل بارع. لكن، ولمساعدتها، لا بدّ لها أن تبادله معلومات أخرى، شخصية، عن نشأتها وطفولتها، والخوف الذي واجهته صغيرةً.. خوفها الأوّل، البدائي، الطفولي، الذي ظلّ يسكنها حتى مواجهتها لـ هانبيال لكتر نفسه، الذي استطاع أن يستبطن هذا الخوف، ويعمّقه أيضاً، مانحاً ستارلينغ مساحة معقولة من التداعي، لتسرد له قصّة الحملان التي أيقظتها من نومها حين كانت تصرخ، قبل أن تُذبح. 

سينما ودراما
التحديثات الحية

من جهتها، استطاعت فوستر، التي انتزعت هي الأخرى أوسكار أفضل ممثلة عن أدائها هذا، تجسيد دور المحققة بإتقان؛ إذ تركّز الكاميرا، كما في حالة لكتر، على عينيها، تترك لهما القول.. تلك النظرات والتحديقات المتوترة والخائفة والتواقة والمفتونة، والفاتنة أيضاً، استطاعت فوستر أن تمنحها للمشاهد، وتتركها على حافة عينيها واضحةً، مُخفيةً وراءها أسراراً كان يسعى لكتر طوال الوقت إلى إظهارها، ونجح في ذلك. 

ما يزيد اللبس في "صمت الحملان" (أخرجه جوناثان ديم)، هو عدم وضوح العلاقة بين ستارلينغ ولِكتر؛ إذ تبدو علاقة مركبة للغاية، يزيدها تعقيداً ولع كل منهما في الآخر، من دون أن يبوح أحدهما بذلك. لكن هشاشة ستارلينغ تُثير لكتر، وذكاء الأخير، وذائقته الفنية، وقدرته على التحليل والاستبطان، من شأنها أيضاً أن تترك أثراً كبيراً في نفس المحققة. 

لعلّ هذه المسافة بين الشخصيتين يمكن أن يملأها القاتل الذي تطارده ستارلينغ، بافلو بيل؛ إذ كان يترك في فم ضحاياه شرنقة، يمكننا القول إنّها ترمز إلى ستارليغ بشكل ما؛ قبل أن تكبر وتتحول وتكتمل، لتصبح فراشة أو عثّةً؛ أي لكتر. 
الشرنقة ترمز إلى التحول بالنسبة للقاتل الذي لم يستطع تقبّل نفسه كرجل، وأراد أن يصبح امرأةً، وهي ترمز إلى هشاشة ستارلينغ في طورٍ من أطوارها، وإلى نضج لكتر بعد اكتمال هذا الطور. كأنّ كليهما شخص واحد، نراه في هشاشته (الشرنقة)، وفي قوّته (الفراشة/العثّة).

المساهمون