"صائد الحيتان"... ممثلون مراهقون يمنحون الفيلم فرحاً إضافياً

"صائد الحيتان"... ممثلون مراهقون يمنحون الفيلم فرحاً إضافياً

03 أكتوبر 2020
مشهد من فيلم "صائد الحيتان" (يوتيوب)
+ الخط -

مع ممثّلين هواة، وبعد جدل واسع بين أعضاء لجنة التحكيم، فاز "صائد الحيتان" بجائزة "أيام البندقية"، في الدورة الـ77 (2 ـ 12 سبتمبر/ أيلول 2020) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، وأعرب مخرجه الروسي الشاب فيليب يورييف (30 عاماً) عن سعادته لاختيار فيلمه، مُشيراً إلى أن الجائزة تفتح على مستقبل مختلف للفيلم وله شخصياً، خاصة أنّه أول فيلم طويل في حياته المهنية. الفيلم مدعومٌ من وزارة الثقافة الروسية، وحاصل على تمويل من بلجيكا وبولندا. أُنجز بعد سبع سنين من العمل، وعُرض للمرة الأولى في فينيسيا، في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري، وسيشارك في مهرجان "كينو تفار"، في مدينة سوتشي الروسية، و"مهرجان الجونة السينمائي" في مصر.

بحسب يورييف، وُلدت فكرة القصّة أثناء رحلته إلى أقصى شمال روسيا، وتوقّفه في قرية معزولة عن العالم، تفصلها مئات الكيلومترات عن التجمّعات السكنية الأخرى، لكنها تنعم بالإنترنت، التي تحوّلت إلى البوابة الوحيدة على العالم الخارجي للمراهقين، ومصدر التسلية الوحيد في أوقات فراغهم، في الصيف خاصة، مع سفر فتيات القرية لتدريبٍ عملي لثلاثة أشهر في مدينة بعيدة.

من شاشة الكمبيوتر المحمول، الوحيد في القرية، الذي يتناوب على استخدامه المراهقون، يتعرّف لوشكا (15 عاماً) على فتاة أميركية شقراء تعيش في الولايات المتحدة. تتوثّق العلاقة بينهما عبر مكالمات الفيديو، ويبدأ المراهق بتعلّم اللغة الإنكليزية، مُستعيناً بكتب تعليم من المكتبة، ليتمكّن من التحدّث إليها. بل أنّه يذهب إلى أبعد من ذلك، ويقرّر خوض مغامرة السفر إلى الولايات المتحدة، القريبة البعيدة في آنٍ واحد، رغم تحذيرات صديقه من أنّ أميركا ليست فقط ناطحات سحاب ومطاعم "ماكدونالدز" وحياة رغيدة، فيها فتيات جميلات. لكنّ الحياة الصعبة في "تشيكوتكا"، ونضاله لاصطياد الحيتان بطرق بدائية، تجعله واثقاً من أنّ الحلم الأميركي قريب، وما عليه إلا عبور أقلّ من 90 كيلومتراً في مضيق "بيرينغ"، ليصل إلى حبيبته، التي تقطن في "ديترويت"، والتنعّم بحياةٍ لن تكون بالصعوبة نفسها التي يكابدها في قريته.


العالم، الذي بناه يورييف في حبكة سعي البطل وراء حلم افتراضي، يخلو تماماً من مظاهر اليأس والضجر الغالبة على سكّان أقصى الشمال الروسي، المتعبين من قسوة "جنرالات البرد" في "مملكة الثلج" القطبية، ما يجعل المُشاهد واثقاً من أنّ المستقبل المشرق ينتظر هؤلاء المراهقين، بما يتمتّعون به من روابط صداقة قوية، وحبّهم لموسيقى الجاز، والسعادة الغامرة بالحياة مع استخدام الدراجة النارية القديمة. ولا يُهمل يورييف إظهار المجتمعات المحلية بلغتها المميّزة، وبعاداتها وتقاليدها.
استعان المخرج بمراهقين من المنطقة لأداء الأدوار الرئيسية، ما أضفى على "صائد الحيتان" طابعاً خاصاً، بحسب تصريحات لوكالة "تاس"، قال فيها: "انظروا كيف يؤدّي ممثلون غير محترفين أدوارهم بشكلٍ أكثر مهنية، وبمتعةٍ، وبشكلٍ أفضل من بعض الفنانين المشهورين ممن تابعنا أعمالهم سابقاً"، مضيفاً أنّ الأمر "في البداية كان صعباً جداً"، وأنّه ظنّ لوهلة "أنّها مهمة مستحيلة"، فـ"مكان التصوير صعب، والمشاعر العاطفية معقّدة، والأطفال أيتام". 

انظروا كيف يؤدّي ممثلون غير محترفين أدوارهم بشكلٍ أكثر مهنية، وبمتعةٍ، وبشكلٍ أفضل من بعض الفنانين المشهورين ممن تابعنا أعمالهم سابقاً

ومع إعرابه عن سعادته بالجائزة، قال إنّ فوزه يُعدّ حدثاً مهماً بالنسبة إليه، مُشيراً، في لقاء مع موقع "بينزنس إف إم"، إلى أنّه لم يكن يحلم بالفوز بهذه الجائزة، لأنّ المهرجان يركّز على القضايا السياسية والاجتماعية الراهنة، و"الفيلم لا يمكن تصنيفه في هذا الإطار".

أما عن أسباب استعانته بممثلين هواة، فأوضح أنّ "الفيلم عن فتى من قرية في "تشيكوتكا"، تحديداً عن تلك المنطقة. لهذا، كان واضحاً لي أنّه لا يُمكن أن يؤدّي هذه القصّة ممثلون محترفون، لأنّه يجب أن تكون الأدوار لفتيان حقيقيين، لا علاقة لهم بالمسرح والتمثيل، ويجب أنْ يكونوا بشراً عاديين في فيلمٍ سينمائي". أضاف يورييف: "بعد البدء بالتصوير، أدركتُ أنّ الأمر مغامرة كبيرة، لأن الأبطال مراهقون، في عمر حسّاس، ومن عائلات صعبة، وطباعهم غير معروفة. وعند الحصول على أداء جيد وحقيقي منهم، كانت فرحتي غامرة". 

ولتلافي إعادة المَشاهد، كشف أنّه بَسَّط الحوار إلى أقصى درجة ممكنة، و"رغم ذلك، خرج الفتيان أحياناً كثيرة عن النص". لكنّ صدق مشاعرهم واستخدامهم كلماتهم المبسّطة جعلاه يتجاهل الأمر، وربما أعطى هذا للفيلم طابعاً مميّزاً: "إنّه يُصوّر تماماً طريقة حديث المراهقين في تلك المنطقة، ومصطلحاتهم، وطرق تفكيرهم". وذكر أنّ "الأبطال أضافوا فرحاً كثيراً إلى الفيلم بسبب طَبعهم"، مُشيراً إلى أنّ الجمهور "كان يتوقّع مُشاهدة فيلمٍ عن صعوبة الحياة في القرية، لكنّه فوجئ بعرضٍ يرسم الضحكة على الوجوه، بسبب مزاج الأبطال". وخلص إلى أنّ "صائد الحيتان" يتحدّث عن مرحلة البلوغ، وبحث كلّ شخص عن مكان له في فترة المراهقة، وعن الأحلام.

"أيام البندقية" فعالية مستقلّة، تُنظّم بالتوازي مع برامج المهرجان منذ عام 2004، وتُعرض فيها أفلامٌ ذات نوعية إبداعية مميزة. تبلغ قيمة الجائزة 20 ألف يورو، توزّع مناصفة بين المخرج وشركة التوزيع.
 

المساهمون